المتواري على أبواب البخاري

باب القسامة

          ░22▒ باب القسامة
          وقال(1) الأشعث: قال النبيُّ صلعم : «شاهِداك أو يمينه».
          وقال ابن أبي مُليكة: «لم يُقِد(2) بها معاوية».
          وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عَديِّ بن أرطاة _وكان أمَّره على البصرة_ في قتيلٍ وُجد عند بيتٍ من بيوت السَّمَّانين: «إن وَجَد أصحابه بيِّنةً، وإلَّا فلا تظلم الناس، فإنَّ هذا لا يُقضى فيه إلى يوم القيامة».
          480- حدَّثنا أبو نعيمٍ، حدَّثنا سعيد بن عُبيد، عن بُشَير بن يسارٍ: «زعم أنَّ رجلاً من الأنصار يقال له سهل بن أبي حَثْمَةَ أخبره أنَّ نفراً من قومه انطلقوا إلى خيبر، فتفرَّقوا فيها، ووجدوا أحدهم قتيلاً، وقالوا للذي وُجِدَ فيهم: قتلتم صاحبَنا، قالوا: ما قتلنا ولا علمنا / قاتلاً، فانطلقوا إلى النبيِّ صلعم ، فقالوا: يا رسول الله، انطلقنا إلى خيبر، فوجدنا أحدنا قتيلاً، فقال: الكُبْرَ الكبر، فقال لهم(3): تأتون(4) بالبيِّنة على من(5) قتله، قالوا: مالنا بيِّنةٌ؟ قال: فيحلفون، قالوا: لا نرضى بأيمان اليهود، فكره رسول الله صلعم أن يبطل دمه، فوداه بمئةٍ من إبل الصدقة». [خ¦6898].
          481- وقال أبو قِلابة: «إنَّ عمر بن عبد العزيز أبرز سريره يوماً للناس، ثمَّ أَذِن لهم، فدخلوا، فقال لهم: ما تقولون في القسامة؟ قالوا: نقول: القَوَدُ بها حقٌّ، وقد أقادت(6) الخلفاء بها، فقال: ما تقول يا أبا قلابة؟ ونَصَبني للناس، فقلت: يا أمير المؤمنين، عندك رؤوس الأجناد وأشراف العرب، أرأيت لو (أنَّ)(7) خمسين منهم شهدوا على رجلٍ مُحْصَنٍ بدمشق أنَّه قد زنى لم(8) يَرَوه أكنت تَرجُمُه؟ قال: لا، قلت: أرأيت لو أنَّ خمسين منهم شهدوا على رجلٍ(9) بحمص أنَّه قد سَرق أكنت تقطعه ولم يَرَوه؟ قال: لا، قلت: والله(10) ما قَتَل رسول الله صلعم أحداً قطُّ إلَّا في إحدى ثلاث(11) خصالٍ: رجلٌ قَتَل بجَرِيرة نفسه فقُتِل، أو رجلٌ زنى بعد إحصانٍ، أو رجلٌ حارب الله ورسوله وارتدَّ عن الإسلام، فقال القوم: أوَلَيس قد حدَّث أنس بن مالكٍ أنَّ النبيَّ صلعم قطع في السَّرَقِ وسَمَر الأعين، ثمَّ نبذهم في الشمس؟ فقلت: أنا أحدثكم(12) حديث أنس بن مالكٍ، حدَّثني أنسٌ: أنَّ نفراً من عُكْلٍ ثمانيةً قَدِموا على النبيِّ صلعم فبايعوه على الإسلام، فاستوخموا الأرض، فسَقِمت أجسادهم، فشَكَوا ذلك إلى النبيِّ صلعم ، قال: أفلا تَخْرُجون إلى راعينا في إبله، فتُصيبون من أبوالها وألبانها(13)؟ (قالوا: بلى)، فخرجوا، فشربوا منها، فصحُّوا، فقتلوا راعي النبيِّ صلعم ، (وأطردوا النَّعَم، فبلغ ذلك النبيَّ صلعم ،) فأرسل في آثارهم، فأُدْرِكوا، فجِيء بهم، (فأَمَر بهم،) فقطِّعت أيديهم وأرجلهم وسَمَر أعينهم، ثمَّ نبذهم في الشمس حتَّى ماتوا، قلت: وأيُّ شيء أشدُّ ممَّا صنع هؤلاء؟ ارتدُّوا عن الإسلام، وقتلوا وسرقوا؟ قال(14) عنبسة بن سعيدٍ: والله إن سمعت / كاليوم قطُّ، قلت(15): أتردُّ علي حديثي يا عنبسة؟ قال: لا، ولكن جئت بالحديث على وجهه، والله لا يزال هذا الجند بخيرٍ ما عاش هذا الشيخ بين أظهرهم. قلت: وقد كان في هذا سنَّةٌ من رسول الله صلعم ، دخل عليه نفرٌ من الأنصار، فتحدَّثوا عنده، فخرج رجل منهم بين أيديهم فقُتِل، فخرجوا بعده فإذا هم بصاحبهم يتشَحَّط في الدم، فرجعوا إلى النبيِّ صلعم ، فقالوا: يا رسول الله، صاحبنا خرج بين أيدينا، فإذا نحن به يتشَحَّط في دمه، فقال النبيُّ صلعم : من تظنُّون _أو من ترون_ قتله؟ قالوا: نرى أنَّ اليهود قتلته، فأرسل إلى اليهود، فدعاهم فقال: أنتم قتلتم هذا؟ قالوا: لا، قال: أترضون(16) نفل خمسين من اليهود ما قتلوه؟ قالوا: ما يبالون أن يقتلونا أجمعين ثمَّ ينفلون أجمعين، قال: أفتستحقُّون الدية بأيمان خمسين منكم؟ فقالوا(17): ما كنَّا لنحلف(18)، فوَدَاه من عنده. قلت: وقد كانت هُذيلٌ خَلَعوا خليعاً (لهم)(19) في الجاهليَّة، فطرق أهلَ بيتٍ من اليمن بالبطحاء، فانتبه له رجلٌ منهم، فحذفه بالسيف فقتله، فجاءت هذيلٌ فأخذوا اليمانيَّ فرفعوه إلى عمر بالموسم، وقالوا: قتل صاحبنا، قال: إنَّهم قد خلعوه(20)، قال(21): يقسم خمسون من هذيلٍ ما خلعوا، قال: فأقسم منهم تسعةٌ وأربعون رجلاً وأقبل(22) رجلٌ(23) منهم (من الشام)(24) فسألوه أن يقسم، فافتدى يمينه(25) بألف درهمٍ، فأدخلوا مكانه رجلاً آخر، فدفعه إلى أخي المقتول، فقُرِنَتْ يده بيده، قال: فانطلقا والخمسون الذين أقسموا حتَّى إذا كانوا بنخلةٍ أخذتهم السماء، فدخلوا في غارٍ في جبل، فانْهَجَم الغار على الخمسين الذين أقسموا، فماتوا جميعاً وأفلت القرينان، واتَّبعهما حجرٌ فكسر رجل أخي المقتول فعاش حولاً، ثمَّ مات. قلت: وقد كان عبد الملك بن مروان أقاد رجلاً بالقسامة، ثمَّ ندم بعد ما صنع، فأمر بالخمسين الذين أقْسَموا فنُحُّوا(26) من الديوان وسيَّرَهم إلى الشام». [خ¦6899].
          [قلتَ رضي الله عنك:] مذهب البخاريِّ تضعيف / القسامة، فلهذا صدَّر(27) الباب بالأحاديث الجارية على (أنَّ)(28) اليمين من جانب المُدَّعى عليه، وذكر حديث سعيد(29) بن عبيدٍ، وهو جارٍ على قواعد الدعاوي(30) وإلزام المُدَّعِي البيَّنة، ليس(31) من خصوصيَّة القسامة في شيءٍ، ثمَّ ذكر البخاريُّ حديث القسامة الدَّالَّ على خروجها عن القواعد بطريق العرض في كتاب الموادعة والجزية حذراً من أن يذكره ها هنا؛ لئلَّا يعتمد على ظاهره في الاستدلال على القسامة واعتبارها، فيغلط المستدلُّ به على اعتقاد البخاريِّ، وهذا الإخفاء مع صحَّة القصد ليس من قبيل كتمان العلم، بل هو من قبيل ما ورد: (لا تعطوا الحكمة غير أهلها فتظلموها)، فالنصيحة توجب توقِّي الغلط، والله أعلم.
          ووَهِمَ المُهلَّب، فظنَّ أن أبا قلابة اعترض على حديث القسامة بحديث العُرَنيين معارضاً به لحديث القسامة، فقال: لا تعارض؛ لأنَّ العرنيين اشتهر(32) أمرهم وقتْلُهم الراعي وارتدادهم عن الإسلام، ولم يكن هذا بحيث (يمكن)(33) إخفاؤه ولا جحوده، وإنَّما(34) قَتَلهم النبيُّ صلعم بعد ثبوت ذلك (عليهم)(35) شرعاً بطريقه.
          وهذا وهمٌ من المُهلَّب، وإنَّما(36) أبو قلابة لمَّا اعترض عليه في إبطال القسامة بالحديث العامِّ الذي دلَّ على حصر القتل الشرعيِّ في الثلاثة: قتلٍ، أو كفرٍ، أو زنىً بحديث العرنيِّين؛ لأنَّ المعترض سبق إلى ذهنه أنَّ العرنيِّين لم يثبت عليهم أحد الثلاثة، ومع هذا قتلوا، أجاب أبو قلابة بأنَّه قد ثبت عليهم ثبوتاً واضحاً القتل والردَّة والمحاربة، وكلام أبي قلابة في هذا الجواب مستقيمٌ، والله أعلم.


