مصابيح الجامع

حديث: كنت لك كأبي زرع لأم زرع

          5189- (قَالَتِ الأُولَى: زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٌّ): أي: شديد الهزال.
          قال الزركشي: و (1) يجوز في ((غث)) الرفع وصفًا للحم، والجرُّ وصفًا للجمل.
          قلت: لا إشكالَ في جواز الوجهين، لكن لا أدري ما المرويُّ منهما (2)، ولا هل ثبتَا (3) معًا في الرواية (4) ؟ فينبغي تحريره.
          (عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ): تصف بُعْدَ خيرِه وخُبْثَ ما عندَه، كالشيء المستقْبَح في قُلَّةِ (5) جبلٍ صعبٍ.
          (لَا سَهْل): فيه البناء على الفتح والرفع والجر مع التنوين، وتوجيهُها ظاهر؛ أي: لا سهلَ فيه، فحذف الخبر، أو: لا هو سهلٌ، وعليها فالوصف وقع بجملة (6)، والجرُّ على النعتِ لجبلٍ (7) بالمفرد، كذا في الزركشي.
          قلت: ويلزم عليه إلغاءُ ((لا)) مع (8) عدم التكرير في توجيه الرفع، ودخولُ ((لا)) على الصفة المفردة مع انتفاء التكرير في توجيه (9) الجر، وكلاهما باطلٌ.
          (فَيُرْتَقَى): أي: يُصعَد إليه؛ لِصعوبة المسلك إليه.
          (وَلَا سَمِينٍ فَيُنْتَقَلُ): هذا حديثٌ عن الجمل أو لحمِه (10)، تُقول: لا يرضى أحدٌ أن ينقله لهزاله.
          ويروى: <فينتقى>؛ أي: ليس له نِقْيٌ يُستخرج، والنِّقْيُ _بكسر النون وسكون القاف_: مُخُّ العظم.
          قلت: وعلى (11) هذه الرواية يكونُ بين((يرتقى)) و((ينتقى)) جناسٌ حسنٌ.
          قال الزركشي: وَصَفَتْه بالبخل، وسوء الخُلُق، والترفُّع بنفسه؛ تريد: أنه مع قلة خيره، مُتكبرٌ (12) على عشيرته.
          قلت: لا دَلالة في لفظها على أنه متكبرٌ على العشيرة / مُتَرَفعٌ على قومه، فتأمله.
          (قَالَتِ الثَّانِيَةُ: زَوْجِي لَا أَبُثُّ خَبَرَهُ): أي: لا أُظهر حديثه.
          وروي بالنون في أوله، وهما بمعنًى، إلا أنه بالنون أكثرُ ما يُستعمل في الشر.
          (إِنِّي أَخَافُ أَنْ لَا أَذَرَهُ): كأنها خافت إن شرعت في خيره وحديثه أن لا تتركه حتى تستوعبَ عُيوبه، فسكتت (13) من الأول إبقاءً على ذِكرِ عُيوبه مفصَّلَة (14)، وهذا يقتضي عودَ الضمير من قولها: ((أَنْ لا أَذَرَه)) على الخبر (15)، وإليه ذهبَ ابنُ السِّكِّيت.
          وقيل: الهاء عائدة على الزوج؛ كأنها خشيتْ فراقَه إن ذكرَتْه (16)، و((لا)) زائدة، و((أذره)) (17) بمعنى: أفارقَه وأدعَه(18).
          (قَالَتِ الثَّالِثَةُ: زَوْجِي الْعَشَنَّقُ): بفتح العين المهملة والشين المعجمة والنون المشددة وآخره قاف.
          قال الأصمعي: هو الطويل، تقول(19) : ليس عنده أكثرُ من طوله بلا نفعٍ، فإن ذكرتُ عيوبه، طلقني، وإن سكتُّ تركني معلَّقةً لا أَيِّمًا، ولا ذاتَ بَعْل.
          (قَالَتِ الرَّابِعَةُ: زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ، لَا حَرٌّ وَلَا قُرٌّ): بضم القاف(20).
          (وَلَا مَخَافَةَ وَلَا سَآمَةَ): أي: ولا مَلل. ويروى: <ولا وَخامة>؛ أي: ولا وخامةَ (21) في مرعاها، يقال: مرعًى وخيمٌ: إذا كانت الماشية لا تنجع عليه (22)، ويجوز في ((لا حر)) (23)، وما بعدها الفتحُ على البناء، والخبرُ محذوف، ويجوز أن يكون ((لا)) ملغاةً للتكرير، فالرفعُ والخبرُ (24) _أيضًا_ محذوف.
