نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: إنما منعني أن أرد عليك أني كنت أصلي

          1217- (حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ) بفتح الميمين وسكون العين بينهما، عبد الله بن عَمرو بن أبي الحجَّاج ميسرة التَّميمي المقعد المِنْقَري، بكسر الميم وسكون النون وفتح القاف (قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ) هو: ابن سعيد التَّنُّوري _بفتح المثناة الفوقية وتشديد النون_ البصري.
          (قَالَ: حَدَّثَنَا كَثِيرُ) بالمثلثة، ضدُّ القليل (ابْنُ شِنْظِيْرٍ) بكسر المعجمة وسكون النون بعدها ظاء معجمة مكسورة بعدها ياء ساكنة آخره راء، وهو لغةً السَّيءُ الخلق، عَلَمٌ عليه، وقيل: هو لقب، ولقب كثير أبو قرَّة.
          (عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ) بفتح الراء والموحدة آخره حاء مهملة (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) ☺ (قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلعم فِي حَاجَةٍ لَهُ) بيَّن مسلم من طريق أبي الزُّبير وجابر ☺ أنَّ ذلك كان في غزوة بني المصطلق.
          (فَانْطَلَقْتُ، ثُمَّ رَجَعْتُ وَقَدْ قَضَيْتُهَا، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلعم ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ) السَّلام، وفي رواية مسلم: ((فقال لي بيده هكذا))، وفي رواية له أخرى: ((فأشار إليَّ)).
          فيحمل قوله في حديث الباب «فلم يرد عليَّ» على معنى لم يرد عليَّ باللَّفظ، وكأنَّ جابراً ☺ لم يعرف أولاً أنَّ المراد بالإشارة الردُّ عليه فلذلك قال:
          (فَوَقَعَ / فِي قَلْبِي) من الحزن (مَا اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ) وكأنَّه أبهم ذلك إشعاراً بأنَّه ممَّا لا يقدَّر قدره، ولا يدخل تحت العبارة، وكلمة «ما» موصولة فاعل ((وقع))، وقوله: ((الله أعلم به)) جملة اسميَّة وقعت صلة لها.
          (فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَعَلَّ رَسُولَ اللَّهِ صلعم وَجَدَ) بفتح الواو والجيم (عَلَيَّ) أي: غضب، يقال: وَجَد عليه يَجِدُ وَجْداً ومَوْجِدَة، إذا غَضِبَ، ووجد ضالَّته يجدها وِجْدَاناً إذا رآها ولقيها، ووَجَد يَجِد جِدَة؛ أي: استغنى غنى لا فقر بعده، ووجدت بفلانة وَجْداً، إذا أحببتها حبًّا شديداً.
          (أَنِّي) بفتح الهمزة؛ أي: لأنِّي، في رواية: <أن> بنون خفيفة (أَبْطَأْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ) السَّلام (فَوَقَعَ فِي قَلْبِي) من الحزن (أَشَدُّ مِنَ) الذي وقع فيه في (الْمَرَّةِ الأُولَى، ثُمَّ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيَّ) السَّلام بعد أن فرغ من صلاته.
          (فَقَالَ) وفي رواية: <قال> بدون الفاء (إِنَّمَا مَنَعَنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ) السَّلام (أَنِّي كُنْتُ أُصَلِّي، وَكَانَ) صلعم يصلِّي نفلاً وهو راكب (عَلَى رَاحِلَتِهِ) حال كونه (مُتَوَجِّهاً إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ) مستقبلاً صوب مقصده.
          وفي الحديث إثبات الكلام النَّفسي، وأنَّ الكبير إذا وقع منه ما يوجب حزناً أظهر سَبَبَهُ ليندفع ذلك، وجواز صلاة النَّفل إلى غير القبلة وعلى الرَّاحلة.
          ورجال إسناد هذا الحديث بصريُّون، وقد أخرج متنه مسلم في «الصَّلاة» أيضاً.