الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: لكل غادر لواء يوم القيامة

          3186- 3187- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ) بفتحِ الواو، هو: هشامُ بنُ عبدِ الملك، قال: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) أي: ابنُ الحَجَّاج (عَنْ سُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ) أي: شَقيقِ بنِ سلَمةَ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ) أي: ابنِ مسعودٍ (☺، وَعَنْ ثَابِتٍ) قال في ((الفتح)) تَبعاً ((للتنقيح)): قائلُ ذلك هو شُعبةُ، بيَّنَه مسلمٌ في روايتِه، وأخرجه الإسماعيليُّ عن أبي خليفةَ، عن أبي الوليدِ؛ شيخِ البخاريِّ بالإسنادَين معاً في موضِعَين، ثم قال: وبهذا يُردُّ على مَن جوَّزَ أن يكونَ: ((وعن ثابت)) معطوفاً على قولِه: ((عن أبي الوليد)) فيكونُ من روايةِ الأعمشِ عن ثابتٍ، وليس كذلك، انتهى.
          وأقول: إن أرادَ الردَّ على الكِرمانيِّ فلا يظهرُ؛ لأنَّ عبارةَ الكِرمانيِّ: ((وعن ثابتٍ)) عطفٌ على ((سليمانَ))، انتهى.
          فتساوى ما قاله في ((الفتح)) لا ما ردَّ به، فتأمَّلْ.
          (عَنْ أَنَسٍ) أي: ابنِ مالكٍ (عَنِ النَّبِيِّ) يعني: أنَّ ابنَ مسعودٍ وأنساً روَيا عن النبيِّ (صلعم أنه قَالَ: لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ) بكسرِ اللام والمد؛ أي: علَمٌ (يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ أَحَدُهُمَا) أي: أحدُ الصحابيَّين الراويَين (يُنْصَبُ) أي: اللِّواءُ، ببناء الفعل للمجهولِ، والجملة: / نعتُ ((لواءٌ)) الواقعِ مبتدأً مؤخَّراً.
          (وَقَالَ الآخَرُ) أي: الراوي الآخَرُ (يُرَى) أي: اللِّواءُ؛ أي: بدَلَ ((ينصَبُ)) (يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ) أي: باللواءِ، ونائبُ فاعلِه ضميرٌ يعودُ على الغادر، وضميرُ ((به)) للواء، ولم أقفْ على تعيينِ الأحدِ، لكن لا يقدَحُ ذلك في الحديثِ؛ لأنَّ كلتا الروايتَين بشَرطِ البخاريِّ.
          قال في ((الفتح)): ليس في رواية مسلمٍ: ((يُنصَبُ)) ولا: ((يُرى)) وزاد من طريق شُعبةَ: ((يُقال: هذه غَدْرةُ فُلانٍ)) وله من حديثِ أبي سعيد: ((يُرفَعُ له بقَدْرِ غَدْرتِه)) وله من وجهٍ آخرَ: ((عند اسْتِه)).
          قال ابنُ المنيِّر: كأنه عومِلَ بنقيضِ قَصدِه؛ لأنَّ عادةَ اللِّواءِ أن يكونَ على الرأس، فنُصبَ عند السُّفل زيادةً في فضيحته؛ لأنَّ الأعينَ غالباً تمتدُّ إلى الألوَيةِ، فيكونُ ذلك سبيلاً لامتدادِها للتي بدَتْ له ذلك اليومَ، فيزدادُ بها فضيحةً.
          ومطابقةُ هذا الحديث كالذي بعدَه للترجمةِ ظاهرةٌ.