مصابيح الجامع

كتاب الجنائز

          ░░23▒▒ (كِتَابُ الجَنَائِزِ) جمع جنازة، وسيأتي ضبطها.
          ░1▒ (بَابُ مَنْ كَانَ آخِرُ (1) كَلَامِهِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) آخر _بالنصب_ على أنَّه خبر ((كان)) قُدِّم على اسمها، وهو ((لا إله إِلَّا الله)) (2)، وساغ كونها مُسْنَدًا إليها مع أنها جملة؛ لأن المراد بها لفظها، فهي في حكم المفرد، ويجوز أن يُعكس هذا الإعراب.
          (أَلَيْسَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ؟) بنصب ((مفتاح)) ورفعه على أنه خبر ((ليس))، أو اسمها (3)؛ كما سبق.
          (فَإِنْ جِئْتَ بِمِفْتَاحٍ لَهُ أَسْنَانٌ، فُتِحَ لَكَ) يريد بالأسنان: الأعمال المنجية المنضمَّة (4) إلى كلمة التوحيد.
          وقال الزركشيُّ: أراد (5) بها: القواعد التي بني الإسلام عليها.
          قلت: من جملة القواعد كلمة الشهادة التي عبَّر عنها (6) بالمفتاح، فكيف يُجعل بعد ذلك من الأسنان؟ فالظاهرُ ما تقدَّم.
          ويحتمل أن يكون من قبيل المشاكلة، وإطباق الجواب على السؤال، قال الزمخشريُّ: وهو فنٌّ من كلامهم بديع، وطرازٌ عجيبٌ؛ مثل قول أبي تمَّام:
مَنْ مُبْلِغٌ أَفْنَاءَ يَعْرُبَ كُلَّهَا                     أَنِّي بَنَيْتُ الجَارَ قَبْلَ المَنْزِلِ
          وشهد رجلٌ عند شريح، فقال: إنك لسبطُ الشهادة، فقال الرَّجل: إنها لم تجعَّدْ (7) عنِّي، فقال: لله بلادُك (8)، وقبِلَ شهادته.
          فالذي سوَّغَ (9) بناءَ الجار، وتجعيدَ (10) الشَّهادة هو مراعاةُ المشاكلة، ولولا بناءُ الدَّار، لم يصحَّ بناء الجار، و [لولا] سبوطةُ الشهادة لامتنع تجعيدها (11). انتهى.
          كذلك هنا عبَّر عن الأعمال المنجية بالأسنان لما (12) عبَّر عن كلمة التوحيد بالمفتاح.
          ومعنى ((إنك لسَبْطُ الشهادة)) أي: ترسلُها من غير تأمُّل وتدبُّر، بمنزلة الشَّعرِ المسترسِل (13)، فقال: إنها لم تجعَّدْ عني؛ أي: لم تُمنع ولم تُقبض، بل أنا واثقٌ بها، عالمٌ بكيفية الحال، وهذا النوع (14) من المشاكلة أبدعُ وأعجبُ؛ إذ ليس تعبيرًا (15) عن الشيء بلفظ غيره، لوقوعه في صحبة ذلك الغير (16)، بل في صحبة ضدِّه.
          وظاهرُ (17) كلامهم: أن مجرَّدَ وقوعِ مدلولِ هذا اللفظ في مقابلة ذلك جهةُ (18) التجوز والجواز على ما قال الزمخشري: فالذي سوَّغ بناء الجار... إلى آخره.
          ولا خفاء في أنه يمكن في بعض صور المشاكلة استعارة (19) بأن يُشبه انقباضُ الشَّهادة عن الحفظ وتأَبيها عن المذاكرة (20) بتجعُّد الشَّعر.
          وكذا يمكنُ الاستعارةُ في قول وهب بن مُنبه: بأن يشبه (21) الأعمالَ المنجيةَ بأسنان المفتاح / من حيثُ الاستعانة بها في فتحِ المغلقات وتيسير المستَصعَبات، لكن الكلام في مطلق المشاكلة؛ كقوله:
قَالُوا اقْتَرِحْ (22) شَيْئًا نُجِدْ لَكَ طَبْخَهُ                     قُلْتُ اطْبُخُوا لِي (23) جُبَّةً وَقَمِيصًا
          وسمعت عن بعض العصريين أنه قال: لا تكون المشاكلة إلَّا حيث يكونُ اللَّفظ الَّذي وقع لفظُ المشاكلة (24) في صحبته (25) مستعملًا في حقيقته، ولا يُتصور حيث يكون اللفظان مجازَيْنِ البتة اغترارًا بالأمثلة المتداولة، وما سُقناه في قول شريح ممَّا يدفعُ في صدر دعواه، فتأمَّله.


[1] ((آخر)): ليست في (ق).
[2] قوله: ((آخر بالنصب على أنه خبر كان قُدِّم على اسمها، وهو لا إله إِلَّا الله)): ليس في (ق).
[3] ((أو اسمها)): ليست في (د).
[4] في (ج): ((المتضمنة)).
[5] في (ق): ((إذا أراد)).
[6] في (ق): ((عليها)) وفي (ج) زيادة: ((يعني)).
[7] في (ج): ((تجعل)).
[8] في (ج): ((ذرك)).
[9] في (ج): ((يسوغ)).
[10] في (ق): ((وتجعيل)).
[11] وفي (ق): ((لامتنع تحصيلها)).
[12] في (د): ((كما)).
[13] في (ق): ((المرسل)).
[14] في (ج): ((نوع)).
[15] في (م) و(ج) و(د): ((تعبير)).
[16] في (ق): ((الشيء)).
[17] في (ج): ((فظاهر)).
[18] في (ج) و(د): ((في جهة مقابلة ذلك)).
[19] في (ج): ((أي اسعارته)).
[20] في (ق): ((على ذاكرة))، وفي (ج) و(د): ((الذاكرة بتجعيد)).
[21] في (ج): ((تشبيه)).
[22] في (ج) زيادة: ((لنا)).
[23] ((لي)): ليست في (ج).
[24] ((إلَّا حيث يكونُ اللَّفظ الَّذي وقع لفظُ المشاكلة)): ليس في (ج) و(د).
[25] في (ق): ((صحته)).