          وصفَتْه (25) بحُسن صحبتها، وجميلِ عِشرتها، واعتدالِ حاله. و((تهامَةُ)) من بلاد الحجاز مَكَّة وما والاها(26).
          (قَالَتِ الْخَامِسَةُ: زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ): بفتح الفاء وكسر الهاء، فِعلٌ ماضٍ؛ أي: فَعَلَ فِعْلَ الفهد، تعني: أنه إذا دخل بيته، نام وغفل عن معايب البيت الذي يلزمني إصلاحه، والفَهْدُ يُوصف بكثرة النوم، فهي تصفه بالكرم، وحسن الخُلُق، فكأنه (27) نائم عن ذلك، أو ساهٍ، وإنما هو مُتَناوِمٌ ومتغافِلٌ، وهذه الخصلة من مكارم الأخلاق.
          (وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ): فِعلٌ ماضٍ بفتح الهمزة وكسر السين؛ أي: فَعَلَ فِعْلَ الأسد، تمدحه بالشجاعة.
          (وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ): أي: عما له عهدٌ به في البيت من طعام وشراب، وصفَتْه بالكرم والسخاء، ولذلك (28) لم يتطلع إلى ما فقده من بيته، ولا سألَ (29) عنه.
          (قَالَتِ السَّادِسَةُ: زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ): أي: أكثرَ من أكلِ ما (30) يجده، مع التَّخليط من صنوفه (31) حتى لا يُبقي منه شيئًا.
          (وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ): أي: استقصى (32) ما في الإناء [لا] يُسْئِرُ فيه سُؤْرًا، وهو مأخوذ من الشُّفافَة، وهي البقيةُ تبقى في الإناء (33)، فإذا شربها، قيل: اشتفَّ، وهو وصفُ ذَمٍّ(34).
          (وَلَا يُولِجُ الْكَفَّ لِيَعْلَمَ الْبَثَّ): أي: لا يضعُ يدَهُ عليها ليعلمَ مَحَبَّتَها فيه، ووجدَها به، فشكتْ قِلَّةَ رغبتِه في النساء مع قلَّة خيره، وكثرة شرِهِه (35) في الطعام والشراب، وهذا غايةُ الذم عند العرب: أن يستكثرَ (36) من الطعام، ويتقلَّلَ من النساء، وإنما يتمدَّحون (37) بضدِّ ذلك.
          (قَالَتِ السَّابِعَةُ: زَوْجِي غَيَايَاءُ، أَوْ عَيَايَاءُ): قالوا: هو بالعين المهملة قَطْعًا، ولا وجه للشك، والعَياياء _بالمد_ من الإبل: هو الذي لا يضَرِّب، ولا يُلَقِّحِ، وكذلك هو في الرجال.
          (طَبَاقَاءُ): بالمد: هو الأحمقُ، وقيل: هو الثقيلُ الصدر الذي يُطبق صدرُه على صدر المرأة عند المباضَعة، وهو غيرُ حسن، فيكون على هذا وصفته بعدم المعرفة بحسنِ الجماع؛ لأنه يُطبق صدرُه على صدرها، فيخفُّ عَجُزُه عنها، فلا تَستمتع به.
          وقال امرؤ القيس لبعض النساء: مَا لِي (38) أُفْرَكُ مِنَ النِّسَاءِ؟
          أي: يبغضنه مع محبَّته فيهنَّ(39).
          فقالت(40) : فيكَ عيوبٌ أربعة: ثقيلُ الصدر، خفيفُ العَجُز، سريعُ الإراقة، بطيءُ الإفاقَة.
          (كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ(41)): أي: كلُّ (42) ما تَفَرَّقَ في (43) الناس من الأدواءِ والمعايبِ اجتمعَ فيه.
          (شَجَّكِ): أي: أصابكِ بشَجَّة، والكاف مكسورة؛ لأن المخاطَبَ مؤنث، وكذا ما بعده.
          (أو فَلَّكِ): أي: أصابَتْ شيئًا من بَدَنِك، والشَّجُّ في الرأس خاصةً، والفَلُّ (44) في سائر الجسد، تصفه بالتَّناهي في النقائص والعيوب، / وسوء العشرة مع الأهل.
          (قَالَتِ الثَّامِنَةُ: زَوْجِي الْمَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ): أي: ناعمُ الجسد، ويُحتمل جَعلُه من باب الكناية عن حسن الخلق، ولين الجانب.
