المنظر الصبيح في ختم الصحيح

قصص في فضل الصلاة على النبي

          قِصَصٌ في فَضلِ الصَّلاةِ علَى النَّبِيِّ صلعم
          1 - وحُكِيَ: أَنَّ أَبا العبَّاس؛ أَحمدَ بنَ مَنصُورٍ: لمَّا مَاتَ رَآهُ رَجُلٌ مِنْ أهلِ شِيْرَازٍ وهُو وَاقِفٌ بِجَامِعِها في المِحْرابِ وعلَيهِ حُلَّةٌ، وعلَى رأسِهِ تَاجٌ مُكَلَّلٌ بالجواهِرِ، فقالَ: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ قال: غَفَرَ لي وكَرَّمَنِي وتَوَّجَني وأَدْخَلَنِي الجَنَّةَ. فقال له: بِمَاذا؟ قال: بِكَثْرَةِ صَلَاتِي علَى رسُولِ اللهِ صلعم. رواها النهري، وكذا ابن بَشْكُوَالٍ في «القُرْبَةِ» وغيرُهما.
          2 - وعن عبد الله بن عبد الحَكَم: أَنَّه رأَى الإِمامَ الأَعظَمَ الشَّافِعِيَّ ☺ في النومِ، قالَ: فَقُلْتُ له: مَا فَعَلَ اللهُ بِكَ؟ قال: رَحِمَنِي وغَفَرَ لي، وزُفِفْتُ إِلَى الجَنَّةِ كَمَا تُزَفُّ العَرُوسُ، ونُثِرَ علَيَّ كَمَا يُنْثَرُ علَى العَرُوسِ! فقلتُ لَهُ: بِمَا بَلَغْتَ هذهِ الحَالَةَ؟ فقالَ ليَ قائلٌ: يَقُولُ لكَ: بِمَا في كِتَابِ «الرِّسَالةِ» مِنَ الصَّلاةِ علَى محمَّدٍ صلعم. قلتُ: وكيفَ ذلكَ؟ قال: [بقولي]: وصلَّى اللهُ على محمدٍ عدَدَ ما ذَكَرَهُ الذَّاكِرُونَ، وعَدَدَ ما غَفِلَ عن ذِكْرِهِ الغَافِلُونَ. قال: فلمَّا أَصبَحْتُ نَظَرتُ في «الرِّسَالَةِ» فَوَجَدْتُ الأَمرَ كَمَا رَأَيْتُ. رواها النَّهرِيُّ وابن بَشْكُوال وابن عَدِيٍّ من طريق الطَّحاوِيِّ عنه.
          3 - وعن رَجُلٍ من الصُّوفِيَّةِ قال: رَأَيتُ المُلَقَّبَ بالمسطح بعد وفاته _وكان ماجِناً في حياته، الماجن: مَن لا يُبالي قَولاً وفِعلاً_ فقلتُ: ما فَعَلَ اللهُ بكَ؟ قال: غفَرَ لي. فقلتُ: بأيِّ شيءٍ؟ قال: استَمْلَيتُ علَى بعضِ المحُدِّثِينَ حَدِيثاً مُسنَداً؛ فصَلَّى الشيخُ علَى النَّبِيِّ صلعم فصَلَّيتُ أَنَا معه، ورَفعتُ صَوتِي بالصَّلاةِ على النَّبِيِّ صلعم فسمعَ أهلُ المجلِسِ؛ فصلُّوا عليه، فَغُفِرَ لنا في ذلك اليومِ كُلِّنا. أخرجها ابن بَشْكُوال.
