الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: اشتريها وأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق

          2564- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يوسُف) أي: التِّنِّيسيُّ، قال: (أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) أي: الإمامُ (عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) بكسر العين فتحتيةٍ ساكنة (عَنْ عَمْرَةَ) بفتح العين المهملة وسكون الميم؛ أي: الأنصاريةِ المدنيةِ (بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ بَرِيرَةَ) لم أقِفْ على اسمِ أبيها ولا أمِّها (جَاءَتْ تَسْتَعِينُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ) بنصبِ ((أمَّ)) نعتُ ((عائشةَ)) ♦.
          (فَقَالَتْ) أي: عائشةُ (لَهَا) أي: لبَريرةَ (إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ) أي: مَواليكِ (أَنْ أَصُبَّ لَهُمْ) أي: أدفعَ لهم (ثَمَنَكِ) بكسر الكاف فيه وفي سابقهِ ولاحقِهِ (صَبَّةً وَاحِدَةً) بضم صاد ((أصُبَّ)) وفتحِها، مِن: صبَّه، قال في ((المصباح)): صَبَّ الماءَ يصبُّ _من باب ضَرَبَ_، صبًّا: انسكَبَ، ويتعدَّى بالحركة، فيُقال: صببتُه صَبًّا _من باب قتل_، وانصَبَّ الناسُ على الماءِ؛ اجتمَعُوا عليه، والصُّبَّةِ _بالضَّمِّ_ والصُّبابةُ: القِطعةُ من الشَّيء، يقال: عندي صُبَّةٌ من دراهمَ وطعامٍ وغيرِه.
          (فَأُعْتِقَكِ) بالفاء، وبضم الهمزة والنَّصبِ، ولأبي ذرٍّ: <وأُعتِقَك> بالواو (فَعَلْتُ) بضم التاء، جوابُ ((إنْ)) (فَذَكَرَتْ بَرِيرَةُ ذَلِكَ لأَهْلِهَا، فَقَالُوا لاَ) أي: لا نبيعُكِ (إِلاَّ أَنْ يَكُونَ وَلاَؤُكِ) وللحمَويِّ والمستمليِّ: <إلا أن يكونَ الولاءُ> (لَنَا. قَالَ مَالِكٌ) أي: الإمامُ (قَالَ يَحْيَى) أي: ابنُ سعيدٍ الأنصاريُّ، قال العينيُّ: هو موصولٌ بالإسنادِ الأوَّل.
          وقال في ((الفتح)): وصورةُ سياقِهِ الإرسالُ، ولم تختلفِ الرُّواةِ عن مالكٍ في ذلك، لكن تقدَّمَ في أبوابِ المساجد من وجهٍ آخرَ عن عَمْرةَ: سَمِعتُ عائشةَ، فظهرَ أنه موصولٌ، انتهى.
          (فَزَعَمَتْ) أي: فقالتْ (عَمْرَةُ أَنَّ عَائِشَةَ) فالزَّعمُ هنا بمعنى القولِ المحقَّق (ذَكَرَتْ) بسكون التاء (ذَلِكَ) أي: الذي قالته لأهلها والَّذي قالوه لها.
          (لِرَسُولِ اللَّهِ صلعم، فَقَالَ) أي: النبيُّ صلعم لعائشةَ (اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا) بهمزة الوصلِ في الأوَّل، والقطعِ في الثاني (فَإنَّما الْوَلاَءُ) بفتح الواو والمد (لِمَنْ أَعْتَقَ).
          وجهُ مطابَقةُ الحديثِ للتَّرجمةِ من جِهةِ رِضا بَريرةَ بالبيع، وظاهرُ الحديثِ يقتضِي جوازَ بيعِ المكاتَبِ إذا رضي بذلك ولو لم يعجِّزْ نفسَه، واختارهُ البُخاريُّ، وهو مذهبُ أحمدَ، ومنعَه الجمهورُ منهم الشافعيُّ، لكنْ في ((المعرفة)) للبيهقيِّ نقلاً عن الشافعيِّ أنَّه إذا رضيَ أهلُها بالبيعِ ورضيَتِ المكاتَبةُ بالبيعِ، فإنَّ ذلك تركٌ / للكتابةِ، انتهى، فليُتأمَّل.