الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: مطل الغني ظلم ومن أتبع على ملي فليتبع

          2288- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يوسُف) أي: البِيكَنديُّ، قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) أي: الثَّوريُّ (عَنِ ابن ذَكْوَانَ) اسمُه: عبدُ الله (عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺، عَنِ النَّبِيِّ صلعم) قال: (مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ) فدخَلَ في المطْلِ _كما في ((الفتح))_ كلُّ من لزِمَه حقٌّ، كالزَّوجِ لزوجتِه، والسيدِ لعبده، والحاكمِ لرعيَّتِه وبالعكسِ، انتهى.
          (وَمَنْ أُتْبِعَ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتَّبِعْ) مرَّ الكلامُ عليه قريباً في البابِ قبله، ورواه أحمدُ بلفظِ: ((وإذا أُحيلَ أحدُكم على مليءٍ فليتبَعْ)) فتعديتُه بـ((على)) ظاهرةٌ.
          وأمَّا حديثُ الباب؛ فلتَضمينِ ((أُتبِعَ)) أُحيلَ، ورواه أبو داودَ والنسائيُّ وابنُ ماجه عن الشَّريدِ بلفظ: ((لَيُّ الواجدِ ظلمٌ [يُحِلُّ] عِرضَه وعقوبتَه)) بتشديد التحتية، مصدرُ: لوى يَلوي لَيًّا.
          واستُدلَّ بالحديثِ على أنَّ العاجزَ عن الأداءِ لا يدخُلُ في الظُّلم؛ لأنَّ تعليقَ الحُكمِ لصفةٍ من صفاتِ الذَّاتِ يدلُّ على نفي الحُكمِ من الذاتِ إذا انتفَتِ الصِّفةُ / .
          ومَن لم يقُلْ بالمفهومِ أجاب بأنَّ العاجزَ لا يسمَّى ماطِلاً، وعلى أنَّ الغنيَّ الذي مالُه غائبٌ عنه لا يدخُلُ في الظُّلمِ، وهل هو مخصوصٌ من عمومِ الغنيِّ، أو ليس هو في الحُكمِ بغَنيٍّ؟ الأظهرُ الثاني؛ لأنَّه في تلك الحالةِ يجوزُ إعطاؤه من سهمِ الفقراءِ من الزَّكاة، فلو كان في الحُكمِ غنيًّا لم يجُزْ ذلك.
          واستُنبطَ منه أنَّ المعسِرَ لا يحبَسُ ولا يطالَبُ حتى يوسِرَ، قال الشافعيُّ: لو جازت مؤاخذتُه لَكان ظالماً، والغرضُ أنه ليس بظالمٍ؛ لعَجزِه، وقال بعضُ العلماء: له أن يحبِسَه، وقال آخرون: له أن يُلازِمَه.
          واستُدلَّ به على أنَّ الحوالةَ إذا صحَّتْ ثم تعذَّرَ القبضُ بحدوثِ حادثٍ؛ كموتٍ أو فَلَسٍ، لم يكُنْ للمحتالِ الرُّجوعُ على المُحيلِ؛ لأنَّه لو كان له الرُّجوعُ لم يكُنْ لاشتراطِ الغِنى فائدةٌ، وقال الحنفيَّةُ: يرجِعُ عند التعذُّرِ، وشبَّهوه بالضمان.
          واستُدلَّ به على ملازَمةِ المماطِلِ، وإلزامِه بدفعِ الدَّينِ، والتوصُّل إليه بكلِّ طريقٍ، وأخذِه منه قهراً، وغير ذلك.