          4 - ورأى بعضُ النَّاس أبا حَفصٍ الكَاغِدِي بعدَ وَفاتِهِ في المَنَامِ _وكانَ سَيِّداً كبيراً_ فقالَ: ما فَعَلَ اللهُ بكَ؟ قال: رَحِمَنِي وغَفَرَ لي وأَدْخَلَنِي الجنَّةَ. فقيل له: بماذا؟ قال: لَمَّا وَقَفتُ بينَ يَدَيهِ أَمَرَ المَلَائِكَةَ فَحَسَبُوا ذُنُوبِي وحَسَبوا صَلَاتِي علَى المُصْطَفَى صلعم فَوَجَدُوهَا أَكْثَرَ. فقال لهم المَوْلَى جَلَّتْ قُدْرَتِهِ: / حَسْبُكُم يا مَلَائِكَتِي؛ لا تُحَاسِبُوهُ، واذْهَبُوا به إِلَى جَنَّتِي. أخرجها ابن بَشْكُوالٍ أيضاً.
          5 - ورأى بعضُ الصَّالِحِينَ صُورةً قَبِيحةً في المَنَامِ، فقال لها: مَن أَنتِ؟ قالتْ: أنا عَمَلُكَ القبيحُ! قال لها: فَبِمَ النَّجَاةُ منكِ؟ قالتْ: بِكَثْرَةِ الصَّلاةِ على المُصطَفَى صلعم.ذكرها السَّخَاوي.
          6 - وعن الشِّبْلِي ☼ قال: مَاتَ رَجُلٌ من جِيرَاني، فرَأَيْتُهُ في المَنَامِ، فَقُلتُ: ما فَعَلَ اللهُ بكَ؟ فقالَ: يا شِبْلِي قَرُبَ بيَ أَهوالٌ عظيمةٌ، وذلك أنَّهُ أُرتُجَ عليَّ عندَ السُّؤالِ، فقلتُ في نَفسِي: مِن أَينَ أَتَى عَمَلِي؟ أَلَمْ أَمُتْ علَى الإِسلامِ؟ فنُودِيتُ: هذه عُقُوبةُ إِهمالِكَ لِلِسانكَ في الدُّنيا ! فلمَّا همَّ بيَ المَلَكانِ حالَ بَينِي وبَينَهم رَجُلٌ جَمِيلُ الشخص؛ طَيِّبُ الرَّائحةِ، فذكَّرَني حُجَّتي، فذَكَرْتُها، فقلتُ: مَن أَنتَ يرحَمُكَ اللهٌ؟ قال: أنا شَخصٌ خُلِقْتُ لِكَثرةِ صَلاتِكِ على النَّبِيِّ صلعم وأُمِرتُ أَن أَنصُرَكَ في كُلِّ كَرْبٍ. ذكره ابن بَشْكُوال.
          7 - وعن محمد بن أبي سُلَيمان أو عُمَر بن أبي سُلَيمان _والأول أكثر_ قال: رَأيتُ أَبِي في النَّومِ، فقلتُ: يا أَبَتِي ما فَعَلَ اللهُ بكَ؟ قال: غَفَرَ اللهُ لي. قلتُ: بِمَاذا؟قال: بِكِتَابَتِي الصَّلاةَ علَى النَّبِيِّ صلعم في كُلِّ حَديثٍ. أخرجها الخطيب، ومن طريقه ابن بَشْكُوالٍ.
          8 - وعن الشَّيخِ عَلِيٍّ بنِ عبد الكريم الدِّمَشْقِيِّ قال: رَأَيتُ في المنَام محمَّدَ بن الإمام زَكِيِّ الدِّين المُنذِرِيِّ بعد موتهِ، عندَ وُصُولِ المَلِك الصَّالحِ وتَزيِينِ المدينةِ له، فقال: فَرِحتُم بالسُّلطانِ؟ قلتُ: نَعَم؛ فَرِحَ النَّاسُ بهِ. فقالَ: أَمَّا نحنُ فَدَخَلْنا الجَنَّةَ وقَبَّلْنَا يَدَهُ_يعني: النَّبِيّ صلعم_ وقال: أَبْشِرُوا كُلَّ مَن كَتَبَ بِيَدِهِ: قال رسولُ اللهِ صلعم. فهُوَ مَعِي في الجَنَّةِ. رواها السَّخَاوِيُّ بسَندِهِ عن الشَّيخِ عليٍّ المذكورِ، وقال: إنَّهُ صَحيحٌ.
