الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب: إذا اختلف الراهن والمرتهن ونحوه فالبينة على المدعى

          ░6▒ (باب إِذَا اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ) أي: في أصلِ الرَّهنِ أو قدرِهِ أو تعيينهِ أو في قدرِ المرهُونِ به (وَنَحْوُهُ) أي: نحوُ الرَّاهنِ والمرتهِنِ كالمتبايعَينِ، وأفرَدَ الضَّميرَ لتَأويلهِمَا بمَا ذكرَ مثلاً، فنحو مرفُوعٌ عطفاً على الرَّاهنِ والمرتَهنِ، وقال شيخُ الإسلامِ: ((ونحوُهُ)) بالرَّفعِ عطفٌ على جملَةِ الشَّرطِ؛ أي: ونحوُ ما ذُكرَ كاختلافِ المتبَايعَينِ، انتهى.
          فجعلَ الضَّميرَ عائداً إلى الرَّاهنِ والمرتهِنِ لتأويلِهِمَا بما ذكرَ كما ذكَرنَا، لكن في جعلِهِ رفعُ نحوُ بالعطفِ على جُملةِ الشَّرطِ شيءٌ، إذ ليسَ لها محلٌّ فضلاً عن كونهِ رفعاً، فتأمَّل.
          وقال العينيُّ: ((ونحوُهُ)) أي: ونحوُ اختِلافِ الرَّاهنِ والمرتَهنِ مثل اختِلافِ المتبايعَينِ وغيره، انتهى.
          وأقولُ: مقتضَاهُ أنَّ الضَّميرَ عائدٌ إلى اختلافِ الرَّاهنِ والمرتَهنِ، وأقولُ: لو جعلَ ((ونحوُهُ)) بالرَّفع عطفاً على اختِلافِ الرَّاهنِ والمرتهنِ على أنَّه من قبَيلِ العطفِ على المعنَى، وضميرُ ((ونحوُهُ)) راجِعاً إلى اختِلافهِمَا لاستقَامَ ويكونُ المعنَى إذا وجدَ اختلافَ الرَّاهنِ والمرتَهنِ ونحوُ اختلافِهمَا وهو اختِلافُ المتبَايعين مثلاً، وعلى هذا فيجُوزُ أيضاً جرُّهُ ((ونحوِهِ)) عطفاً على ما أُضيفَ إليه اختلاف وضميرُهُ عائدٌ إلى الرَّاهنِ والمرتَهنِ بالتَّأويلِ المارِّ فتأمَّل جدًّا.
          وقولُهُ: (فَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) جوَابُ: ((إذا))، والمدَّعِي في الموضعَينِ بتشديدِ الدَّال المهملةِ المفتوحةِ لكن العينَ المهملةَ مكسورةٌ في الأوَّلِ مفتُوحةٌ في الثَّاني، وهذا هو معنَى حديثِ البيِّنةُ على المدَّعِي واليمِينُ على من أنكَرَ، والمدَّعِي _بكسرِ العينِ_ من يخالِفُ قولَهُ الظَّاهرَ، والمدَّعَى عليه من يوافقُهُ، وقيلَ: المدَّعِي من لا يستحقُّ إلَّا بحجَّةٍ، وقيل: من يتمسَّكُ بغير الظَّاهرِ، وقيل: مَن إذا ترَكَ تُرِكَ، وهو الأحسنُ والمدَّعَى عليه بخِلافِ ذلك.
          والحكمَةُ في أنَّ البيِّنةَ على المدَّعِي واليمِينُ على غيرِهِ أنَّ جانبَ المدَّعي ضعيفٌ فكُلِّفَ حجَّةً قويَّةً وهي البيِّنةُ وجانبُ المدَّعَى عليه قوِيٌّ فاكتُفي فيه بحجَّةٍ ضعيفةٍ وهي اليمِينُ، نعَم قد تكونُ اليمِينُ في جانبِ المدَّعِي لدليلٍ كأيمَانِ القسَامَةِ ودعوَى القيمَةِ في المتلَفَاتِ، كمَا هو مبيَّنٌ في كتُبِ الفقهِ، قالهُ شيخُ الإسلامِ.