روح التوشيح على الجامع الصحيح

المقدمة

          ♫
          الحمد لله الَّذي اختصر الكلِم لخير الأصفياء، ففاق العلم الأنبياء والأئمة، ففقنَا بالعلم الأولياء من كلِّ أمَّة، صلى الله تعالى عليه وسلم وعلى آله من كلِّ ذوي الهمَّة، ما ترادفتِ القدرة والإرادة على أيِّ إيجادٍ وإعدامٍ هاهنا وثمَّه.
          أما بعدُ: فيقول الحقيرُ الكبير عليُّ بن سليمان الدَّمنتيُّ البجمعويُّ، الفقير إلى الله الرَّاجي من الرَّحمن له ولكلِّ موحِّدٍ الغفران، وإن لم نف بالشُّكران، إنَّه الحنَّان المنَّان، فلتعلمْ وفَّقنا الله تعالى وإيَّاكم أنِّي لمَّا ألَّفت: (منجزات جنان الشِّفا في معجزات جناب(1) المصطفى حسبما أطبقته ظروف محمَّد الأنفعة واستنطقته حروفه الأربعة(2) ). فلم أدَع لكلِّ فائدةٍ بكتب السَّلف شاذَّة إلَّا أودعتها به مادًّة بحسب الوجودِ القديم الأحدي تعالى ذاتًا واسمًا وصفةً، والحديث الأحمديُّ كذلك علويًّا كان أو سفليًّا، دنيويًّا أو أخرويًّا.
          وألفت: (لسان المحدِّث في إحسان(3) ما به يحدِّث)، فلم أترك لكلِّ مائدةٍ بها كـ(القاموس) وشروح السَّبع وحواشيها فائدة إلا أشركتُه بها.
          وألفت: (تاج اللَّبيب بمحتاج كلِّ طبيبٍ) إذ أهملتهُ منه، وإن ذكر (القاموس) بعضَ ذلك فلم أخله من كلِّ عائدةٍ بها إلَّا ملأته بها حتَّى ربا بما هو المراد على ابن سينا.
          وألفت: (تيسير الفرقان بتفسير القرآن) فكأنَّه لم يفسَّر قبله مع اختصاره جدًا.
          فنظرت بعد إلى نحو قطع الأسانيد من مقاصد كثيرة بكـ(الست) لا يمكن استيفاء بها، وإن أشرتُ لبعضها باللِّسان إلَّا بتتبُّع متن ذلك وإلى الضُّعفاء أمثالي، فلعلَّهم يصعبُ عليهم إدراك ذلك من المواد اللُّغوية إلَّا بمشقَّة فرأيت من / بحره انفجر الإمام الحافظ ابن حجر علَّق على السَّبع تعليقات فأخذ مَن بإذن ربِّه يعطي الجلال السُّيوطي زبدها بالشُّروح بتعليقات له فاستخرتُه تعالى في اختصارها موجزةً أزيد من ذلك، فبدا لي ذلك بفضله تعالى وجودِهِ له الحمد والشكر كما يرضى.
          فهذا تعليقٌ على صحيح الأستاذ شيخ الإسلام، أمير المؤمنين، أبي عبد الله البخاريِّ المسمَّى: (روح التَّوشيح) المقول بأصله: (التَّوشيح) يجري مَجرى تعليق الإمام بدر الدِّين الزَّركشي المسمَّى بـ(التَّنقيح)، ويفوقه بما حواه من فوائد زيدتْ عليه، يشتمل على ما يحتاجُ إليه القارئ والمستملي من ضبط ألفاظهِ، معتمدًا به على أوزانٍ مشهورة، وكلُّ ما أطلقته بلا نقط كحاء ودال فمهمل، وتفسير غريب، وبيان اختلاف رواياته، وزيادةِ خبر لم تَرِد في طريقهِ، وترجمةٍ وردَ بلفظ حديث مرفوع، ووصلِ تعليقٍ لم يقع بالصَّحيح، ووصلُه، وتسميةِ مبهم، وإعرابِ مشكلٍ، وجمعٍ بين مختلف، بحيث لم يفته من الشَّرح إلَّا الاستنباط، فبكونه كأصله (التَّوشيح) بما ذكر، وزيادة تحريرٍ بتقرير موجز، وإشارة لمحلٍّ استوفى فيه من تلك الكتب يحصل النَّفع بلا تعب، وبلوغ الأرب بلا نصبٍ مشيرًا بـ((خ)) للبخاريِّ، وبـ((م)) لمسلم، وبـ((د)) لأبي داود، وبـ((ن)) للنَّسائي، وبـ((ت)) للتِّرمذي، وبـ((هـ)) لابن ماجه، وبـ((كش)) للكشميهنيِّ، وبـ((جط)) جيمًا وطاء للجلال السُّيوطي، وبـ((قع)) قافًا وعينًا للقاضي عيَّاض، وبـ((قر)) قافًا وراء للقرطبيِّ شارح مسلم، وإن صاحب (التَّذكرة) قيَّدته، وبـ((طب)) طاء وموحدة للخطابي، وبـ((طل)) طاء ولامًا لابن بطال، وبـ((نو)) للنووي، وبـ((حج)) للحافظ ابن حجر.
          ولكنِّي لا ألتزم مبانيهم بل مَعَانيهم فلا أدع ممَّا به إلَّا ما زاغَ عنه البصر، أو راغ عنه المزبر(4) قائلًا: سبحانك اللهم الحمد لله ربِّ العالمين إيَّاك نعبد وإيَّاك نستعين، فبك اللَّهمَّ أقول، وعلى كلِّ سهلٍ وصعبٍ أصول.


[1] في الأصل: ((جنان)) والصواب ما أثبته كما في ((فهرس الفهارس)).
[2] في ((فهرس الفهارس)): ((منجزات جنان الشِّفا في معجزات جناب المصطفى حسبما اقتضته ظروفه الأربعة واستنطقته حروف محمد الأربعة)). وهو الكتاب الذي يكثر العزو إليه بلفظ: انظر شرح محمد تحمد.
[3] في ((فهرس الفهارس)): أحسن.
[4] هو القلم.