          9 - وفي الخبر: أنَّ للهَ ╡ مَلائِكةً؛ إذا صلَّى أحَدٌ من أمَّة محمدٍ صلعم [عليه] تَنقُلُ تلكَ الصَّلاةَ إلى النَّبِيِّ صلعم، فتقولُ: يا محمدُ إنَّ فُلاناً ابنَ فلانٍ صلَّى عليكَ السَّاعَةَ كذا وكذا مرَّةً. فيَرُدُّ عليه. وأما ليلتها ويومها، فيتجلَّى اللهُ جلَّ جَلالُهُ عليه باسمِهِ السَّمِيعِ، فيسمعُ بأذُنَيهِ صلاةَ مَن صلَّى عليه. رواها السَّخَاوِيُّ.
          10 - وقال ╕: «من صلَّ علَيَّ فقد سَعِدَ، ومَن لم يُصلِّ عليَّ فقد شَقِيَ».
          11 - وقال صلعم: «مَعرِفَتِي في أُمَّتي بقَدْرِ صَلاتِهم عليَّ». صلعم وشرَّف وكرَّم.
          12 - وحَكَى الشيخُ أبو حَفص عُمَر بن الحَسَن السَّمَرْقَندِي _فيما رَوى عن بعضِ أُستاذِيهِ عن أبيه_ قال: سمعتُ رَجُلاٌ في الحَرَمِ وهو كَثيرُ الصَّلاةِ علَى النَّبِيِّ صلعم حيثُ كانَ مِنَ الحَرَمِ والبَيتِ وعَرَفَةَ ومِنَى، فقلتُ له: أَيُّها الرَّجُلُ إِنَّ لِكلِّ مَقامٍ مَقَالاً، فَما بَالُكَ لا تَشتَغِلْ بالدُّعاءِ ولا بِالتَّطَوُّعِ بالصَّلاةِ سِوَى أنَّكَ تُصَلِّي علَى النَّبِيِّ صلعم؟. /
          فقال: إِنِّي خَرَجْتُ مِن خُراسَانَ حَاجَّاً إِلَى هذا البَيتِ، وكانَ وَالِدِي مَعِي، فَلَمَّا بَلَغتُ الكُوفَةَ اعْتَلَّ وَالِدِي، وقَوِيَتْ بِهِ العِلَّةُ، فَمَاتَ، فلمَّا ماتَ غَطَّيْتُ وَجْهَهَ بِإِزارٍ، ثمَّ غُبْتُ عنه، وجِئتُ إِلَيهِ، فكَشَفْتُ وَجهَهُ لِأَرَاهُ، فإِذَا صُورَتُهُ كَصُورَةِ الحِمَارِ           فَحِينَ رَأَيتُ ذلكَ عَظُمَ عِندِي، وتَشَوَّشْتُ بِسَبَبِهِ، وحَزِنتُ حُزناً شَدِيداً، وقُلتُ في نَفْسِي: كيفَ أُظهِرُ للنَّاسِ هذا الحَالَ الَّذي صَارَ وَالِدِي فيه؟ وقَعَدتُ عندَهُ مَهمُوماً، فأَخَذَتْنِي سِنَةٌ منَ النَّومِ، فنِمْتُ، فبَيْنَما أنا نائِمٌ إَذْ رَأَيتُ في مَنامِي كأنَّ رَجُلاً دَخَلَ عَلَينا، وجاءَ إِلَى عِندِ وَالدِي، وكَشَفَ عن وَجهِهِ، فنَظَرَ إليه، ثُمَّ غَطَّاهُ، ثمَّ قالَ لي: ما هذا الغَمُّ العَظيمُ الَّذي أَنتَ فيهِ؟ فقُلتُ: وكَيفَ لا أَغْتَمُّ وقد صَارَ وَالدِي بِهِذِهِ المِحْنَةِ؟ فقال: أَبْشِرْ؛ إنَّ اللهَ ╡ قد أَزالَ عن وَالِدِكَ هذه المِحنَةَ. قال: ثُمَّ كَشَفتُ الغِطَاءَ عن وَجهِهِ، فإِذا هو كَالقَمَرِ الطَّالِعِ. َفقلتُ لِلرَّجُل: بِاللهِ مَن أنتَ؟ فقد كان قُدُومُكَ مُبَارَكاً؟ فقال: أَنا المُصطَفَىَ. فلمَّا قال ذلك فَرِحتُ فَرَحاً عظيماً، وأخذتُ بِطَرَفِ رِدَائِهِ؛ فَلَفَفْتُه علَى يَدِي، وقلتُ: بِحَقِّ اللهِ _يا سَيِّدِي يا رَسولَ اللهِ_ إِلَّا أَخبَرْتَني بالقِصَّةِ؟ فقال: إنَّ والِدَك أكلَ الرِّبا، وإنَّ مِن حُكْمِ اللهِ ╡أنَّ مَن أَكَلَ الرِّبا أنْ يُحَوِّلَ اللهُ صُورتَهُ عندَ المَوتِ كَصُورَةِ حِمَارٍ؛ إِمَّا في الدُّنيا وإِمَّا في الآخرةِ           ولكنْ كانَ مِن عادَةِ وَالِدِكَ أنْ يُصلَّي عليَّ في كُلِّ لَيلَةٍ قَبلَ أنْ يَضْطَجِعَ علَى فِرَاشِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ، فلمَّا عَرَضَتْ له هذه المِحْنَةُ مِن أَكْلِ الرِّبَا جاءَني المَلَكُ الَّذي يَعرِضُ عليَّ أعمالَ أُمَّتي، فأَخبَرَنِي بِحَالةِ وَالدِك، فسألتُ اللهَ، فشَفَّعَنِي فيهِ.
          قال: فاستَيقَظْتُ فَكَشَفْتُ عن وَجهِ والدِي، فإِذا هو كَالقَمَرِ لَيلَةَ بَدرِهِ، فحَمَدْتُ اللهَ، وشَكرْتُهُ، وجهَّزْتُهُ ودَفَنْتُهُ، وجَلَستُ عندَ قَبرِهِ ساعةٍ، فبَينَما أنا بينَ النَّائِمِ واليَقْظَانِ إِذا أَنَا بِهَاتِفٍ يَقُول لي: أَتَعرِفُ هذهِ العِنَايَةَ الَّتي حَفَّتْ والدِكَ؟ قلتُ: لا.
          قال: / كانَ سبَبُها الصَّلاةَ والسَّلامَ علَى رَسولِ اللهِ صلعم.
          فَآلَيْتُ علَى نَفْسِي أَنَّنِي لا أَترُكُ الصَّلاةَ والسَّلامَ علَى رَسولِ اللهِ صلعم علَى أَيِّ حَالٍ كنتُ، وفي أّيِّ مَكانٍ كُنتُ. رواها السَّخَاوِيُّ.
          13 - ورُوِيَ: أَنَّ امرَأَةً جاءَتْ إلى الحَسَن البِصْرِي، فقالتْ له: يا شيخُ؛ تُوُفِّيَتْ لِيَ بِنتٌ، وأُريدُ أنْ أَراها في المَنَام؟ فقال لها الحَسَنُ: صَلِّي أربعَ رَكَعَاتٍ، واقْرَئي في كُلِّ رَكعَةٍ فاتحة الكتاب مَرَّةً و{ألهاكم التكاثر} [التكاثر:1] مَرَّةً، وذلك بعدَ صَلاةِ العِشاءِ الآخِرَةِ، ثمَّ اضْطَجِعِي، وصلِّي علَى النَّبِيِّ صلعم حتَّى تَنَامِي. فَفَعَلْتُ ذلكَ، فَرَأَيتُها في المَنامِ وهِيَ في العُقُوبَةِ والعَذابِ وعلَيها لِباسُ القَطِرَانِ، ويَدَاها مَغْلُولَتَانِ، ورِجْلَاها مُسَلْسَلَتَانِ بِسَلاسِلَ مِن نارٍ! فلمَّا انتَبَهَتْ جاءتْ إلى الحَسَنِ فَأَخبرَتْهُ بالقِصَّةِ. فقال لها: تَصَدَّقِي بِصَدَقَةٍ؛ لَعَلَّ اللهَ يعفُو عنها.
