النظر الفسيح عند مضائق الأنظار في الجامع الصحيح

مقدمة

          ♫
          والصَّلاة والسَّلام على سيِّدنا محمَّد وآله وصحبه
          حقيقٌ عليَّ أنْ أحمد اللهَ حمدًا جمًّا، على ما أسدى من فضل ونُعمى، ومن أكبر نعمه ما ألهم ووفَّق، وأبرز للعلماء وأسنى وألَّق، بكتاب ((الجامع الصحيح)) للإمام أبي عبد الله البخاريِّ؛ فإنَّه قد اشتمل على غُرر من العلم والأثر، ونُكت من إتقان التبويب ولُمَحٍ في التفقُّهِ والنَّظر.
          وقد انصرفت عنايةُ علمائنا إلى إيضاح معانيه، ومشايعة أغراضه، انصرافًا لا يُعرَفُ له نظير فيما صرفوا إليه الهمَّة من غيره، حتى أغنوا الناظرَ، وشرحوا الخاطرَ، وعقدوا للعلم الأواصرَ، جزاهم الله عن حسن صنيعهم جزاءَ شاكر.
          ولقد كَثُرَ ما عرض لي عند روايته ما يستوقف طَرَف الطَّرَف، ويستحثُّ بيانًا لذلك الحرف، لم يَشْفِ فيه السابقون غليلًا، أو تجاوزه قلمٌ كان عند بلوغه كليلًا، فرأيت حقًّا أن أقيِّد ما بدا، وأن لا أتركه يذهب سدى، والحمد لله على ما ألهم إليه وهَدَى.
          وقد اقتنعتُ فيما علَّقتُ بلمحاتٍ تدلُّ الأريبَ، ولا يحار في توسُّعها الرأي المصيب، تفاديًا من التطويل، وإبقاء على الناظر صاحب الرأي الأصيل.
          واستغنيت عند كل حديث مروي في ((الموطَّأ))، إذا كان يعترض دونه ما يوجب كشفًا، استغناء بما بيَّنتُ به ذلك الحديث في كتابي:
          ((كشف المغطَّى من المعاني والألفاظ الواقعة في الموطَّا)). /
          وإذا كان حديثٌ قد روي في عدة أبواب من كتاب ((الجامع الصحيح))، فإنِّي أتوخَّى الكلام عليه في الباب الذي هو أولى به من بقية الأبواب، مثل حديث سحر لَبِيد بن الأعصم رسول الله صلعم، فإنَّه ذكر في كتاب بدء الخلق [خ¦3268] وفي كتاب الطب والمرضى [خ¦5763] [خ¦5765] [خ¦5766] (1) ، فكان كلامنا عليه في باب الطب والمرضى أرشقُ، فمن وجد إشكالًا في بعض الأحاديث، وتَطَلَّب بيانًا له في موضع من كتابي هذا فليتطلبه في مظنَّته من بابه، ولا ييأسْ من إلفاء بيانٍ له حتى يستقريَ الأبواب التي أخرجه البخاري فيها؛ فإنَّ للرأي منازع في الاختيار.
          وقد كنتُ علَّقتُ معظم هذا التعليق قبل أن تصير إليَّ نسخة من كتاب ((المشارق)) لعياض، فلما ظفرتُ به وجدت فيه فوائد في مواضع، فأثبتها في هذا التعليق، وفاتت مواضع تمَّ تعليقها، ونسيتُ أن أعود إليها؛ فإذا وجد الناظر شيئًا لي موافقًا لما في ((المشارق)) فليعلم بأنَّه لاح لي قبل الاطلاع على ذلك الكتاب، فيعدَّ الموافقَ منه والمخالفَ طريقةً أخرى. /


[1] كما أخرجه في كتاب الجزية والموادعة [خ¦3175] ، والأدب [خ¦6063] ، والدعوات [خ¦6391]