نجاح القاري لصحيح البخاري

باب إذا لم يجد ماء ولا ترابًا

          ░2▒ (باب إِذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً) للتوضؤ، وكذا حكم الاغتسال (وَلاَ تُرَاباً) للتيمم بأن كان في سفينة لا يصل إلى الماء، أو مسجوناً بكنيف نجسة أرضه وجدره، هل يصلي بلا وضوء ولا تيمم أو لا؟
          وفيه مذاهب للعلماء على ما يُذْكَرُ عن قريبٍ، إن شاء الله تعالى.
          ووجه المناسبة على تقدير تقديم هذا الباب على بقية الأبواب بعد ذكر كتاب التيمم هو أنه صَدَّرَ أولاً بِذِكْرِ مشروعية التيمم عند عدم الماء، ثمَّ ذكر بعده حكم من لم يجد ماء ولا تراباً، وأما على تقدير تأخير هذا الباب عن باب التيمم في الحضر فوجه المناسبة أنه ذكر أولاً حُكْمَ التيمم في السفر، ثمَّ ذكر حُكْمَه في الحضر، ثمَّ ذكر حُكْم عادم الماء والتراب معاً، وهو على الترتيب كما ينبغي.
          ووجه مطابقة الحديث للترجمة: من حيث قولها: فأدركتهم الصلاة وليس معهم ماء، وأما وجه زيادة قوله في الترجمة: ((ولا تراباً)) فهو أنهم لما صلوا بلا وضوء ولم يتيمموا أيضاً لعدم علمهم به فكأنهم لم يجدوا تراباً إذ كان حكمه حكم العدم عندهم فصاروا كأنهم لم يجدوا ماء ولا تراباً.
          فإن قيل: قد روى الطحاوي من حديث عروة، عن عائشة قالت: «أقبلنا مع النبي صلعم من غزوة كذا حتى إذا كنا بالمُعَرَّسِ قريباً من المدينة نُفِسْتُ من الليل، وكانت علي قِلادةٌ تدعى السِّمْط تبلغ السرة، فجعلت أنعس فخرجت من عنقي، فلما نزلت مع النبي صلعم لصلاة الصبح قلت: يا رسول الله خرت قلادتي، فقال للناس: ((إن أمكم قد ضلت قلادتها)) فابتغوها وابتغاها الناس ولم يكن معهم ماء، فاشتغلوا في ابتغائها إلى أن حضرتهم الصلاة، ووجدوا القلادة، ولم يقدروا على الماء، فمنهم من تيمم إلى الكف، ومنهم من تيمم إلى المنكب، وبعضهم تيمم على جلده، فبلغ ذلك رسول الله صلعم ، فأنزلت آية التيمم» انتهى.
          وقد قلت: إنَّهم لم يتيمموا، وهذا الحديث فيه تصريح بأنهم تيمموا، فالجواب: أن هذا التيمم المختلف فيه عندهم كلا تيمم ؛ لعدم وجود النص حينئذ، فصار كأنهم صلوا بغير طهور، ويؤيد ذلك ما رواه الطبراني في ((الكبير)) من حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة ♦: «أنها استعارت قلادة من أسماء، فسقطت عن عنقها فابتغوها فوجدوها، فحضرت الصلاة فصلوا بغير طهور» الحديث.
          وقوله: (بغير طهور) يتناول الماء والتراب، فدل هذا أن التيمم الذي تيمموا على اختلاف صفته كان حكمه حكم العدم؛ ألا ترى أنه لو كان معتبراً ومعتداً به قبل نزول الآية لما سأل عمار ☺ الذي هو أحد من تيمم ذلك التيمم المختلف فيه، رسولَ الله صلعم عن صفة التيمم، فسؤاله هذا إنما كان بعد تيممه بذلك التيمم.
          ثمَّ الظاهر أن هذا التيمم المختلف فيه كان باجتهاد منهم ورأي، فرجعت هذه المسألة إلى المسألة المختلف فيها وهي أن الاجتهاد في عصره صلعم هل يجوز أو لا، فمنهم من جوزه مطلقاً، وهو المختار عند الأكثرين، ومنهم من منعه مطلقاً، وقال بعضهم: يجوز للغائبين عن الرسول دون الحاضرين، ومنهم من جوزه إذا لم يوجد مانع.