          ونامَ الحَسَنُ تلكَ اللَّيلَةِ فرَأَى كأَنَّهُ في رَوضَةٍ مِن رِيَاضِ الجَنَّةِ، ورَأَى سَرِيراً مَنْصُوباً وعليه جَارِيَةٌ حَسْناءُ جميلةٌ، وعلَى رأسِها تاجٌ منَ النُّورِ. فقالتْ: يا حَسَنُ أَتَعرِفُنِي؟ فقال: لا. فقالتْ: أنا ابنَةُ تِلكَ المَرأةِ التي أَمَرْتَها بِالصَّلاةِ علَى النَّبِيِّ محمَّدٍ صلعم. فقالَ لَهَا الحَسَنُ: إِنَّ أُمَّكِ وَصَفَتْ لِيَ حَالَكِ بغيرِ هذه الرُّؤْيَةِ؟! فقالتْ له: هو كَمَا قالتْ!. قال: فَبِمَاذا بَلَغْتِ هذهِ المَنزِلَةَ؟ فقالتْ: كُنَّا سَبعينَ أَلفَ نَفْسٍ في العُقُوبةِ والعَذابِ _كما وَصَفَتْ لكَ وَالِدَتي_ فَعَبَرَ رَجُلٌ مِنَ الصَّالِحِين على قُبُورِنا، وصلَّى علَى النَّبِيِّ صلعم مَرَّةً، وجَعَلَ ثَوابَها لنا [فـ]قَبِلَها اللهُ ╡ وأَعتَقَنا كُلَّنا مِنْ تلكَ العُقُوبةِ وذلك العذابِ بِبَرَكَةِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ، وبَلَغَ نَصِيْبِي ما قد رَأَيْتَهُ وشاهَدْتَهُ. ذكرَها القُرطُبِيُّ في «التَّذْكِرَة» بغير هذا اللَّفظ.
          14 - وعن ابن خطيب يبْرُود: أَنَّ رَجُلاً صالحِاً أَخبرَهُ: أنَّ كَثرَةَ الصَّلاةِ علَى النَّبِيِّ صلعم تَدْفَعُ الطَّاعُونَ. نقله ابن أبي حَجَلَةَ عن ابن خَطيبِ يَبْرُود.
هَذا النَّبِيُّ مُحَمَّدٌ شَرَّفَ الوَرَى                     يا فَوزَ مَنْ صَلّوا عليه وسلَّموا
صَلَّى عليهِ اللهُ جَلَّ جَلالُهُ                     ما رَاحَ حادٍ باسمِهِ يَتَرَنَّمُ
          فَنَحْمَدُ اللهَ تَعَالَى أَنْ / جَعَلَنَا مِن أُمَّتِهِ، ونَشكُرُهُ علَى التَّوفِيقِ لِلْتَّمَسُّكِ بِسُنَّتِهِ، ونَشهَدُ أنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؛ العَلِيُّ الكبيرُ؛ الذي:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]؛ الواحِدُ الأَحَدُ؛ الفَرْدُ الصَّمَدُ؛ القَديمُ بِلَا مُدَّةِ أَمَدٍ مَحدُودٍ، الدَّائِمُ لا إِلى أجَلٍ مَعدُودٍ، تَعالَى أَن يُمَثِّلَهُ خُلْدٌ، وجَلَّ أَنْ يَكُونَ له صاحِبةٌ أو وَلَدٌ، مُكَوِّنُ الأَكوانِ، المُسْتَغنِي بالقُدْرَةِ عن الأَعْوَانِ، مُلهِمُ الصَّوابِ، ومُجْزِلُ الثَّوابِ، أَكرمُ مَسئُولٍ، وأَعظَمُ مَأْمُولٍ، إِلَهٌ صُنْعُهُ لَطيفٌ، وفَضلُهُ بِنَا مُطِيفٌ، سَميعٌ لِرَاجِيْهِ، قَرِيبٌ مِمَّنْ يُنَاجِيهِ، عالِمٌ بما تَجُنُّهُ الضَّمائِرُ، وتُكِنُّهُ السَّرائِرُ، فعَّالٌ لِمَا يُريدُ، وإِنْ رَغِمَ الشَّيطانُ المَرِيدُ، عَمَّ الخَلقَ بِنِعمَتِهِ، وخَصَّ المؤمنينَ برَحمَتِهِ، ودَلَّ علَى نَفْسِهِ بما خَلَقَ، ومَنَّ علَى خَلقِهِ بما رَزَقَ، ونَشهَدُ أنَّ سَيِّدَنَا مُحمَّداً عبدُهُ ورسُولُهُ، وحبيبُهُ وخَلِيلُهُ، أَشرَفُ الخلائِقِ علَى الإِطلاقِ، المَبعُوثُ بتَتْمِيمِ مَكَارِمِ الأَخلاقِ، وتَجدِيدِ مَلابِسِها بعدَ الإِخْلاقِ، الَّذي عَمَّتِ الخَلقَ فَضَائِلُهُ، وارْتَجَّتْ لَيلَةَ وِلادَتِهِ أَعالي الإِيْوانِ وأَسافِلُهُ، الهادِي مِنَ الضَّلالةِ، المُنقِذُ مِنَ الجَهَالَةِ، الصَّادِعُ بالدَّلالَةِ، إِمامُ المُتَّقينَ، وعِصْمَةُ أَهلِ اليَقِينِ، الظَّاهرُ حُجَجُهُ، الذَّاخِرَةُ بالعُلُومِ لُجَجُهُ، الهادي إلى الرَّشَادِ، المُرْسَلُ رَحمةً لِلْعِبَادِ، القَامِعُ لِأَهلِ الزَّيْغِ والعَنَادِ، المُقِيمُ لِمَنَارِ الإِسلامِ، والدَّاعِي بِإِذْنِ رَبِّهِ إلَى دارِ السَّلَامِ، الكَريمُ الأَواصِرِ، المُنتَخَبُ مِن أَشرَفِ العَناصِرِ، السَّاطِعُ صَبَاحُهُ، المُتَوَقِّدُ مِصْبَاحُهُ، الْهَابَّةُ بالنَّصرِ رِيَاحُهُ، صلعم وشرَّفَ وعَظَّمَ وكرَّمَ.
          ورَضِيَ اللهُ تَعَالَى عن شَيخِ المُهاجِرِينَ والأَنصارِ؛ الصَّابِرِ علَى البَلْوَى والآصارِ؛ شَيخِ التَّحقيقِ؛ وإِمامِ أهلِ التَّصديقِ؛ الصَّاحِبِ؛ الصَّدِّيقِ؛ الرَّفيقِ الشَّفيقِ؛ الثَّابِتَةِ خِلافَتُهُ بالإِجماعِ الحَقِيقِ؛ أميرِ المُؤْمِنينَ؛ أَبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ.
          وعن ثانِيْهِ بالفَضلِ؛ / و تابِعِهِ في العَدلِ؛ المِصباحِ الأَزهَرِ؛ مُبَدِّدِ كِسْرَى وقَيْصَرَ؛ قُطْبِ الأَقطَابِ؛ الزَّاهِدِ التَّوَّابِ؛ النَّاطِقِ بما وافَقَ الكِتَابَ؛ أميرِ المُؤمِنينَ؛ أبي حَفصٍ؛ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ.
