نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاقضي ما يقضي الحاج

          294- (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) وفي رواية ابن عساكر: <علي؛ يعني: عبد الله>، وهو المَدِيني _بفتح الميم وكسر الدال_، قال ابن الأثير: منسوبٌ إلى مدينة الرسول ◙ على خلاف القياس، فإن قياسه المدني، وقال الجوهري: تقول في النسبة إلى مدينة الرسول: مَدَني، وإلى مدينة المنصور: مديني للفرق.
          (قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) هو ابن عيينة (قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ قَالَ: سَمِعْتُ) أبي (الْقَاسِمَ) بن محمد بن أبي بكر الصديق ♥ / (يَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ) الصديقة ♦ (تَقُولُ) ورجال هذا الإسناد ما بين بصري ومكي ومديني، وقد أخرج متنه المؤلِّف في الأضاحي أيضاً، وأخرجه مسلم، وابن ماجه في الحج، والنسائي فيه وفي الطهارة.
          (خَرَجْنَا) حال كوننا (لاَ نُرَى) بضم النون ؛ أي: لا نظن، وفي نسخة: بفتحها (إِلاَّ الْحَجَّ) أي: إلا قصده ؛ لأنهم كانوا يظنون امتناع العمرة في أشهر الحج فأخبرت عن اعتقادها، أو عن الغالب عن حال الناس، أو حال الشارع (فَلَمَّا كُنَّا) وفي رواية: <فلما كنت> (بِسَرِفَ) بفتح السين المهملة وكسر الراء آخره فاءٌ، وهو اسم موضعٍ قريبٌ من مكةَ بينهما عشرة أميال، أو تسعة، أو سبعة، أو ستة، غير منصرف للعَلمَيَّة والتأنيث، وقد يصرف باعتبار إرادة المكان (حِضْتُ) بكسر الحاء، من حاض يحيض كبعت من باع يبيع.
          (فَدَخَلَ عَلَيَّ) بتشديد الياء (رَسُولُ اللَّهِ صلعم وَأَنَا أَبْكِي قَالَ) وفي رواية: <فقال> (مَا لَكِ) بكسر الكاف (أَنُفِسْتِ) بهمزة الاستفهام وبضم النون، قال النووي: _بضم الفاء وفتحها_ في الحيض والنفاس، لكن الضم في الولادة، والفتح في الحيض أكثر، وحكى صاحب ((الأفعال)) الوجهين جميعاً، وفي ((شرح مسلم)): (المشهور في اللغة أن نَفِست بفتح النون وكسر الفاء؛ معناه: حاضت، وأما في الولادة فيقال: نُفِست، بالضم، وقال الهروي: نُفَست، بضم النون وفتحها، في الولادة، وأما في الحيض بالفتح لا غير).
          (قُلْتُ: نَعَمْ) نفست (قَالَ) صلعم (إِنَّ هَذَا) الحيض (أَمْرٌ) أي: شأن (كَتَبَهُ اللَّهُ) سبحانه وتعالى (عَلَى بَنَاتِ آدَمَ) ابتلاهن به ؛ لما فيه من صلاحهن كما تقدم (فَاقْضِي) خطاب لعائشة ♦ ؛ أي: فأدي؛ فإن القضاء يأتي بمعنى الأداء، كما في قوله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا} [الجمعة:10] أي: فإذا أديت صلاة الجمعة (مَا يَقْضِي الْحَاجُّ) من المناسك.
          قال الكِرماني: (والمراد من الحاج: الجنس، فيشمل الجمع، وهو كقوله تعالى: {سَامِراً تَهْجُرُونَ} [المؤمنون:67]).
          وقال محمود العيني: لا ضرورة إلى هذا الكلام، بل هو اسم فاعلٍ، وأصله: حاجج.
          وفي ((الصحاح)): حججت البيت أحجه حجاً وأنا حاج، ويجمع على حُجُج مثل بازل وبزل. انتهى.
          وليت شعري: ما محصل هذا الكلام، وكيف يخالف ما ذكره الكرماني من المرام؟
          (غَيْرَ) بالنصب (أَنْ لاَ تَطُوفِي) / أي: غير أنه ؛ أي: الشأن لا تطوفي، فأن مخففةٌ من المثقلة، وفيه ضمير الشأن، ولا تطوفي مجزوم ؛ أي: لا تطوفي (بِالْبَيْتِ) ويجوز أن تكون كلمة أن مصدرية، ولا زائدة ؛ أي: غير أن تطوفي بالبيت ما دمت حائضاً ؛ لفقدان شرط صحة الطواف، وهو الطهارة، وزاد في الرواية الآتية: <حتى تطهري>.
          (قَالَتْ) أي: عائشة ♦ (وَضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صلعم عَنْ نِسَائِهِ) التسع ╢ بإذنهن (بِالْبَقَرِ) ويروى: <بالبقرة>، والفرق بينهما ما بين تمرة وتمر، وعلى تقدير عدم التاءِ يحتمل التضحية بأكثر من بقرةٍ واحدة.
          ومما يستفاد من الحديث أن المرأة إذا حاضت بعد الإحرام ينبغي لها أن تأتي بأفعال الحج كلِّها غير أنها لا تطوف بالبيت، فإن طافت قبل أن تتطهر فعليها بدنة، وكذلك النفساء والجنب عليهما بدنة بالطواف قبل التطهر عن النفاس والجنابة، وأما المحدث فإن طاف طواف القدوم فعليه صدقة، وقال الشافعي: لا يعتد به، إذ الطهارة من شرطه عنده، وكذا الحكم في كل طوافٍ هو تطوع، ولو طاف طواف الزيارة محدثاً فعليه شاة، وإن كان جنباً فعليه بدنة، وكذا الحائض والنفساء.
          ومنه جواز البكاء والتحزن، بل ندبيته على حصول مانع من العبادة، ومنه جواز التضحية ببقرة واحدة لجميع نسائه، ومنه جواز تضحية الرجل لامرأته، وقال النووي: هذا محمولٌ على أنه ◙ استأذنهن في ذلك، فإن تضحية الإنسان عن غيره لا تجوز إلا بإذنه. انتهى.
          وهذا في الواجب، وأما في التطوع فلا يحتاج إلى الإذن، وقد استدل به مالك على أن التضحية بالبقر أفضل من البدنة، ولا دلالة له فيه، والأكثرون ومنهم الشافعي ذهبوا إلى أن التضحية بالبدنة أفضل من البقر ؛ لتقديم البدنة على البقرة في حديث الجمعة، وسيأتي الكلام على هذا الحديث بتمامه في كتاب الحج إن شاء الله تعالى.
          وقال التيمي: الأحكام المتعلقة بالحيض: منع وجوب الصلاة والصوم، عدم جواز فعلهما ودخول المسجد، والطواف، وقراءة القرآن، ومس المصحف، والعدة الشرعية، وحرمة الجماع، ويَتَعلَّقُ به وجوبُ الغسل، ويُزِيلُ حُكْمَ الاعتدادِ بالشهور، وتَبْلُغُ به المرأة.