[1] في (ع): «قال» بدون واو.
[2] في (ع): «يعد».
[3] ليست في (ع).
[4] في (ت) و(ع): «تأتوني» بالياء.
[5] ليست في (ت).
[6] في (ت): «قادت».
[7] ليست في (ع).
[8] في (ع): «ولم».
[9] في (ع): «رجل منهم».
[10] في (ت): «فو الله».
[11] في (ع): «ثلاثة».
[12] في (ع): «إنا نحدثكم».
[13] في (ع): «ألبانها وأبوالها».
[14] في (ت) و(ع): «وقال».
[15] في (ع): «فقلت».
[16] في (ت): «أفترضون».
[17] في (ت) و(ع): «قالوا».
[18] في (ع): «أن نحلف».
[19] ليست في (ع).
[20] في (ع): «خلعوا».
[21] في (ت) و(ع): «قالوا».
[22] في (ع): «وقدم».
[23] في (ت): «وقدم رجلاً».
[24] ليست في (ع).
[25] في (ع): «يمينه منهم»، وفي (ت): «بيمينه».
[26] في (ت) و(ع): «فمُحُوا».
[27] في (ع): «أصدر».
[28] ليست في (ع).
[29] في الأصل و(ع): «سعد».
[30] في (ت) و(ع): «الدواعي».
[31] في (ت) و(ع): «وليس».
[32] في الأصل: «أُشهر».
[33] ليست في (ع).
[34] في (ع): «إنما» بدون واو.
[35] ليست في (ع).
[36] في (ع): «إنما» بدون واو.