          وعن مَعدِنِ الوَقَارِ؛ وقُدوَةِ المُهاجِرينَ والأَنصارِ؛ مُشَتِّتِ الفُرسانِ؛ ومُضَعْضِعِ الطُّغْيانِ؛ مُغيثِ المَظلومِ واللَّهْفانِ؛ المُرَاقِبِ لِلْواحِدِ المَنَّانِ؛ أميرِ المُؤمِنينَ؛ أبي عَمْرٍو؛ عُثمانَ بنِ عَفَّانٍ.
          وعن خُلاصَةِ الأَبرارِ؛ ودَافِعِ الكُفَّارِ؛ الطَّيِّبَ المَنَاقِبِ؛ الظَّافِرِ الغَالِبِ؛ النَّاجِحِ المَسَاعِي والمَطَالِبِ؛ فارِسِ المَشَارِقِ والمَغَارِبِ؛ أميرِ المُؤمِنينَ؛ أَبي الحَسَنِ؛ عَلِيٍّ بنِ أبي طَالِبٍ.
          وعن بَقيَّةِ الصَّحَابَةِ أَجمعينَ، والتَّابِعينَ لهم بإِحسانٍ إلى يَومِ الدِّينِ.
          وعن الأَئِمَّةِ الَّذينَ أَقامُوا قَواعِدَ الإِيمانِ، ودَعَوُا العِبَادَ إِلى عِبَادَةِ المَلِكِ الدَّيَّانِ، ومَلَؤُوا بعلُومِهِمُ الآفاقَ والبُلدانَ، إِمامِنا؛ الإِمامِ الأَعظَمِ؛ العالِمِ؛ العامِلِ؛ المُقَدَّمِ؛ ذِي الصِّفَاتِ الفَاخِرَةِ، والعُلومِ الزَّاخِرةِ؛ الرَّفيعِ القَدْرِ والشَّأْنِ؛ المُتَّصِلِ نَسَبُهُ بالشَّرَفِ إلى عُدْنانَ؛ حَبْرُ الأُمَّةِ؛ سُلطانِ الأَئِمَّةِ؛ الفَائِقِ زُهداً وعِلماً وحِلْماً؛ عالِمِ قُرَيشٍ؛ الَّذي مَلَأَ الأرضَ عِلْماً؛ الآخِذِ بِرِأْيِهِ النَّوَوِيُّ والرَّافِعِيُّ؛ الإِمامِ؛ الجَليلِ؛ أَبي عَبْدِ اللهِ؛ مُحَمَّدِ بنِ إِدْرِيسٍ الشَّافِعِي.
          وإمامِ المسلمينَ؛ وقُدْوَةِ المُؤمنينَ؛ وأَوحَدِ المُجْتَهِدِينَ؛ ذِي المَراتِبِ المُنِيفَةِ؛ والصِّفَاتِ الظَّرِيفَةِ؛ الإِمَامِ النُّعْمَانِ؛ أَبي حَنِيْفَةِ.
          والإمامِ الجَليلِ؛ ذِي القَدْرِ النَّبِيلِ؛ أَوْحَدِ الأَئِمَّةِ؛ الحَائِزِ للعُلُومِ الجَمَّةِ؛ السَّالِكِ أَحسَنَ المَسَالِكِ؛ الإِمامِ الأَصْبَحِيِّ؛ أبي عبدِ اللهِ؛ مالِكٍ.
          والإِمامِ العَلِيِّ الشَّأنِ؛ المُرَاقِبِ مَوْلَاهُ في السِّرِّ والإِعلانِ؛ قُدْوَةِ المُوَحِّدِينَ؛ وحُجَّةِ اللهِ علَى اللَّاحِقِينَ، الَّذي بَذَلَ نَفْسَهُ لِلْحَقِّ وسُبُلِهِ / الإِمامِ الشَّيبَانِيِّ؛ أَبي عَبدِ اللهِ؛ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ.
