المتواري على أبواب البخاري

كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

          ░░1▒▒ باب كيف كان بدءُ الوحي إلى رسول الله صلعم وقول الله ╡ : {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ} [النساء:163] /
          1- فيه عمر بن الخطاب ☺: قال النَّبيُّ(1) صلعم : «(إنَّما) الأعمال بالنِّيَّات، وإنَّما لكلِّ امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو(2) امرأةٍ يَنْكِحها(3)، فهجرته إلى ما هاجر إليه». [خ¦1].
          إن قلتَ(4): ما موقع حديث عمر من التَّرجمة؟ وأين هو من بدء الوحي؟ قلتُ: أشكَلَ هذا قديماً على النَّاس، فحمَلَه بعضهم على قصد الخطبة والمقدِّمة للكتاب، لا على مطابقة التَّرجمة، وقيل فيه غير هذا.
          والذي وقع لي: أنَّه قصدُهُ _والله أعلم_ أنَّ الحديث اشتمل على أنَّ مَنْ هاجر إلى الله وَجَدَهُ(5)، والنبيُّ صلعم كان مقدِّمة النبوَّة في حقِّه هجرته إلى الله، وإلى الخلوة بمناجاته، والتقرُّب إليه بعباداته في غار حِراء، فلمَّا ألهمه الله صِدقَ الهجرة إليه وطَلبَ وَجَدَّ وَجَدَ، فهجرته إليه كانت بدء فضله عليه باصطفائه وإنزال الوحي عليه مضافاً إلى التَّأييد الإلهيِّ والتَّوفيق الرَّبانيِّ الذي هو الأصل والمرجع والمبدأ(6) والموئل.
          وليس على معنى ما ردَّه أهل السُّنَّة على من اعتقد أن النُّبوَّة مكتسبةٌ، بل على معنى أنَّ النُّبوَّة ومقدِّماتها ومتمِّماتها، كلٌّ فضلٌ من عند الله، فهو الذي ألهم السُّؤال وأعطى السُّؤْل، وعلَّق الأمل وبلَّغ المأمول، فله الفضل أوَّلاً وآخراً وباطناً وظاهراً(7) سبحانه وتعالى.
          ولم يذكر البخاريُّ في هذا الحديث: «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله»، وهو أَمَسُّ بالمقصود الذي نبَّهنا عليه.
          وذكر هذه الزِّيادة في الحديث في (كتاب الإيمان)، وكأنَّه استغنى عنها بقوله: «فهجرته إلى ما هاجر إليه» فأَفهَم ذلك أنَّ كلَّ من هاجر إلى شيءٍ فهجرته إليه، فدخل في عمومه الهجرة إلى الله، ومن عادته أن يترك الاستدلال [بالظَّاهر] الجليِّ ويعدل إلى الرَّمز الخفيِّ، وسيأتي له أمثال ذلك. /


[1] في (ت) و(ع): «فيه عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله».
[2] في (ت): «أو إلى».
[3] في (ع): «يتزوجها».
[4] في (ع): «قال سيدنا ومولانا الفقيه ☺: إن قلتَ».
[5] في (ع): «وحده» بالمهملة.
[6] في (ع): «والمبدأ والمرجع».
[7] في (ع): «وظاهراً وباطناً».