نفحة المسك الداري لقارئ صحيح البخاري

من رمي ببدعة ممن أخرج لهم البخاري

وَأَكْثَرُ قَدْحٍ بِابْتِدَاعٍ وَإِنَّمَا                     يَضُرُّ إِذَا دَعَوْا وَرَبُّكَ يَعْصِمُ
          قال في «المقدِّمة»: أمَّا البدعة: فالموصوف بها؛ إمَّا أنْ يكون ممَّا يكفر بها، أو يفسق، فالمكفَّر بها: لا بُدَّ أنْ يكون ذلك التكفير متَّفقًا عليه من قواعد جميع الأئمَّة كما في غُلاة الروافض من دعوى بعضهم: حلول الإلهيَّة في عليٍّ ☺ أو غيره، والإيمان برجوعه إلى الدنيا قبل يوم القيامة أو غير ذلك، وليس في «الصحيح» من هؤلاء بشيءٍ ألبتَّة.
          أقول: قال تعالى: { وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ }[الحشر:10].
          قال: والمفسَّق بها؛ كبدع الخوارج والروافض الذين لا يغلون ذلك الغلوَّ، وغير هؤلاء من الطوائف المخالفين لأصول السُّنَّة، فقد اختلف أهل السُّنَّة في قبول حديث مَن هذا سبيله، إذا كان معروفًا بالتَّحرُّز من الكذب، مشهورًا بالسلامة من خوارم / المروءة، موصوفًا بالديانة والعبادة، قيل: يُقبل مطلقًا، وقيل: يُرَدُّ مطلقًا.
          أقول: قال تعالى: { وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ }[آل عمران:105].
          قال: والثالث: التَّفصيل بين أن يكون داعيًا لبدعته أو غير داعية، فيقبل غير الداعية، ويردُّ حديث الداعية، وهذا المذهب هو الأعدل، وصار إليه طوائف من الأئمَّة، وادَّعى ابن حبَّان إجماع أهل النقل عليه، لكن في دعوى ذلك نظر، ثمَّ بعضهم أطلق، وبعضهم قيَّد بما إذا لم تشتغل روايته على ما يوافق بدعته، وبعضهم قال: إنْ وافقه غيره فلا يلتفت إليه هو؛ إخمادًا لبدعته وإطفاءً لناره، وإنْ لم يوافقه أحدٌ ولم يوجد ذلك الحديث إلَّا عنده مع ما وصفنا من صدقه وتحرُّزه عن الكذب واشتهاره بالتديُّن وعدم تعلُّق ذلك الحديث ببدعته؛ فينبغي أن يقدِّم مصلحة تحصيل ذلك الحديث، ونشر تلك السُّنَّة على مصلحة إهانته، وإطفاء بدعته.
          أقول: قال تعالى: { وَلاَ تَكُونُواْ ...} إلى أنْ قال: { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ ...}[آل عمران:105-110] كأنَّه قيل: ولا تكونوا كالذين تفرَّقوا لا سيَّما إذا كانوا يدعون إلى بدعتهم، فيأمرون بالمنكر، وينهون عن المعروف، وقد قال تعالى:{ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ }[آل عمران:7].