          وصاحِبِ الجَامِعِ الصَّحيحِ؛ والسَّعْيِ النَّجِيحِ؛ والعَقلِ الرَّجِيحِ؛ والصَّدْرِ الفَسِيحِ؛ الحَافِظِ؛ الإِمامِ؛ الحَبْرِ؛ الهُمَامِ؛ الحَائِزِ لِلفَضائِلِ علَى التَّمَامِ؛ السِّراجِ الوَهَّاجِ؛ والبَحرِ العُجَاجِ؛ إِمامِ المُتَّقينَ؛ المُعَوَّلِ عليه في أَحادِيثِ سَيِّدِ المُرسَلِينَ؛ ِذي الكَرامَاتِ الظَّاهِرَةِ؛ والسَّطَواتِ القَاهِرَةِ؛ والآيَاتِ البَاهِرَةِ؛ القائِلِ عن نَفسِهِ المُنِيْبَةِ: «أَرجُو أَن لا أُطالَبَ بِغِيبَةٍ»؛ مَن لَيس له في الفَضلِ مُبَارِي؛ ولا في مَيْدَانِهِ مُجَارِي؛ الإِمامِ؛ الجَليلِ؛ عَبدِ اللهِ؛ مُحَمَّدِ بنِ إِسماعِيلَ البُخَارِيِّ، رَوَّى اللهُ بالرَّحمَةِ ثَرَاهُ، وجَعَلَ المَغفِرَةَ الكامِلَةَ قِرَاهُ، وأَكرَمَ في الفِرْدَوسِ نُزُلَهُ، وأَعلَى في غُرَفِهِ العالِيَةِ مَنزِلَهُ، [فـ]لقد جَدَّ ودَأَبَ، وارتَحَلَ إلى العُجْمِ والعَرَبِ، وصَحَّحَ عُقَدَ التَّوَكُّلِ معَ مَولاهُ، وقَرَّرَهُ؛ حَتَّى جَمَعَ صَحِيْحَهُ ونَقَّحَهُ وحَرَّرَهُ، وكان ذلكَ بينَ الرَّوضةِ والمِنبَرِ، وهو _كَمَا قِيلَ_ سبعةُ آلافِ حديثٍ؛ ومِائَتَانِ؛ وخَمسٌ وسَبعونَ حَديثاً _بالمُكَرَّر_، وما كتَبَ حديثاً من الصَّحيحِ المَذْكُورِ حَتَّى اغتَسَلَ وصلَّى رَكعتَينِ للمَلِكِ الغَفُورِ.
          فيَا لَهُ مِن صَحيحٍ اعْتَرَفَ بفَضلِهِ أهلُ اليَقينِ، وحَكَمُوا بِتَقْدِيْمِهِ وتَفضيلِهِ في كُلِّ حِيْنٍ، وشَاعَ ذِكرُهُ في الأَمصارِ، واشتُهِرَ في سائِرِ الأَقطارِ، وهو أَفضَلُ الكُتُبِ بعدَ القُرْآنِ.
          وقَدْ قَرَأْتُ منهُ ما يَسَّرَهُ اللهُ الكَريمُ المَنَّانُ، وأَشرَعُ في خَتْمِهِ: خَتَمَ اللهُ بالصَّالِحَاتِ أَعمَالَنَا، وغَفَرَ لَنَا ذُنُوبَنا.
          وكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنا، وتَوَفَّنَا معَ الأَبرَارِ، وآتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً، وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وقِنَا عَذَابَ النَّارِ. والله أَعْلَمُ.
          تمَّ الكِتَابُ _بعَونِ المَلِكِ الوَهَّابِ_ في لَيلَةٍ يُسْفِرُ صَبَاحُهَا عن نَهَارِ الإثْنَين؛ رابِعَ عَشَرَ صَفَرِ الخَيرِ؛ سنةَ ثَمَانٍ وخَمسينَ وأَلفٍ؛ علَى يَدِ الفقير الحقير إبراهيم بن حسين بن [؟؟] بن عبد العزيز الحَنَفِيِّ؛ غَفَرَ اللهُ لهُ ولِوَالِدَيهِ ولِجَمِيعِ المُسلِمِينَ، أَجمَعِينَ. آمِين، آمين، والحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ. /