نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: {منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين}

          ░2▒ (بابٌ) روي منوناً وغير منون: (قَوْلُهُ تَعَالَى) {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً} فقوِّمْه له غير ملتفت أو ملتفت عنه، وهو تمثيل للإقبال والاستقبال عليه، والاهتمام به {فِطْرَةَ اللَّهِ} خلقته نصب على الإغراء أو المصدر لما دل عليه ما بعدها {الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} خلقهم عليها، وهي قبولهم للحق، وتمكنهم من إدراكه، أو ملة الإسلام، فإنهم لو خلوا وما خلقوا عليه أدى بهم إليها، وقيل: العهد المأخوذ من آدم ◙ وذريته.
          {لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} لا يقدر أحد أن يغيره أو ما ينبغي أن يغير {ذَلِكَ} إشارة إلى الدين المأمور بإقامة الوجه له، أو الفطرة إن فُسِّرَت بالمِلَّة {الدِّينُ الْقَيِّمُ} المستوي الذي لا عوج له {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} استقامته لعدم تدبرهم.
          ({مُنِيبِينَ إِلَيْهِ}) راجعين إليه من أناب إذا رجع مرة بعد أخرى، وقيل: منقطعين إليه، وهو حال من الضمير في الناصب المقدر لـ {فِطْرَةَ اللَّهِ}، أو في { أَقِمْ}؛ لأن الآية خطاب للرسول صلعم والأمة لقوله: ({وَاتَّقُوهُ}) أي: خافوه، وراقبوه ({وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ}) التي هي الطاعة العظمى ({وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}) [الروم:31] بل كونوا من الموحدين المخلصين له العبادة، ولا تريدون سواه، وإنما صُدِّرت الآية بخطاب الرسول صلعم تعظيماً له، ثم هذه الآية مما استدل به من يرى إكفار تارك الصلاة لما يقتضيه مفهومها.
          وقد أجيب عنه: بأن المراد أن ترك الصلاة من أفعال المشركين فورد النهي عن التشبه بهم؛ لأن من وافقهم في الترك صار / مشركاً، وهي من أعظم ما ورد في فضل الصلاة.