          (وَالرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ) تعني أنَّ جسده طيبُ الريح، أو أن ثناءه في الناس (45) طيبٌ، وكلٌّ من الجملتين الاسميتين (46) _أعني: قولها: المسُّ هو (47) مَسُّ أرنب، والريحُ ريحُ زَرْنَب (48)_ مشتملةٌ على ضمير محذوف يعودُ على المبتدأ، وهو ((زوجي))؛ لأجل الربط؛ أي: منه؛ مثل قولهم: السمنُ مَنَوانِ بدرهمٍ.
          (قَالَتِ التَّاسِعَةُ: زَوْجِي رَفِيعُ الْعِمَادِ): قيل: هو حقيقةٌ في البيوت والقِباب في أبنية الأشراف من أهل البدو، يُطيلون الأعمدة للطارق والسائل، وقيل: مجاز، تريد: الشرفَ وعُلُوَّ الذِّكْر.
          (طَوِيلُ النِّجَادِ): كناية عن طولِ القامة.
          (عَظِيمُ الرَّمَادِ): كناية عن كونه مِضْيافًا، وهذه الكناية عندَهم من الكنايات البعيدة (49)؛ لأن الانتقال (50) فيها من الكناية إلى المطلوب بها بواسطة، فإنه ينتقلُ من كثرة الرماد، إلى كثرة إحراق (51) الحطب تحت القِدرِ، ومن كثرة الإحراق إلى كثرة الطَّبائخ، ومنها (52) إلى كثرة الأَكَلة، ومنها (53) إلى كثرة الضيفان.
          (قَرِيبُ الْبَيْتِ مِنَ النَّادِ): تريد: أنَّ بيته قريبٌ من المكان الذي يجتمع فيه العرب للتشاور والحديث؛ تعني: أنه لا يبعُد عنهم؛ ليستخفيَ بين ظهراني (54) الناس.
          (قَالَتِ الْعَاشِرَةُ: زَوْجِي مَالِكٌ وَمَا مَالِكٌ): ((ما)) استفهامية للتعظيم.
          (مَالِكٌ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكِ): زيادةٌ في التعظيم، وترفيع المكانة.
          (لَهُ إِبِلٌ كَثِيرَاتُ الْمَبَارِكِ): أي: لاستعدادِه الضيفان لا يوجِّهها للمرعى، بل يتركهنَّ باركة (55) بفنائه.
          (قَلِيلَاتُ الْمَسَارِحِ): وهي المراعي (56) البعيدة، جمع مَسْرَح.
          (وَ (57) إِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ الْمِزْهَرِ): بكسر الميم، عودُ الغناء، تعني: أنه كان يتلقى أضيافه بالغناء مبالغةً في الفرح بهم (58)، أو يأتيهم بالشراب والغناء.
          (أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ(59)): أي: لعقرهنَّ للضيفان.
          (قَالَتِ الْحَادِيَةَ عَشْرَ(60) : زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ، ومَا أَبُو زَرْعٍ؟!): الاستفهام للتعظيم والتهويل، كما سبق.
          (أُنَاسَ): بالسين المهملة؛ أي: حَرَّكَ.
          (مِنْ حُلِيٍّ): بضم الحاء وكسر اللام.
          (أُذُنَيَّ): تثنية أُذُن، والذال مضمومة وساكنة.
          (وَمَلأَ مِنْ شَحْمِ عَضُدَيَّ): لم تردِ العضدينِ خاصة، وإنما أرادت سِمَنَ جسدِها كلِّه، لكن ذكرت العضدين لأجل السَّجع.
          (بَجَّحَنِي): بجيم مفتوحة مشددة فحاء مهملة مفتوحة؛ أي: فَرَّحَني، وقيل: عَظَّمَني.
          (فَبَجَحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي): بفتحات؛ أي: عَظُمَتْ نفسي عندي.
          (وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيْمَةٍ): تصغير غَنَم، وأُنث على إرادة الجماعة؛ أي: إن أهلها كانوا ذوي غنم، ليسوا أصحابَ خيلٍ ولا إبل(61).
          (بِشِقٍّ): بكسر الشين المعجمة؛ أي: في مَشَقَّة، كقوله تعالى: {إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ} [النحل:7]، وقيل(62) : شِقِّ جبلٍ؛ أي: غنمُهم قليلة، ورُوِيَ بالفتح.
          (فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيلٍ): هو صوتُ (63) الخيل.
          (وَأَطِيطٍ): هو: صوتُ الإبل.
