المتواري على أبواب البخاري

باب من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب

          ░17▒ باب من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب
          57- فيه أبو هريرة: قال رسول الله صلعم : «إذا أدرك أحدُكُم سجدةً من صلاة العصر قبل أن تَغْرُب الشَّمس فليُتمَّ صلاته، وإذا أدرك سجدةً من صلاة الصُّبح قبل أن تطلع الشَّمس فليُتمَّ صلاته». [خ¦556]
          58- فيه(1) ابن عمر: قال النَّبيُّ صلعم : «إنَّما بقاؤكم فيما سلف قبلَكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشَّمس: أُوتي أهل التَّوراة التَّوراةَ فعَمِلوا حتَّى (إذا)(2) انتصف النَّهار عجزوا، فأُعْطوا قيراطاً قِيراطاً، ثمَّ أوتي أهل الإنجيل الإنجيلَ فعَمِلوا إلى صلاة العصر ثمَّ عجزوا، فأُعْطوا قيراطاً قِيراطاً، ثمَّ أوتينا القرآن فعملنا إلى غروب / الشَّمس، فأُعْطينا قيراطين قِيراطين، فقال أهل الكتابين: ربَّنا!(3) أعطيت هؤلاء قيراطين قِيراطين وأعطيتنا قيراطاً قِيراطاً ونحن أكثر(4) عملاً؟ قال (الله)(5) ╡ : هل ظلمتكم من أَجْركم من شيءٍ؟ قالوا: لا، قال: فذلك فضلي أوتيه من أشاء». [خ¦557].
          59- وفيه أبو موسى: قال النَّبيُّ صلعم : «مثل المسلمين واليهود والنَّصارى(6)، كمثل رجلٍ استأجر قوماً يعملون له عملاً إلى اللَّيل، فعملوا إلى نصف النَّهار، فقالوا: لا حاجة لنا إلى أَجْرك، فاستأجر آخرين، فقال: أكملوا بقيَّة يومكم ولكم الذي شرطت، فعَمِلوا حتَّى إذا كان حين صلاة العصر قالوا: لك ما عملنا، فاستأجر قوماً فعملوا بقيَّة يومهم حتَّى غابت الشَّمس فاستكملوا أجر الفريقين». [خ¦558].
          [قلتَ رضي الله عنك:] إن قلتَ: ما وجه مطابقة حديث ابن عمر للتَّرجمة، وإنَّما حديثه مِثالٌ لمنازل الأمم عند الله، وإنَّ هذه الأمَّة أقصرها عُمراً وأقلُّها عملاً وأعظمها ثواباً؟ قلتُ: يُستنبط بتلطُّفٍ من قوله: «فعملنا إلى غروب الشَّمس» دلَّ أنَّ وقت العمل ممتدٌّ إلى غروب الشَّمس وأنَّه لا يفوت، وأقرب الأعمال المشهورة(7) بهذا الوقت صلاة العصر، وهو من قبيل الأخذ بالإشارة(8) لا من صريح العبارة، فإنَّ الحديث مثالٌ، وليس المراد عملاً خاصاً بهذا الوقت هو صلاة، بل المراد سائر أعمال الأمَّة من سائر الصَّلوات وغيرها من العبادات في سائر مدَّة بقاء المِلَّة إلى قيام السَّاعة.
          ويحتمل المطابقة ما قاله المهلَّب، وهو أنَّه نبَّه على أنَّ إعطاء البعض حكم الكلِّ في الإدراك غير بعيدٍ، كما أعطيت هذه الأمَّة ببعض العمل في بعض النَّهار حكم جملة العمل في جملة النَّهار فاستحقَّت جميع الأجر.
          وفيه بُعْدٌ! فإنَّه لو قال: إنَّ هذه الأمَّة أعطيت ثلاثة قراريط أشبه، ولكنَّها ما أعطيت إلَّا بعض أجرة جميع النَّهار؛ لأنَّ الأمَّتين قبلها ما استوعبتا النَّهار فأخذتا(9) قيراطين، وهذه الأمَّة إنَّما أخذت أيضاً قيراطين، نعم! عمِلَت هذه قليلاً / فأخذت كثيراً.
          ثمَّ هو أيضاً منفكٌّ عن محلِّ الاستدلال؛ لأنَّ عمل هذه الأمَّة آخر النَّهار كأنَّه(10) أفضل من عمل المتقدِّمين قبلها، ولا خلاف أنَّ صلاة العصر متقدِّمةً أفضل من صلاتها متأخِّرةً، ثمَّ هذا من الخصائص المستثناة عن القياس، فكيف يقاس عليه؟ ألا ترى أنَّ صيام آخر النَّهار لا يقوم مقام صيام جملته، وكذلك سائر العبادات، فالأوَّل أَولى، والله أعلم.


[1] في (ت) و(ع): «وفيه».
[2] ليست في (ع).
[3] في (ع): «أي ربنا».
[4] في (ع): «كُنَّا أكثر».
[5] ليست في (ع).
[6] في (ع): «اليهود والمسلمين والنصارى».
[7] في (ت): «المشهور».
[8] في (ت) و(ع): «من الإشارة».
[9] في (ع): «فأخذت».
[10] في (ت) و(ع): «كان».