نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث عمر: والله لأقومن به في أول مقام أقومه بالمدينة

          7323- (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) المِنْقريُّ التَّبوذكي، قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُالْوَاحِدِ) ابن زيَّاد، قال: (حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ) هو ابن راشدٍ (عَنِ الزُّهْرِيِّ) ابن شهابٍ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) بضم العين (ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ) أي: ابن عُتبة بن مسعودٍ، أنَّه (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (ابْنُ عَبَّاسٍ ☻ قَالَ: كُنْتُ / أُقْرِئُ) بضم الهمزة من الإقراء (عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ) القرآن، وقول الدَّاودي: معنى أُقرئ رجالاً؛ أي: أتعلَّم منهم القرآن؛ لأنَّ ابن عبَّاسٍ ☻ كان عند وفاة النَّبي صلعم إنَّما حفظ المفصَّل من المهاجرين والأنصار (1)، تعقِّب بأنَّه خروجٌ عن الظَّاهر بل عن النَّصِّ؛ لأنَّ قوله: «أُقرئ» معناه: أُعلِّم.
          قال الحافظ العسقلانيُّ: ويؤيِّده: أنَّ في رواية ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكرٍ عن الزُّهري: كنت أتردَّد إلى عبد الرَّحمن بن عوفٍ، ونحن بمنى مع عمر بن الخطَّاب ☺ أُعلِّم عبدَ الرَّحمن بن عوفٍ القرآن، أخرجه ابنُ أبي شيبة، وقد كان ابن عبَّاس ☻ ذكيًّا سريع الحفظ، وكان كثيرٌ من الصَّحابة لاشتغالهم بالجهاد لم يستوعبوا القرآن حفظاً، وكان من اتَّفق له ذلك يستدركه بعد الوفاة.
          (فَلَمَّا كَانَ آخِرَ حَجَّةٍ حَجَّهَا عُمَرُ) ☺ سنة ثلاثٍ وعشرين، جواب «لمَّا» محذوف نحو: رجع عبد الرَّحمن بن عوفٍ من عند عمر ☺، فقد رُوي: ((فلمَّا رجع عبد الرَّحمن من عند عمر لقيني)).
          (فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ) بن عوفٍ (بِمِنًى) بكسر الميم وبالتنوين. قال العينيُّ: يحتمل أن يتعلَّق بقوله: ((كنت أُقرئ)) (لَوْ شَهِدْتَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ) كلمة ((لو)) إمَّا للتَّمني، وإمَّا جوابه محذوفٌ؛ أي: شهدتَ عجباً.
          (أَتَاهُ رَجُلٌ) ولم يُعرف اسم الرَّجل، وفي «باب: رجم الحبلى من الزِّنا» من «الحدود» [خ¦6830]، قال: ((كنت أُقرئ رجالاً من المهاجرين منهم عبد الرَّحمن بن عوفٍ، فبينما أنا في منزله بمنى، وهم عند عمر بن الخطَّاب في آخر حجَّةٍ حجَّها، إذ رجع إليَّ عبد الرَّحمن، فقال: لو رأيت رجلاً أتى أمير المؤمنين اليوم...)).
          (قَالَ) وفي رواية أبي ذرٍّ: <فقال>: (إِنَّ فُلاَناً) لم يُعرف اسم فلان (يَقُولُ: لَوْ مَاتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ) عمر ☺ (لَبَايَعْنَا فُلاَناً) يعني: طلحة بن عُبيد الله أو عليًّا (فَقَالَ عُمَرُ: لأَقُومَنَّ الْعَشِيَّةَ، فَأُحَذِّرَ) بالنصب، وفي رواية أبي ذرٍّ: بالرفع، وللكُشميهنيِّ: <فلأحذر> (هَؤُلاَءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُوهُمْ) بفتح التحتية وسكون المعجمة وكسر المهملة؛ أي: يقصدون أموراً ليست من وظيفتهم ولا لهم مرتبةٌ، فيريدون أن يباشروها بالظُّلم والغصب.