          (وَدَائِسٍ): اسم فاعل من داس الطعامَ يدوسُه دياسة؛ لكي يخرج الحَبَّ من السنبل.
          (ومُنَقٍّ): اسمُ فاعل من نَقَّى الطعامَ تنقيةً (64) _بتشديد القاف_؛ أي: إذا أزالَ ما يختلط به من قشرٍ ونحوِه، ويروى بكسر النون.
          قال أبو عبيد(65) : ولا أعرفه، وقيل: إن صَحَّت الرواية به، فهو (66) من النَّقيق، وهو أصوات المواشي والأنعام، تصفه بكثرةِ الأموال.
          (أَقْولُ فَلَا أُقَبَّحُ): أي: فلا يُقَبَّح عليَّ قولٌ (67)، تشير إلى رِفعة مكانتها (68) عنده، ومحبته إياها.
          (وَأَرْقُدُ فَأَتَصبَّحُ): أي: أنامُ الصُّبْحَةَ، وهي (69) نومُ أول النهار.
          (وَأَشْرَبُ فَأَتَقَنَّحُ): من التقَنُّح (70)، وهو الشربُ (71) فوقَ الرِّيِّ، وقد وقع للبخاري في آخر هذا الحديث: وقال بعضُهم: ((فأتقَمَّح)) بالميم، وهذا أصح.
          قيل: و (72) البخاري في هذا متابع لأبي عُبيد، فإنه قال: لا أعرف هذا، ولا أراه محفوظًا إلا بالميم، ومعناه: أَروى حتى أدعَ الشرابَ من شدة الرِّيِّ.
          (عُكُومُهَا رَداحٌ): العكوم: الأعدالُ والغَرائر، واحدها عِكْمٌ _بكسر العين / مثل: جِلْد وجُلود.
          قال الزركشي: و((رَداحٌ)) لا يجوز أن يكون خبرًا لـ((عكومِها))؛ لأنه مفرد، بل هي خبر (73) لمبتدأ محذوف؛ أي: كلُّ عِكْمٍ (74) منها رداحٌ.
          قلت: هذا كلام القاضي بعينه في «المشارق»، وظاهرُ كلامِ غيرِ واحدٍ: أن الرداحَ صفةٌ للعين الثقيلة (75)، فعليه يجوز أن يكون خبرًا للعكوم (76)، وإن كانت جمعًا، قال: ويكون رداح مصدرًا؛ كالذَّهاب، والطلاق، فيكون خبرًا للعكوم، أو يكون على طريق النسبة (77)؛ نحو: {السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ} [المزمل:18]؛ أي: ذاتُ انفطار، قال: وقد تريد بالعُكوم: كَفَلَها، شَبَّهتها (78) بالعُكوم؛ لامتلائها وسِمَنِها.
          (وَبَيْتُهَا (79) فَسَاحٌ): بفتح الفاءِ؛ أي: واسعٌ كبير.
          (مَضْجعُهُ كَمَسَلِّ شَطْبةٍ): أي: موضعُ نومِه دقيق؛ لنحافته (80)، وهو مما يُمدح به الرجل، والشَّطْبة: أصلُها ما شُطب من جريد النخل، وهي (81) سَعَفُه، وذلك أنه يشتق (82) منه قضبان دِقاقٌ تُنسج منها الحصير(83).
          وقيل: أرادَتْ سيفًا سُلَّ من غِمدِهِ، والمِسَلُّ: مصدر بمعنى السَّلِّ؛ أُريد به المفعول؛ أي(84) : كمَسْلول (85) شَطْبة.
          (وَيُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الْجَفْرَةِ): وصفته بقلة الأكل، وهو مما (86) يُمدح به الرجل، والجَفْرَة: الأنثى من ولَدِ المَعْزِ (87)، والذَّكَرُ جَفْرٌ(88).
          (طَوْعُ أَبِيهَا، وَطَوْعُ أُمِّهَا): وصفتها ببرِّ الوالدين.
          (وَمِلْءُ كسَائِهَا): وصفتها بالسِّمَن.
          (وَغَيْظُ جَارَتِهَا): هي (89) ضَرّتُها، أرادت: أن (90) ضَرَّتها ترى من حسنها ما يَغيظها.
          قال الزركشي: وفي هذه الألفاظ دليلٌ لسيبويه في (91) إجازته: مررتُ برجلٍ حسنٍ وجهُهُ؛ خلافًا للمبرِّدِ والزجَّاج.
