المنظر الصبيح في ختم الصحيح

بعض فضائل شهر رمضان

          بعضُ فَضَائلِ شَهرِ رَمَضَانَ
          وجَعَلَ شَهْرَها هذا مَخْصُوصَاً بعَمِيمِ غُفرانِهِ:{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة:185] فَيَا لَهُ مِن شَهرٍ عظيمِ الشأنِ، حَبَا اللهُ فيهِ عِبَادَهُ بالفضلِ والإِحسانِ، وجَعَلَهُ صِحَّةً للأَبدانِ؛ ومَطْهَرَةً للقلبِ واللِّسانِ مِنَ الذُّنُوبِ والعِصْيانِ، شَهرٌ العِبادةُ فيهِ سَبعينَ عِبادةً فيمَا سِوَاهُ مِنَ الزَّمانِ، أَوَّلُهُ رَحمَةٌ، وأَوسَطُهُ مَغفِرةٌ، وآخِرُهُ عِتْقٌ من النِّيرَانِ.
          فيه تُزَخْرَفُ الجِنَانُ، وتُزَيَّنُ بالحُورِ والوِلْدَانِ، وتُغلَقُ أبوابُ النَّارِ، ويُغَلُّ كلُّ ماردٍ وشيطانٍ، وللصَّائمِ فَرحَتَانِ؛ فَرحةٌ عند فِطرِهِ، وفَرحَةٌ عند لِقَاءِ رَبِّهِ بأَمانٍ.
          خَصَّهُ اللهُ تَعَالى بهذِهِ الأُمَّة كما قيلَ علَى التَّحقيقِ، ولَهُ في كُلِّ لَيلةٍ مِنهُ ألفُ ألفِ عتيقٍ، فِإذا كانَ آخرُ لَيلةٍ مِن لَيالِيهِ أَعتَقَ فيها بعدَدِ ما أَعتَقَ فيه.
          البَرَكَاتُ في أيَّامهِ كثيرةٌ، ولياليهِ بالتَّراويحِ مُشرِقةٌ مُنيرةٌ، فيه لَيلةُ القَدْرِ التي ميَّزها اللهُ تَعالى علَى لَيالي الدَّهرِ، وقَالَ في حَقِّها: / {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر:3]، تُفتَّحُ فيها أبوابُ السَّمَواتِ، وتَنْزِلُ الملائكةُ بالبِشاراتِ لِمَن أحياها مِن الأَنَامِ، ومَنَعَ جفونَه المَنامَ.
          ما رُفِع فيها إلَى المَولَى قِصَّةُ مُحتاجٍ إلَّا نَظَرَها، ولا صَعدَتْ إِليهِ فيها أنفاسٌ مَكروبةٌ إلا أزالَ كَربَها وضَرَرَها، ولا تَضَرَّعَتْ بينَ يدَيهِ فيها مُعْذِرَةً إلا قَبِلَها وعَذَرَها، ولا تَوَّجَعَتْ فيها قُلُوبٌ مُنكَسِرةٌ إلا أَغَاثَها بلُطْفِهِ وجَبَرَها، فَتَفَيَّئُوا بِظلِّها الوَرِيفِ.
          واعلَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم أَخبَرَ أَنَّها في أَوتارِ هذا العَشْرِ الشَّريفِ، فارغَبُوا رَحِمَكُم اللهُ فيما عندَ اللهِ منَ الأَجرِ والثَّوابِ، وودِّعُوا شهرَ رَمَضَانَ فقد عَزَمَ علَى الذَّهاب، وبادِرُوا بالأعمالِ الصَّالِحةِ قَبلَ غُلُوقِ البابِ، فقد قَرُبَ رَحيلُه وحانَ تَحويلُه، ولم يَبقَ إلا كَضَيفٍ طارِقٍ، وحَبيبٍ عمَّا قليلٍ مُفارِقٌ.
          فاحرُصُوا فيه علَى العَمَلِ الصَّالحِ، وزَوِّدُوهُ وشَيِّعُوه بالبٌكاءِ والنَّحيبِ وودِّعُوهُ، وصُومُوا ما بَقِيَ منهُ صِيامَ المُتَّقينَ، وقُومُوا ليلَهُ قِيَامَ ذَوي اليَقينِ، وابتَهِلُوا فيهِ إلَى اللهِ ابتِهَالَ المُخلِصينِ.
          وأكثرُوا فيه من الصَّلاةِ علَى خيرِ الأَنامِ مُحَمَّدٍ عليهِ أَفضلُ الصَّلاةِ والسَّلامُ، فالصَّلاةُ عليهِ تُكفِّرُ الذَّنبَ العظيمَ، وتَهدِي إلى الصِّراطِ المستقيمِ، وتَقي قائلَها عذابَ الجحيمِ، ويَحظَى في الجنَّةِ بالنَّعيم المُقيمِ.