نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأول فالأول

          ░3▒ (بابٌ أَشَدُّ النَّاسِ بَلاَءً الأَنْبِيَاءُ) صلوات الله وسلامه عليهم لما خُصُّوا به من قوَّة اليقين؛ ليكمل لهم الثَّواب، ويعمَّهم الخير (ثُمَّ الأَوَّلُ فَالأَوَّلُ) في الفضل، هكذا وقع في رواية النَّسفي. وفي رواية الأكثرين: <ثمَّ الأمثل فالأمثل>؛ أي: الأفضل، يعبَّر به عن الأشبه بالفضل، والأقربُ إلى الخير، وأماثل القوم: خيارهم. وجمعهما المستملي هكذا: <ثمَّ الأمثل فالأمثل، فالأوَّل فالأوَّل>.
          والتَّرجمة لفظ حديث أخرجه الدَّارمي، والنَّسائي في «الكبرى»، وابن ماجه، والتِّرمذي وصحَّحه، وابن حبَّان. وروى كلهم من طريق عاصم بن بَهْدَلة، عن مصعب بن سعد بن أبي وقَّاص، عن أبيه، قال: قلتُ: يا رسول الله، أيُّ النَّاس أشدُّ بلاء؟ قال: ((الأنبياء، ثمَّ الأمثل فالأمثل، يبتلى الرَّجل على حسب دينهِ)) الحديث، وفيه: ((حتَّى يمشيَ على الأرض، وما عليه خطيئة)). ورواية ((الأمثل)) مثل ما في الحديث، ويمكن أن يكون قوله: ((ثمَّ الأوَّل فالأوَّل)) إشارةٌ إلى ما أخرجه النَّسائي، والحاكم وصحَّحه من حديث فاطمة بنت اليمان أخت حذيفة ☻ قالت: أتيت النَّبي صلعم في نساء نعوده، فإذا سقاء يقطرُ عليه من شدَّة الحمى، فقال: ((إنَّ من أشد النَّاس بلاءً الأنبياء، ثمَّ الذين يلونهم، ثمَّ الذين يلونهم)).
          وأخرج الحاكمُ من رواية العلاء بن المسيِّب عن مصعب أيضًا مثل ما أخرجه التِّرمذي وغيرهم. وله شاهدٌ من حديث أبي سعيد ☺ ولفظه قال: ((الأنبياء)) قال: ثمَّ من؟ قال: ((العُلماء)) قال: ثمَّ من؟ قال: ((الصَّالحون))، الحديث. وليس فيه ما في آخر حديث سعدٍ، وإنَّما قال أوَّلًا: ((ثمَّ الأمثل)) / بلفظ: ((ثمَّ)) وقال ثانيًا: ((فالأمثل)) بالفاء للإعلام بالبعد، والتَّراخي في الرُّتبة بين الأنبياء ‰ وغيرهم، وعدم ذلك بين غير الأنبياء، إذ لا شكَّ أنَّ البعد بين النَّبي والولي أكثر من البعد بين ولي وولي، إذ مراتبُ الأولياء بعضُها قريبة من البعض، ولفظ ((الأوَّل)) في رواية المستملي، تفسير للأمثل، إذ معنى الأوَّل: المقدَّم في الفضل، ولهذا لم يعطف عليه.