          قال عبد الرَّحمن: (قُلْتُ) يا أمير المؤمنين (لاَ تَفْعَلْ) ذلك (فَإِنَّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رَعَاعَ النَّاسِ) بفتح الراء والعين المهملة وبعد الألف [عين] أخرى؛ أي: جَهَلَتهم وأراذلهُم وأحداثهم (يَغْلِبُونَ) وفي رواية أبي ذرٍّ عن الكُشميهني: <ويغلبون> (عَلَى مَجْلِسِكَ) يكثرون فيه (فَأَخَافُ أَنْ لاَ يُنَزِّلُوهَا) بضم التحتية وفتح النون وكسر الزاي المشددة؛ أي: خُطبتكَ، أو وصيَّتك، أو كلماتكَ، / أو مقالتك (عَلَى وَجْهِهَا) وفي رواية الكُشميهني: <وجوهها>؛ أي: على ما ينبغي بحقِّ كلامك (فَيُطِيرُ بِهَا) بضم التحتية وكسر الطاء المهملة وسكون التحتية (كُلُّ مُطِيرٍ) بضم الميم مع التخفيف؛ أي: فينقلها كلُّ ناقلٍ بالسُّرعة من غير تأمُّلٍ ولا ضبط، وفي رواية أبي الوقت <فيُطيِّرها> بتشديد التحتية.
          وقال الكرماني: «فيُطيروا بها» بلفظ مجهول التَّطيير مفرداً وجمعاً، و«كلُّ مَطِير» _بفتح الميم وكسر الطاء_ .
          (فَأَمْهِلْ) بهمزة قطع وكسر الهاء؛ أي: اصبر ولا تستعجل (حَتَّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ دَارَ الْهِجْرَةِ وَدَارَ السُّنَّةِ) بالنَّصب على البدليَّة من «المدينة» (فَتَخْلُصُ) بضم اللام والنصب، في رواية غيره بالرَّفع؛ أي: حتَّى تقدَّم المدينة فتُصلٍّ (بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلعم مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، فَيَحْفَظُوا) بالفاء، وفي رواية أبي ذرٍّ: <ويحفظوا> (مَقَالَتَكَ وَيُنَزِّلُوهَا) بالتخفيف والتشديد (عَلَى وَجْهِهَا، فَقَالَ) عمر ☺: (وَاللَّهِ لأَقُومَنَّ بِهِ فِي أَوَّلِ مَقَامٍ أَقُومُهُ بِالْمَدِينَةِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) ☻ بالسَّند السَّابق: (فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ) فجاء عمرُ يوم الجمعة حين زاغت الشَّمس، فجلس على المنبر، فلمَّا سكت المؤذِّن قام.
          (فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّداً صلعم بِالْحَقِّ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَكَانَ فِيمَا أَنْزَلَ) فيه، بفتح همزة أَنزَل (آيَةَ الرَّجْمِ) وهي قوله: ((الشَّيخ والشَّيخة إذا زنيا فارجموهما البتَّة)) وهو منسوخ التِّلاوة باقي الحكم. وفي رواية أبي ذرٍّ: <أُنزِل> بضم الهمزة وكسر الزاي، وسقطت التَّصلية بعد قوله: ((بعث محمداً)).
          ومطابقة الحديث للتَّرجمة: ((في دار الهجرة ودار السنة فتخلَّص بأصحاب رسول الله صلعم من المهاجرين والأنصار)). وقد ذكر في التَّرجمة ما يتعلَّق بوصف المدينة، والحديث أورده هنا باختصارٍ، وقد سبق في ((باب: رجم الحُبلى من الزِّنى))، من ((كتاب الحدود)) مطوَّلاً [خ¦6830].


[1] في هامش الأصل:
~لقد جمع القرآن عصر نبينا                     بغير خلاف ستة بالهدى بانوا
~أبي أبو الدرداء زيد بن ثابت                     أبو زيد الأنصاري معاذ وعثمان