نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد

          2275- (حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ) قال: (حَدَّثَنَا أَبِي) حفص بن غياث بن طَلْقٍ النَّخعيُّ الكوفيُّ قاضيها قال: (حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ) سليمان بن مِهْران (عَنْ مُسْلِمٍ) هو: ابن صُبَيح أبو الضُّحى (عَنْ مَسْرُوقٍ) أنَّه قال: (حَدَّثَنَا خَباب) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الموحدة، هو: ابن الأرتِّ، وقد مرَّ في ((الصَّلاة)) [خ¦777].
          (قَالَ: كُنْتُ رَجُلاً قَيْناً) أي: حداداً في الجاهليَّة، كما في باب ((ذكر القين والحداد)) [خ¦2091] (فَعَمِلْتُ لِلْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ) بالهمزة بعد الألف؛ أي: عمل له وصاغ شيئاً من الحليِّ.
          (فَاجْتَمَعَ لِي عِنْدَهُ) من الدُّيون (فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ) أي: أطلب منه حقِّي (فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ لاَ أَقْضِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ) صلعم (فَقُلْتُ: أَمَا) حرف تنبيه (وَاللَّهِ) وجواب القسم محذوف تقديره: لا أكفر (حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ) غاية للكفر، وهذا من باب التَّعليق بالمحال إذ بعد الموت والبعث لا يمكن الكفر، فالمقصود التَّأبيد؛ أي: لا أكفر أبداً، وهذا كقولك: على إبليس اللعنة إلى يوم القيامة، ومن ذلك قوله تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} [ص:78] وقد سبق تحقيقه في باب ((ذكر القين والحدَّاد)).
          (فَلاَ) أي: فلا أكفر، وليس هذا جواب القسم بل هو مفسر للمقدر؛ لأنَّ الفاء لا تدخل جواب القسم، ويُرْوَى: <أمَّا> بالتشديد، فحينئذٍ يكون تقديره: أمَّا أنا فلا أكفر بالله، وأمَّا غيري فلا أعلم حاله.
          (قَالَ) أي: العاص (وَإِنِّي لَمَيِّتٌ ثُمَّ مَبْعُوثٌ) بهمزة الاستفهام المقدرة، وإنَّما أكَّد بأنَّ واللام مع أن المخاطب وهو خباب غير منكرٍ ولا متردد في ذلك؛ لأنَّ العاص فهم من خباب التَّأكيد في مقابلة إنكاره فكأنَّه قال: أتقول هذا القول المؤكد، وقال ذلك إنكاراً للبعث واستهزاءً له فإنَّه كان من زنادقة أهل الجاهليةَّ كعقبة بن أبي معيط والوليد بن المغيرة وأُبيِّ بن خلف.
          (قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّهُ سَيَكُونُ لِي ثَمَّة مَالٌ وَوَلَدٌ، فَأَقْضِيكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً} [مريم:77]).
          وقد مضى الحديث في كتاب ((البيوع))، في باب ((ذكر القين والحداد)) [خ¦2091]، وقد مضى الكلام فيه هناك مستوفًى.