          قلت: ما أظنُّ سيبويه ☼ يرضى بهذا الاستدلال، وذلك لأن كلًّا من ((طوع)) و((ملء)) و((غيظ))، ليس صفة مشبهةً (92)، ولا اسمَ فاعل، ولا مفعول مِن فِعلٍ لازم حتى يجري مجرى الصفة المشبهة، وإنما كلٌّ منها مصدرٌ لِفِعلٍ متعدٍّ (93)، فـ((طوعُ أبيها)) بمعنى: طائعة أبيها؛ أي: مطيعة ومنقادة له، و((مِلءُ كسائها))؛ أي: مالئةُ كسائها، و((غيظُ جارتها))؛ أي: غائظةُ جارتها، وجوازُ مثلِ هذا في اسم الفاعل من الفعل المتعدِّي جائزٌ بالإجماع، لا يخالف فيه المبرِّدُ ولا الزجَّاج، ولا غيرهما، وبالجملة: فليس هذا مِنْ محل النزاع في شيء.
          (لَا تَبُثُّ حَدِيثَنَا تَبْثِيثًا): بالباء الموحدة وبالثاء (94) المثلثة؛ أي: لا تُفْشي حديثنا، ولا تُظهره، ويروى بالنون عوض الموحدة، وهو بمعناه.
          (وَلَا تُنَقِّثُ): بنون مفتوحة فقاف مشددة (95) مكسورة فثاء مثلثة؛ أي: لا تُفسد.
          (مِيرَتَنَا): بكسر الميم؛ أي: طعامَنا (96)، تصفُها بالأمانة.
          (وَلَا تَمْلأُ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا): بالعين المهملة والشين المعجمة(97).
          قال يعقوب: تريدُ: النميمةَ وما شاكلها(98). وقيل: تريد عفافَ فَرجِها، وعدمَ فسقِها.
          وقيل: لا تترك القُمامة والكُناسة مفرقةً في البيت كعش الطائر، بل هي مُصلِحَةٌ للبيت، معتنيةٌ بتنظيفه.
          وقيل: لا تسرق طعامَنا فتخبئه في زوايا البيت.
          (خَرَجَ (99) أَبُو زَرْعٍ وَالأَوْطَابُ): زِقاقُ (100) اللبن، واحدها: وَطْبٌ، على زنة فَلْس (101)، فجمعُه على أفعال، مع كونه صحيحَ العين نادرٌ (102)، والمعروف: وِطابٌ في الكثرة، وأَوْطُبٌ في القلة.
          (تُمْخَضُ): أي: تحرَّك حتى يخرجَ زُبْدُها.
          (مَعَهَا وَلَدَانِ لَهَا (103) كَالْفَهْدَيْنِ(104)): احتاجَتْ إلى ذكرهما هنا لتنبه على أن ذلك كان أحدَ أسبابِ تزويج (105) أبي زرعٍ لها؛ لأن العرب كانت ترغبُ في الأولاد، وتحرِصُ على النسل، وكثرةِ العددِ، وتستعد (106) لذلك النساء المنجبات (107) في الخَلْق والخُلُق، هكذا قيل(108).
          وقال الحافظ مغلطاي: يُعَكِّر (109) على هذا ما ذكره الخطيبُ من أنهما أخواها (110)، لا ابنَاهَا، وأنه إنما تزوَّجَها بِكرًا(111).
          (يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا): بفتح الخاء المعجمة.
          (بِرُمَّانَتَيْنِ): يعني: أنها ذاتُ كَفَلٍ عظيم، فإذا استلقت نتأ (112) بها الكَفَلُ من الأرض حتى يصيرَ تحتها (113) فجوةٌ يجري فيها الرمان.
          وقيل: عَنَتْ بالرمانتين: نَهْدَيْها(114).
          قال أبو عبيد(115) : وليسَ هذا موضعَه.
          قلت: بل (116) هو موضعُه، وله وجهٌ ظاهر؛ فإنه كنايةٌ عن شبابها، وأنها في السنِّ المرغوب فيه من النساء.          
وقال / القاضي: القولُ الأول أرجحُ، لاسيما وقد روي: <مِنْ تَحْتِ ذِراعِها برُمانتين>.
          (فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ سَرَيًّا): بالسين المهملة، أي: من سَراةِ الناس وخيارِهم.
          (رَكِبَ شَرِيًّا): بالشين المعجمة؛ أي: فرسًا يستشري (117) في سيره؛ أي: يَلِجُّ ويمضي (118) بلا فُتور ولا انكسار.
