نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: هو صغير

          2501- 2502- (حَدَّثَنَا أَصْبَغُ) بفتح الهمزة وسكون المهملة وفتح الموحدة وبالمعجمة (ابْنُ الْفَرَجِ) بالجيم، ضدُّ الشدَّة هو عبد الله، وقد مرَّ في «الوضوء» [خ¦202] (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ) بن مسلم أبو محمَّد (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد أيضاً (سَعِيدٌ) هو: ابن أبي أيُّوب الخزاعي، واسم أبي أيُّوب: / مقلاص، وفي رواية ابن شَبُّويه: <سعيد هو ابن أبي أيُّوب> بزيادة قوله: «هو ابن أبي أيُّوب» (عَنْ زُهْرَةَ) بضم الزاي وسكون الهاء، من الأسماء المشتركة بين الذكور والإناث (ابْنِ مَعْبَدٍ) بفتح الميم وسكون العين المهملة وفتح الموحدة، أبي عَقيل _بفتح المهملة_ القرشي المصري، وفي رواية أبي داود من رواية المقرئ عن سعيد: ((حدَّثني [أبو عقيل] زهرة بن معبد)) (عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِشَامٍ) هو عبدُ الله بن هشام بن زهرة التَّيمي من بني عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرَّة، رهط أبي بكر الصِّدِّيق ☺، وهشام مات قبل الفتح كافراً، وقد شهد عبد الله بن هشام فتح مصر فاختطَّ بها، ذكره ابنُ يونس وغيره، وعاشَ إلى خلافة معاوية، وهو جدُّ زهرة لأبيه.
          (وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صلعم ) ذكر ابنُ منده أنه أدرك من حياة النَّبي صلعم ست سنين، وروى أحمد في «مسنده» أنَّه احتلم في زمن رسول الله صلعم ، لكن في إسناده ابنُ لهيعة.
          وحديث الباب يدلُّ على خطأ روايته هذه، فإنَّ ذهاب أمِّه به كان في الفتح، ووصف بالصِّغر إذ ذاك، فإن كان ابن لهيعة ضبطَه فيحتمل أنَّه بلغ في أوائل سنِّ الاحتلام.
          (وَذَهَبَتْ بِهِ أُمُّهُ زَيْنَبُ بِنْتُ حُمَيْدٍ) بضم الحاء، ابنُ زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزَّى، وهي من الصَّحابيات (إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلعم ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَايِعْهُ) أمر من المبايعة، وهي المعاقدة على الإسلام، كأنَّ كلَّ واحدٍ من المبايعين باع ما عنده من صاحبه، وأعطاه خالصةَ نفسه وطاعتهِ ودخيلة أمرهِ، وعلَّل صلعم لتركه المبايعة. (فَقَالَ: هُوَ صَغِيرٌ. فَمَسَحَ رَأْسَهُ وَدَعَا لَهُ).
          -(وَعَنْ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ) هو موصول بالإسناد السَّابق، وقد أخرجه في «الدَّعوات» [خ¦6353] عن عبد الله بن يوسف، عن عبد الله بن وهب بهذا الإسناد، وكذا أخرجه أبو نُعيم من وجهين عن ابن وهب، وقال الإسماعيلي: انفرد به ابنُ وهب (أَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ بِهِ جَدُّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هِشَامٍ إِلَى السُّوقِ فَيَشْتَرِي الطَّعَامَ فَيَلْقَاهُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ فَيَقُولاَنِ) أي: ابن عمر وابن الزُّبير (لَهُ) أي: لعبد الله بن هشام (أَشْرِكْنَا) بفتح الهمزة؛ أي: اجعلنا شريكين لك في الطَّعام الذي اشتريته (فَإِنَّ النَّبِيَّ صلعم قَدْ دَعَا لَكَ بِالْبَرَكَةِ فَيُشْرِكُهُمْ) / بضم الياء؛ أي: فيجعلهم شركاء معه فيما اشتراه (فَرُبَّمَا أَصَابَ) أي: عبد الله (الرَّاحِلَةَ) أي: من الرِّبح (كَمَا هِيَ) أي: بتمامها (فَيَبْعَثُ بِهَا إِلَى الْمَنْزِلِ).
          وفي الحديث من الفوائد: مسح رأس الصَّغير، وفيه: ترك مبايعة من لم يبلغ، وقال الدَّاودي: وكان يبايع المراهق الذي يُطيق القتال. وفيه: الدُّخول في السُّوق لطلب المعاش، وطلب البركة حيث كانت، وفيه الردُّ على جهلة المتزهِّدة في اعتقادهم أنَّ السِّعة من الحال مذمومة، نبَّه عليه ابن الجوزي.
          وفيه: أنَّ الصَّغير إذا عقل شيئاً من الشَّارع كان ذلك صحبة، قاله الدَّاودي، وقال ابن التِّين: فيه نظر، وفيه: أن النِّساء كُنَّ يذهبن بالأطفال إلى النَّبي صلعم . وفيه: ندبُ إحضار الأولاد عند من له علم وصلاح. وفيه: طلب التِّجارة وسؤال الشرَّكة، وفيه معجزة النَّبي صلعم ، وهي إجابة دعائه في عبد الله بن هشام. وفيه: أنَّ لفظ الشركة إذا أطلق يكون تشريكاً في النِّصف، قال الكرماني: قاله الفقهاء.
          وهذا كما وقع في بعض النُّسخ هاهنا: <قال أبو عبد الله> هو البخاري نفسه <إذا قال الرَّجل للرَّجل: أشركني، فإذا سكت فهو شريكه بالنِّصف> أراد أنه إذا رأى رجلٌ رجلاً يشتري شيئاً فقال له: أشركني فيما اشتريته، فسكتَ الرَّجل ولم يردَّ عليه بنفي ولا إثبات يكون شريكاً له بالنِّصف، لأن سكوته يدلُّ على الرضا.
          ومطابقة الحديث للتَّرجمة تُؤخذ من قوله: «فيقولان له: أشركنا»، فإنَّهما طلبا منه الاشتراك في الطَّعام الذي اشتراه، فأجابهما إلى ذلك وهم من الصَّحابة، ولم ينقلْ عن غيرهم ما يخالف ذلك، والله أعلم.