الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه

حديث: أن رسول الله كتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام وبعث
     
         1           

  الرواة  
شروح الصحيح
                          
    التالي السابق

2940- 2941- حدَّثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ: حدَّثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عن صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عن ابْنِ شِهَابٍ، عن عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلى قَيْصَرَ يَدْعُوهُ إلى الإِسْلَامِ، وَبَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَيْهِ مَعَ دحْيَةَ الكَلْبِيِّ، وَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْفَعَهُ إلى عَظِيمِ بُصْرَى لِيَدْفَعَهُ إلى قَيْصَرَ، وَكَانَ قَيْصَرُ لَمَّا كَشَفَ اللَّهُ عَنْهُ جُنُودَ فَارِسَ، مَشَى مِنْ حِمْصَ إلى إِيلِيَاءَ شُكْرًا لِما أَبْلَاهُ اللَّهُ، فَلَمَّا جَاءَ قَيْصَرَ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالَ حِينَ قَرَأَهُ: التَمِسُوا لِي هَاهُنا أَحَدًا مِنْ قَوْمِهِ؛ لِأَسْأَلَهُمْ عن رَسُولِ اللَّهِ _ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ_.
قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَأَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ (1): أَنَّهُ كَانَ بِالشَّامِ فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدِمُوا تُجَّارًا (2)، فِي المُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، قالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَوَجَدَنا رَسُولُ قَيْصَرَ بِبَعْضِ الشَّامِ، فَانْطُلِقَ بِي وَبِأَصْحَابِي، حَتَّى قَدِمْنا إِيلِيَاءَ فَأُدْخِلْنا عَلَيْهِ، فَإِذا هو جَالِسٌ فِي مَجْلِسِ مُلْكِهِ، وَعَلَيْهِ التَّاجُ، وَإِذا حَوْلَهُ عُظَمَاءُ الرُّومِ، فقالَ لِتَرْجُمَانِهِ (3): سَلْهُمْ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا إلى هَذا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ. قالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَقُلْتُ:
/
أَنا أَقْرَبُهُمْ إليه نَسَبًا. قالَ: ما قَرَابَةُ ما بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ؟ فَقُلْتُ: هو ابْنُ عَمِّي (4)، وَلَيْسَ فِي الرَّكْبِ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ غَيْرِي. فقالَ قَيْصَرُ: أَدْنُوهُ. وَأَمَرَ بِأَصْحَابِي فَجُعِلُوا خَلْفَ ظَهْرِي عِنْدَ كَتِفِي، ثُمَّ قالَ لِتَرْجُمَانِهِ (5): قُلْ لِأَصْحَابِهِ: إِنِّي سَائِلٌ هَذا الرَّجُلَ عن الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَإِنْ كَذَبَ فَكَذِّبُوهُ. قالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَاللَّهِ لَوْلا الحَيَاءُ يَوْمَئذٍ مِنْ أَنْ يَأْثُرَ أَصْحَابِي عَنِّي الكَذِبَ، لَكَذَبْتُهُ حِينَ سَأَلَنِي عَنْهُ، وَلَكِنِّي اسْتَحْيَيْتُ أَنْ يَأْثُرُوا الكَذِبَ عَنِّي فَصَدَقْتُهُ. ثُمَّ قالَ لِتَرْجُمَانِهِ (6): قُلْ لَهُ: كَيْفَ نَسَبُ هَذا الرَّجُلِ فِيكُمْ؟ قُلْتُ: هو فِينا ذُو نَسَبٍ. قالَ: فَهَلْ قالَ هَذا القَوْلَ أَحَدٌ مِنْكُمْ (7) قَبْلَهُ؟ قُلْتُ: لَا. فَقالَ: كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ على الكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ ما قالَ؟ قُلْتُ: لَا. قالَ: فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ (8) ؟ قُلْتُ: لَا. قالَ: فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ قُلْتُ: بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ. قالَ: فَيَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ؟ قُلْتُ: بَلْ يَزِيدُونَ. قالَ: فَهَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ (9) سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ قُلْتُ: لَا. قالَ: فَهَلْ يَغْدِرُ؟ قُلْتُ: لَا، وَنَحْنُ الآنَ منه فِي مُدَّةٍ، نَحْنُ نَخَافُ أَنْ يَغْدِرَ. قالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَلَمْ يُمْكِنِّي (10) كَلِمَةٌ أُدْخِلُ فيها شَيْئًا أَنْتَقِصُهُ بِهِ لا أَخَافُ أَنْ تُؤْثَرَ عَنِّي غَيْرُهَا. قالَ: فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ أَوْ قَاتَلَكُمْ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قالَ: فَكَيْفَ كَانَتْ حَرْبُهُ وَحَرْبُكُمْ؟ قُلْتُ: كَانَتْ دُوَلًا (11) وَسِجَالًا، يُدَالُ عَلَيْنا المَرَّةَ وَنُدَالُ عَلَيْهِ الأُخْرَى. قالَ: فَمَاذا يَأمُرُكُمْ (12) ؟ قالَ: يَأمُرُنا أَنْ نَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ لا نُشْرِكُ (13) بِهِ شَيْئًا، وَيَنْهَانا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا، وَيَأمُرُنا بِالصَّلَاةِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالعَفَافِ، وَالوَفَاءِ بِالعَهْدِ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ. فقالَ لِترْجُمَانِهِ حِينَ قُلْتُ ذَلِكَ لَهُ: قُلْ لَهُ: إِنِّي سَأَلْتُكَ عن نَسَبِهِ فِيكُمْ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ ذُو نَسَبٍ، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي نَسَبِ قَوْمِهَا، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ قالَ أَحَدٌ مِنْكُمْ هَذا القَوْلَ قَبْلَهُ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا، فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ أَحَدٌ مِنْكُمْ قالَ هَذا القَوْلَ قَبْلَهُ، قُلْتُ رَجُلٌ يَأتَمُّ بِقَوْلٍ قَدْ قِيلَ قَبْلَهُ، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ ما قالَ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ الكَذِبَ على النَّاسِ وَيَكْذِبَ على اللَّهِ، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مِنْ مَلِكٍ (14) ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا، فَقُلْتُ: لَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ، قُلْتُ: (15) يَطْلُبُ مُلْكَ آبَائِهِ. وَسَأَلْتُكَ: أَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّ ضُعَفَاءَهُمُ اتَّبَعُوهُ، وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يَزِيدُونَ، وَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حَتَّى يَتِمَّ، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ (16) سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا، فَكَذَلِكَ الإِيمَانُ حِينَ تَخْلِطُ
/
بَشَاشَتُهُ القُلُوبَ لا يَسْخَطُهُ أَحَدٌ، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ يَغْدِرُ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لا يَغْدِرُونَ، وَسَأَلْتُكَ: هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ وَقَاتَلَكُمْ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ قَدْ فَعَلَ، وَأَنَّ حَرْبَكُمْ وَحَرْبَهُ تَكُونُ دُوَلًا (17)، وَيُدَالُ (18) عَلَيْكُمُ المَرَّةَ وَتُدَالُونَ عَلَيْهِ الأُخْرَى، وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى وَتَكُونُ لَهَا (19) العَاقِبَةُ. وَسَأَلْتُكَ: بِمَاذا يَأمُرُكُمْ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ يَأمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَيَنْهَاكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ، وَيَأمُرُكُمْ بِالصَّلَاةِ، وَالصِّدْقِ (20)، وَالعَفَافِ، وَالوَفَاءِ بِالعَهْدِ، وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ، قالَ: وَهَذِهِ صِفَةُ النَّبِيِّ (21)، قَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ، وَلَكِنْ لَمْ أَظُنَّ (22) أَنَّهُ مِنْكُمْ، وَإِنْ يَكُ ما قُلْتَ حَقًّا، فَيُوشِكُ أَنْ يَمْلِكَ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ، وَلَوْ أَرْجُو أَنْ أَخْلُصَ إِلَيْهِ لَتَجَشَّمْتُ لُقِيَّهُ (23)، وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ (24) قَدَمَيْهِ. قالَ أَبُو سُفْيَانَ: ثُمَّ دَعا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُرِئَ فَإِذا فِيهِ: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، إلى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، سَلَامٌ على مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدَاعِيَةِ (25) الإِسْلَامِ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَعَلَيْكَ إِثْمُ الأَرِيسِيِّينَ، وَ:{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64] ».
قالَ أَبُو سُفْيَانَ: فَلَمَّا أَنْ قَضَى مَقَالَتَهُ عَلَتْ أَصْوَاتُ الَّذِينَ حَوْلَهُ مِنْ عُظَمَاءِ الرُّومِ، وَكَثُرَ لَغَطُهُمْ، فَلا أَدْرِي مَاذا قَالُوا، وَأُمِرَ بِنا فَأُخْرِجْنَا، فَلَمَّا أَنْ خَرَجْتُ مَعَ أَصْحَابِي وَخَلَوْتُ بِهِمْ، قُلْتُ لَهُمْ: لقد أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ، هَذا مَلِكُ بَنِي الأَصْفَرِ يَخَافُهُ. قالَ أَبُو سُفْيَانَ: وَاللَّهِ ما زِلْتُ ذَلِيلًا مُسْتَيْقِنًا بِأَنَّ أَمْرَهُ سَيَظْهَرُ، حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ قَلْبِيَ الإِسْلَامَ وَأَنا كَارِهٌ.