          (وأَخَذَ خَطِّيًّا(119)): أي: رُمحًا منسوبًا إلى الخَطِّ، وهو موضعٌ بناحية البحرين.
          (وَأَرَاحَ(120)): أي: بعدَ الزوال.
          (عَلَيَّ نَعمًا): بفتح النون واحدُ الأنعام. قال الجوهري: وأكثرُ ما يقع هذا الاسم على الإبل، ويروى: بكسر النون جمع: نِعْمَة.
          (ثَرِيًّا): أي(121) : كثيرًا، والثروةُ: كثرةُ العدد.
          قال الزركشي: وحقُّه أن يقول: ثريَّةً، ولكن وجهه: أن كل ما ليس بحقيقي التأنيث لك فيه وجهان: في إظهار علامة التأنيث في الفعل واسم الفاعل والصفة، أو تركِها.
          قلت: هذا إنما هو بالنسبة إلى ظاهرٍ غيرِ حقيقي (122) التأنيث، وأما بالنسبة إلى ضميره، فالتأنيثُ قطعًا إلا في الضرورة مع التأويل (123)، وإلا فمثل قولك: الشمسُ (124) طلعَ أو طالعٌ، ممتنعٌ، وقد تكرر هذا الكلام منه، وتكرر (125) الردُّ عليه، ونزيد هنا أن نقول: على تقدير تسليم ما ذكره من الحكم، فلا يتمشى في هذا المحل، فقد قال الفراء: إن النَّعَمَ مذكر لا يؤنَّث (126)، تقول: هذا نَعَمٌ واردٌ، حكاه عنه الجوهري، ولم يَحك عن غيره خلافَهُ.
          (وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ): من كل شيءٍ يأتيه من أصناف الأموال الآتية وقت الرَّواح.
          (زَوْجًا): أي(127) : اثنين، ولم يقتصر على الواحد من ذلك (128)، بل ثَنَّاه (129) وضَعَّفه.
          (قَالَتْ: فَلَوْ جَمَعْتُ كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَانِيهِ مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ (130) أَبي زَرْعٍ): وصفت هذا الرجلَ بالسؤدد والثروة والفروسية والإحسان إليها،ثم إنه مع هذا كله لم يقع عندها موقعَ أبي زرع، وإن كثيرَهُ دونَ قليلِ (131) أبي زرع، فكيفَ بكثيره مع إساءة أبي زرع لها أخيرًا في تطليقها والاستبدال (132) بها؟
          ولكن حُبُّها له (133) بَغَّضَ إليها (134) الناسَ بعدَه، ولهذا كره أولو الرأي تزوُّجَ (135) امرأةٍ لها زوجٌ طلقها؛ مخافة أن تميل نفسُها إليه.
          (كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لأُمِّ زَرْعٍ(136)): تقدم أن كان لا تدل على (137) الانقطاع، ولا على الدوام، فليس في هذا الكلام ما يقتضي انقطاعَ هذه الصفة، فلا حاجةَ إلى دعوى (138) زيادة كان، وأن المعنى: أنا لك.
          قال ╕ ذلك تطييبًا لقلبِ عائشةَ، ومبالغةً في حُسن معاشرتها.
          وورد في حديث: ((غيرَ أنِّي لا أُطلِّقُك)) فاستثنى الحالةَ المكروهة، وهي ما وقعَ من تطليق أبي زرع(139).
          قال القاضي: وقد وردَ في رواية أبي معاوية الضرير ما يدل على أن الطلاق لم يكن (140) من قِبَلِ أبي زرع واختياره، فإنه قال: ((لم تَزَلْ بِهِ أُمُّ زَرْعٍ حَتَّى طَلَّقَهَا)).
          وفي رواية: ((قالت عائشة: بأبي أنت وأمي، بل أنتَ خيرٌ لي من أبي زرع))، وهو جواب مثلها في فضلها وعلمها؛ فإنه صلعم لما أخبرها بكمال (141) منزلتها عنده، أخبرته هي (142) بأنه عندها أفضلُ وأحبُّ.
          وفي «الإفهام»: قال الخطيب في «مبهماته»: لا أعلم أحدًا سَمَّى النسوةَ في حديث إلا من الطريق الذي أذكره، وهو غريبٌ جدًّا، ثم ساقه من حديث الزبير بن بكَّار، قال: حدَّثني (143) محمد بن الضحاك الحزامي، عن هشام، عن أبيه، وسمى الثانية: عَمْرَةَ بنتَ (144) عمروٍ، والثالثة: حُبَّى بنتَ كعبٍ.
