الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: كان النبي إذا دخل العشر شد مئزره

          2024- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ): أي: ابن المديني، قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ): أي: ابن عُيينة (عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ): بفتح التحتيَّة وسكون العين المهملة وضمِّ الفاء وبالراء، منصرفٌ، وهو المعروف بأبي يعفورٍ الأصغر، واسمه: عبد الرَّحمن بن عبيدٍ البكائي العامري الثعلبي _بالمثلَّثة_ نسبة للحيوان المعروف.
          وقال في ((الفتح)): ولأحمد عن سفيان عن ابن عبيد بن نسطاس، قال: وهو أبو يعفور المذكور واسمه عبد الرحمن وهو كوفي تابعي صغير، قال: ولهم أبو يعفور آخر تابعيٍّ كبير اسمه: وقدان، انتهى.
          (عَنْ أَبِي الضُّحَى): هو: مسلم بن صبيحٍ (عَنْ مَسْرُوقٍ): هو: ابن الأجدع (عَنْ عَائِشَةَ) ♦ (قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلعم إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ): أي: الأخير من رمضانَ كما صرَّح به في حديث عليِّ بن أبي طالبٍ عند ابن أبي شيبة والبيهقي (شَدَّ مِئْزَرَهُ): بكسر الميم وسكون الهمزة، ويجوز: إبدالها ياء على ما هو القاعدة في الهمزة الساكنة أنَّها يجوزُ إبدالُهَا من جنس حركةِ ما قبلَها؛ أي: إزارَهُ، ولمسلمٍ: ((جدَّ وشدَّ المئزرَ)).
          قال في ((الفتحِ)): أي: اعتزلَ النِّساء، وبذلك جزم عبد الرزَّاق عن الثَّوريِّ، واستشهد بقوله:
قومٌ إذا حَارَبُوا شَدُّوا مَآزِرَهُم                     عَنِ النِّسَاءِ وَلَوْ بَاتَتْ بِأَطْهَارِ
          وقال القسطلانيُّ: وبذلك فسَّرهُ السَّلف والأئمَّة المتقدِّمون، وقيل: هو كنايةٌ عن شدَّة جدِّه واجتهاده في العبادةِ، كما يُقال: فلانٌ يشدُّ وسطه ويسعى في كذا، ونظر في القيلِ بأنَّ عائشةَ قالت: ((جدَّ وشدَّ المئزر)) والعطف يقتضي المغايرة، وقيل: يحتملُ أن يُراد الاعتزال والتَّشمير معاً، وروى ابنُ أبي عاصمٍ بإسنادٍ متقاربٍ عن عائشةَ قالت: ((كان عليه السَّلام إذا كان رمضانُ قام ونام، فإذا دخلَ العشرُ شدَّ المئزر واجتنبَ النِّساء))، وللطَّبرانيِّ عن أنسٍ: ((كان عليه السَّلام إذا دخل العشرُ الأواخر مِن رمضان طوى فراشه واعتزل النِّساء)).
          (وَأَحْيَا لَيْلَهُ): أي: سهره بالطَّاعةِ، ويحتملُ أن يُراد الحقيقة والمجاز، كما في طويلِ النِّجاد لطويلِ القامةِ، والنِّجاد أيضاً؛ أي: وأحيى نفسَه بالسهر لأنَّ النومَ أخو الموتِ، وقيل: هو من باب الاستعارةِ لتشبيه القيامِ فيه بالحياة في حصول الانتفاع التَّامِّ، وأضافه إلى اللَّيل اتِّساعاً، ويحصل الإحياء بقيام كلِّ الليل بصلاةٍ أو غيرها من الطَّاعات، ويحصلُ أيضاً بإحياء معظمِهِ لقول عائشةَ في ((الصحيح)): ((ما علمته قام ليلةً حتى الصَّباح)).
          (وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ): أي: للصَّلاة أو غيرها من الطَّاعات، وروى التِّرمذيُّ ومحمَّد بن نصرٍ مِن حديث زينب بنت أمِّ سلمة قالت: ((لم يكن النَّبيُّ إذا بقي من رمضان عشرة أيَّامٍ يدعُ أحداً مِن أهله يطيق القيام إلَّا أقامه)).
          وهذا الحديثُ أخرجه مسلمٌ وابن ماجه في الصَّوم، وأبو داود والنَّسائيُّ في الصَّلاة.