[1] في رواية أبي ذر زيادة: «بنُ حَرْبِ».
[2] ضبطت في (ب، ص): «تِجَارًا»، وأهمل ضبطها في (ن).
[3] ضُبطت في اليونينية بضبطين: المثبت، و«لِتُرْجُمَانِهِ».
[4] في رواية أبي ذر: «هو ابن عَمٍّ».
[5] ضُبطت في اليونينية بضبطين: المثبت، و«لِتُرْجُمَانِهِ».
[6] ضُبطت في اليونينية بضبطين: المثبت، و«لِتُرْجُمَانِهِ».
[7] في رواية أبي ذر: «منكم أحدٌ».
[8] في رواية أبي ذر والحَمُّويِي والمستملي: «مَنْ مَلَكَ».
[9] صحَّح عليها في اليونينيَّة.
[10] ضُبطت في اليونينية بضبطين: المثبت، و «تُمْكِنِّي».
[11] ضُبطت في اليونينية بضبطين: المثبت، و «دِوَلًا».
[12] في رواية أبي ذر زيادة: «به».
[13] في رواية السمعاني عن أبي الوقت: «ولا نُشْرِك»، وبهامش (ق): إن حذفت الواو من «ولا نشرك» ضممت الكاف، وإن أثبتها عطفتها على ما قبلها فنصبتها.
[14] صحَّح عليها في اليونينيَّة، وضبطت في (و، ب، ص) بوجهين: المثبت و«مَن مَلَكَ».
[15] صحَّح عليها في اليونينيَّة.
[16] صحَّح عليها في اليونينيَّة.
[17] ضُبطت في اليونينية بضبطين: المثبت، و «دِوَلًا».
[18] في رواية أبي ذر: «يدال».
[19] في رواية أبي ذر والحَمُّويِي والمستملي: «له».
[20] هكذا في رواية الحَمُّويِي والكُشْمِيْهَنِيِّ، وفي رواية أبي ذر: «والصَّدَقةِ».
[21] في رواية أبي ذر والمستملي والكُشْمِيْهَنِيِّ: «نَبِيٍّ» كتبت بالحمرة.
[22] في رواية أبي ذر والكُشْمِيْهَنِيِّ: «لَمْ أعْلَمْ».
[23] في رواية أبي ذر والكُشْمِيْهَنِيِّ: «لِقاءَه».
[24] صحَّح عليها في اليونينيَّة.
[25] صحَّح عليها في اليونينيَّة.