          قلت: أخبرني شيخُنا قاضي القضاة شيخُ الإسلام جلالُ الدين البلقيني ذكره الله بالصالحات عند قراءتي عليه هذا المحل: أن ((حُبَّى)) هذه بالإمالة.
          قال: وسَمَّى الرابعة: مَهْدَدَ بنتَ أبي هزومة، والخامسةَ: كبشةَ، والسادسةَ: هندَ، والسابعة: حُبَّى (145) بنتَ علقمة، والثامنةَ: بنتَ أوس بن عبد (146)، والعاشرة: كبشة بنتَ الأرقم (147)، و (148) أُمُّ زرع بنتَ أُكَيهِل (149) بنِ ساعدةَ. ذكره النووي في «شرح مسلم»، و«المبهمات»، وسماها ابن دُريد: ((عاتِكة)) كما نقله القاضي عياض.


[1] ((الواو)): ليست في (ج) و(د).
[2] في (ق): ((منها)).
[3] في (ق): ((ثبت)).
[4] في (د) و(ج): ((الرواة)).
[5] في (ق): ((كالشيء في فلاة)).
[6] في (د): ((كلمة))، وفي (ق): ((محله)).
[7] في (ق): ((للجبل)).
[8] في (ق): ((مع لا)).
[9] في (ق) زيادة: ((الرفع ودخول لا على الصفة المفردة مع انتفاء التكرير في توجيه)).
[10] في (د): ((نحوه)).
[11] في (ق): ((وهي على)).
[12] في (د): ((يتكبر)).
[13] في (د): ((فسكنت))، وفي (ق): ((فتسكت)).
[14] في (ق): ((بفصله)).
[15] في (ج): ((الخير)).
[16] في (د): ((ذكرت)).
[17] في (ق): ((وأذن)).
[18] في (ج): ((وأودعه)).
[19] في (ق): ((بل تقول)).
[20] في (ق) زيادة: ((أي ولا برد)).
[21] ((أي ولا وخامة)): ليست في (د).
[22] في (ق): ((إليه)).
[23] في (ق) و(د): ((ي الأجر)).
[24] في (ق): ((والجر)).
[25] في (ق): ((ووصفته)).
[26] في (م): ((ولاها)).
[27] في (د) و(ق): ((وكأنه)).
[28] في (ق): ((وكذلك)).
[29] في (ق): ((يسأل)).
[30] ((ما)): ليست في (ق).
[31] في (د): ((صفوفه)).
[32] في (ق) زيادة: ((جميع)).
[33] من قوله: ((لا يسئر... إلى... قوله: في الإناء)): ليس في (ق).
[34] في (ق): ((مذموم)).
[35] في (د): ((مع كثرة شهوة)).
[36] في (ق): ((استكثر)).
[37] في (ج) و(د): ((يمدحون)).
[38] ((مالي)): ليست في (ق).
[39] في (ق): ((أي ينقصه من محبته لهن)).
[40] في (ج): ((فقال)).
[41] في (ق): ((دواء)).
[42] ((كل)): ليست في (ج) و(د).
[43] ((في)): ليست في (ج) و(د).
[44] في (ج) و(د) و(ق): ((والفك)).
[45] في (ق): ((في الأرض)).
[46] في (ق): ((الاسمين)).
[47] ((هو)): ليست في (ق).
[48] ((والريح ريح زرنب)): ليست في (د).
[49] ((البعيدة)): ليست في (ج).
[50] في (ج): ((الكنايات))، وفي (ق): ((أن لا يقال)).
[51] في (ق): ((احتراق)).
[52] في (ق): ((الطبخ منها)).
[53] في (ق): ((الأكل منها)).
[54] في (ج): ((ظهرانيهم)).
[55] ((باركة)): ليست في (ق).
[56] في (ج) و(د): ((المرعى)).
[57] ((الواو)): ليست في (د) و(ج).
[58] ((بهم)): ليست في (ق).
[59] في (ق): ((ما أيقن أيتهن هو آكد)).
[60] كذا في الأصول وصوابه: ((عشرة)).
[61] في (ق): ((الخيل والإبل)).
[62] في (ق) زيادة: ((هو)).
[63] في (ق): ((صفة)).
[64] في (ج): ((ينقيه))، وفي (ق): ((ينقه)).
[65] في (ق): ((عبيدة)).
[66] في (ق): ((الرواية وهي)).
[67] في (ق): ((قولي)).
[68] في (ق): ((مكانها)).
[69] في (ج) و(د): ((وهو)).
