نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: لا يجوز نكاح المكره

          ░3▒ (باب: لاَ يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُكْرَهِ) بفتح الراء، وقوله تعالى: ({وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ} [النور:33]) أي: إمائكم ({عَلَى الْبِغَاءِ}) أي: على الزِّنا، قال ابن الأثير: يقال: بغت المرأة تبغي بِغياً _بالكسر_ إذا زنت فهي بغي، فجعلوا البغاء على زنةِ العيوب كالحِرَان والشِّرَاد ({إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً}) تعفّفاً عن الزِّنا، وإنَّما قيَّده بهذا الشَّرط؛ لأنَّ الإكراه لا يكون إلَّا مع إرادة التَّحصّن، فإنَّ المطيعة للبغاء لا تسمَّى مكرهةً ولا أمره إكراهاً ({لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}) أي: لتبتغوا بإكراههنَّ على الزِّنا أجورهنَّ وأموالهنَّ ({وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:33]) أي: لهنَّ وإثمهنَّ على من أكرههنَّ.
          قال صاحب «التّوضيح»: إدخال البخاريّ هذه الآية في هذا الباب لا أدري ما وجهه، ثمَّ استدرك ما ذكره بما فيه الجواب وهو أنَّه إذا نهى عن الإكراه فيما لا يحلُّ، فالنَّهي عن الإكراه فيما يحلُّ بالطَّريق الأولى.
          قال الثَّعلبي: هذه الآية نزلت في معاذة ومسيكة جاريتي عبد الله بن أُبي المنافق كان يكرههما على الزِّنا بضريبةٍ يأخذها منهما، وكذلك كانوا يفعلون في الجاهليَّة يؤاجرون إماءهم، فلمَّا جاء الإسلام قالت معاذة لمسيكة: إنَّ هذا الأمر / الَّذي نحن فيه لا يخلو من وجهين: فإن يكن خيراً فقد استكثرنا منه، وإن يكن شرًّا فقد آن لنا أن ندعه، فأنزلَ الله سبحانه وتعالى هذه الآية، وفيه توبيخٌ للموالي إذا رغبنَ في التَّحصن فأنتم أحقُّ بذلك، وساق الآية بتمامها كريمة، وسقط في رواية أبي ذرٍّ من قوله: <{إِنْ أَرَدْنَ}...> إلى آخره، وقال بعد {الْبِغَاءِ}: <إلى قوله: {غَفُورٌ رَحِيمٌ}> وكذا للجرجاني.