نجاح القاري لصحيح البخاري

باب صيام أيام التشريق

          ░68▒ (باب: صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) ولم يذكر الحكم فيه لاختلاف العلماء فيه كما تقدَّم (1)، واكتفاء بما في الحديث وأيَّام التشريق ويقال لها: الأيَّام المعدودات وأيَّام منىً أيضاً هي ثلاثة أيَّام بعد يوم النَّحر. وقال بعضهم: بل أيَّام النَّحر، وروي عن ابن عبَّاس ☻ وعطاء أنَّها أربعة أيَّام: يوم النَّحر، وثلاثة أيَّام بعده، والأوَّل أظهر.
          وقد قال النَّبي صلعم : ((أيَّام منىً ثلاثة، فمن تعجَّل في يومين فلا إثم عليه)) أخرجه أصحاب «السُّنن الأربعة» من حديث عبد الرَّحمن بن معمر، وهذا صريح في أنَّها أيَّام التَّشريق، وأفضلها أولها وهو يوم القَرِّ _بفتح القاف وتشديد الراء_ ؛ لأنَّ أهل منى يستقرُّون / فيه، ولا يجوز فيه النَّفر، وعند أبي حنيفة ومالك وأحمد: لا يدخل في أيَّام النَّحر اليوم الثَّالث من الأيَّام الثَّلاثة التي بعد يوم النَّحر.
          وإنَّما سميت أيَّام التَّشريق بها؛ لأن لحوم الأضاحي تشرق فيها؛ أي: تنشر في الشَّمس وتقدد. ويحتمل أن تسمَّى بها؛ لأنَّ ليالي هذه الأيَّام مشرقات. وقيل: لأنَّ الهدي لا تنحر حتَّى تشرق الشَّمس. وقيل: لأن صلاة العيد عند شرق الشَّمس أوَّل يوم منها، فصارت هذه الأيَّام تبعاً ليوم النَّحر، وهذا يعضد قول من يقول: يوم النَّحر منها. وقال أبو حنيفة ☼ : التَّشريق: التَّكبير دبر الصَّلاة، وأمَّا إضافتها إلى منىً فلأن الحاج فيها في منىً.
          وقد اختلف العلماء في صيام أيَّام التَّشريق على أقوال: أحدها: أنَّه لا يجوز صيامها مطلقاً كصوم يومي الفطر والنَّحر، وليست قابلة للصَّوم لا للمتمتع الذي لم يجد الهدي ولا لغيره، وبه قال عليُّ بن أبي طالب ☺ والحسن وعطاء، وهو قول الشَّافعي في الجديد، وعليه العمل والفتوى عند أصحابه، وهو قول اللَّيث بن سعد وابن عليَّة وأبي حنيفة وأصحابه. قالوا: إذا نذر صيامها وجب عليه قضاؤها.
          والثَّاني: أنَّه يجوز الصِّيام فيها مطلقاً، وبه قال أبو إسحاق المروزي من الشَّافعية. وحكاه ابن عبد البر في «التَّمهيد» عن بعض أهل العلم. وحكى ابن المنذر وغيره عن الزُّبير بن العوَّام وأبي طلحة من الصَّحابة ♥ الجواز مطلقاً.
          والثَّالث: أنه يجوز للمتمتِّع الذي لم يجد الهدي ولم يصم الثَّلاث في الأيَّام العشر، وهو قول عائشة وعبد الله بن عمر ♥ وعروة بن الزُّبير، وبه قال مالك والأوزاعي وإسحاق بن راهويه، وهو قول الشَّافعي في القديم. وقال المزني: إنَّه رجع عنه.
          والرَّابع: جواز صيامها للمتمتِّع، وعن النذر إن نذر صيام أيَّام قبلها متَّصلة بها، وهو قول لبعض أصحاب مالك.
          والخامس: التَّفرقة بين اليومين الأوَّلين منها، واليوم الأخير فلا يجوز صوم اليومين الأوَّلين إلا للمتمتِّع المذكور، ويجوز صوم اليوم الثَّالث له وللنَّذر، وكذا في الكفَّارة إن صام قبله صياماً متتابعاً، ثمَّ مرض وصحَّ فيه، وهي رواية ابن القاسم عن مالك.
          والسَّادس: جواز صيام اليوم الآخر من أيَّام التَّشريق مطلقاً، حكاه / ابنُ العربي عن علمائهم، فقال: قال علماؤنا: صوم يوم الفطر ويوم النَّحر حرام، وصوم اليوم الرَّابع لا نهي فيه.
          والسَّابع: أنَّه يجوز صيامها للمتمتِّع بشرطه، وفي كفارة الظِّهار، حكاه ابن العربي عن مالك قولاً له.
          والثَّامن: جواز صيامها عن كفَّارة اليمين. وقال ابن العربي: توقَّف فيه مالك.
          والتَّاسع: أنَّه يجوز صيامها للنَّذر فقط، ولا يجوز للمتمتِّع ولا لغيره، حكاه الخراسانيُّون عن أبي حنيفة. وقال العيني: لم يصح هذا عن أبي حنيفة.


[1] لم يذكرحكم أيام التشريق فيما سبق، وإنما ذكر في ص724 أنه لا يذكر الحكم عند اختلاف العلماء فيه.