[70] ((من التقنح)): ليست في (ق).
[71] في (ق): ((شرب)).
[72] في (ق): ((إن)).
[73] في (م): ((خبراً))، وفي (ق): ((خبر)) مكررة.
[74] في (د): ((علم)).
[75] في (ق): ((البعيدة)).
[76] في (ق): ((لمعكوم)).
[77] في (ج) و(د): ((التشبيه))، وفي (ق): ((التشبه)).
[78] في (ق): ((لشبهها)).
[79] في (ج) و(ق): ((وبينها)).
[80] في (ج) و(د) و(م): ((لنجابته)).
[81] في (ق): ((وهو)).
[82] في (ق): ((ينظف))، وفي (ج): ((يشق)).
[83] في (ق): ((يفسخ منه الحصى)).
[84] في (ق): ((أو)).
[85] في (ج) و(د): ((مسلول)).
[86] ((مما)): ليست في (ق).
[87] في (د): ((النعم)).
[88] في (ق) زيادة: ((بنت أبي زرع فما بنت أبي زرع)).
[89] في (ج) و(د) و(ق): ((أي)).
[90] ((أن)): ليست في (ق).
[91] في (ج) و(د): ((و)).
[92] في (د): ((مشتبه))، وفي ((م)): ((مشبه)).
[93] من قوله: ((من فعل... إلى... قوله: متعد)): ليس في (ج).
[94] في (ج) و(د) و(ق): ((والثاء)).
[95] ((فقاف مشددة)): ليست في (د).
[96] في (د): ((طعامها)).
[97] ((والشين المعجمة)): ليست في (ج) و(د).
[98] في (د): ((يشاكلها))، وفي (ق): ((ما تشاكلها)).
[99] في (ق): ((قالت خرج)).
[100] في (ق): ((أرقاق)).
[101] في (ج) و(د) و(ق): ((فليس)).
[102] في (د): ((ناذر)).
[103] ((لها)): ليست في (ج) و(د) و(م).
[104] في (ق) زيادة: ((فلقي امرأة معها ولدان لها كالفهدين يلعبان من تحت خصرها)).
[105] في (م): ((لتزويج)).
[106] في (ق): ((وتستعمده)).
[107] في (د): ((المنجيات))، وفي (ق): ((النجيبات)).
[108] ((قيل)): ليست في (ق).
[109] في (ق): ((ينكر)).
[110] في (د) و(ج): ((أنها أحوالها)).
[111] ((بكراً)): ليست في (د).
[112] في (م) و(د): ((ناء)).
[113] ((تحتها)): ليست في (ج).
[114] في (ق): ((ثدييها)).
[115] في (ق): ((عبيدة)).
[116] في (ج) و(د): ((بلى)).
[117] في (د): ((يستسري)).
[118] ((ويمضي)): ليست في (ج) و(د).
[119] في (ق) زيادة: ((بفتح الخاء المعجمة)).
[120] في (د): ((وأناح)).
[121] في (ق): ((أو)).
[122] في (ج) و(د) و(م): ((الحقيقي)).
[123] في (ق): ((تأول)).
[124] ((الشمس)): ليست في (ق).
[125] في (ج) و(د): ((وتكرير)).
[126] في (د) و(ق): ((مؤنث)).
[127] في (ق): ((إلى)).
[128] ((من ذلك)): ليست في (ق).
[129] في (د): ((بناه)).
[130] ((آنية)): ليست في (ق).
[131] في (ق): ((قليله)).
[132] في (د) و(ق): ((والاستدلال)).
[133] ((ولكن حبها له)): ليست في (ق)، جاء مكانها: ((لزوجها)).
[134] ((إليها)): ليست في (د).
[135] في (ق): ((بعده ولها بكره للرجل أن يتزوج)).
[136] ((لأم زرع)): ليست في (ج) و(د) و(ق).
[137] ((على)): ليست في (ق).
[138] ((دعوى)): ليست في (ج).
[139] في (ق) زيادة: ((لها)).
[140] ((لم يكن)): ليس في (م) و(د) و(ج).
[141] في (ق): ((بحال)).
[142] ((هي)): ليست في (ق).
[143] في (ق): ((حدثنا)).
[144] ((عمرة بنت)): ليست في (ق).
[145] ((حبى)): ليست في (ق).
[146] في (ق): ((والتاسعة ابنة...)).
[147] في (ق): ((والعاشرة رقم والحادية عشر)).
[148] ((الواو)): ليست في (ق).
[149] في (د) و(ق): ((أكهل)).