مطالع الأنوار على صحاح الآثار

القاف مع الباء

          [القَاف مع البَاء](1)
          1848- «ثمَّ يُوضَع له القَبولُ في الأرضِ» [خ¦3209]؛ أي: المحبَّةُ في القُلوبِ والرِّضا، ومنه: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ} [آل عمران:37]؛ أي: رضيَها، قال المطرِّزُ: والقَبولُ مصدرٌ لم أسمَع غيرَه بالفَتحِ في المَصدرِ، وقد جاء مُفسَّراً في رواية القَعنبيِّ: «فيضَع له المحبَّةَ في الأرضِ».
          وجاء في هذه الكتُبِ ذِكرُ: «القَبِيل» [خ¦2509] وهو الكَفيلُ، وقيل ذلك في قولِه: {وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً} [الإسراء:92]، وقيل في هذا: جميعاً. /
          قولُه: «وفي كلِّ قَبيلٍ» [خ¦3124] القَبيلُ _بغيرِ هاءٍ_ الجماعةُ؛ ليسوا من أبٍ واحدٍ، فإذا كانوا من أبٍ واحدٍ فهم قَبيلةٌ بالهاءِ، قالَه الأزهريُّ، وقال غيرُه: القَبيلةُ والقبيلُ سواءٌ؛ الجماعةُ، وقال القُتَبيُّ: القبيلُ الجماعةُ من ثلاثةٍ إلى ما زاد من قومٍ شتَّى، والقبيلةُ بنو أبٍ.
          وفي حديثِ النَّعلِ: «لها قِبالَانِ» [خ¦3107] وهو الشِّراكُ كالزِّمامَين يكونان بين الإصبِعِ الوُسْطى من الرِّجل والتي يلِيها.
          و«أَقبالُ الجدَاول» أوائلُها، وقِبالُ كلِّ شيءٍ وقَبَلَه وقُبُله ما استقبلَك منه.
          وفي حديثِ الجسَّاسَة: «أَهْدَبُ القِبال» كثيرُ شعرِ النَّاصية والعُرْف؛ لأنَّهما اللَّذانِ يَستقبِلانك منها.
          وفيه: «لا يُعْرفُ قُبُله من دُبُره» هو أيضاً بالضَّمِّ ما يستقبِلُك من الشَّيء، وكذلك: «دُبُره» بالضَّمِّ ما يَستدبِرك منه، فإن سكَّنتَ الباءَ فهو الفرْج وفي الحَديثِ: «حتَّى فتَّشوا قُبْلَها» [خ¦439] بإسكان الباء؛ أي: فرْجَها، والشُّيوخُ يضبطُونَه بالضَّمِّ.
          وقولُه: «فلا يَبصُق قِبَلَ وَجْهه _أي: أمامَه، وقولُه:_ فإنَّ الله قِبَلَ وجهِه» [خ¦406]؛ أي: قِبلةُ الله المعظَّمةُ.
          وقولُه: «فأقْبلَ بهما وأدْبَر» [خ¦185]؛ أي: أقبلَ بهما من مُقدَّمِ رأسِه، وهو قُبُل الرَّأس، وقيل: الواوُ لا توجبُ التَّرتيبَ؛ أي: أدبرَ بهما وأقبلَ؛ أي: مضَى بهما مِن قُبُل رأسِه إلى دُبُر رأسِه، وقد جاء كذلك في بعضِ أحاديثِ البُخاريِّ: «فأدبرَ بهما وأقبلَ» [خ¦199] وكيفما كان فقولُه: «بدأ بمُقدَّم رَأسِه» يفسِّرُ ذلك ويبيِّـــنُه.
          1849- قولها: «فلا أُقَبَّحُ» [خ¦5189]؛ أي: لا يَردُّ قولي عليَّ، تُريد لعزَّتها عندَه، يُقال: قبَّحتُ فلاناً _ بشدِّ الباء_ إذا قلتَ له: قَبَحك الله، بتَخفيفِ الباء، ومعناه: أبعدَك الله، والقُبحُ الإبعادُ، ويُقال: قبَّحَهُ الله أيضاً _بتشديدِ الباء، حكاه ابنُ دُريدٍ_ تقْبيحاً، وقبَحَه الله _بالتخفيفِ_ قَبحاً، والقُبحُ الاسمُ.
          1850- قولُه: «لا تجْعلُوا بُيوتَكم مَقابرَ» تأوَّله البخاريُّ: لا تجعَلوها كالمَقابرِ التي لا تجوزُ الصَّلاةُ فيها، ولذلك ترجَم عليه: (باب كراهيةِ الصَّلاةِ في المقابرِ) [خ¦8/52-712]، وقال غيرُه: بل معناه: اجعَلوا من صلاتِكم في بُيوتِكم، ولا تجعَلوها قبوراً لكم؛ / لأنَّ العبدَ إذا مات وصار في قبرِه لم يُصلِّ ولم يعمَل، وهذا أولى؛ لقَولِه في الحَديثِ الآخَرِ: «اجعَلوا من صلاتِكم في بُيوتِكم ولا تجعلُوها قُبوراً». [خ¦432]
          قوله: «فإذا أقبَل اللَّيلُ» [خ¦1954] يعني: جاء من قِبلَ المشرق، وهي ظُلْمتُه وسوادُ الأُفق، وقولُه: «فإذا أَقبَل الفيءُ فصلِّ»؛ أي: أقبَلَ من جهةِ المَغربِ إلى المَشرقِ.
          1851- وفيها ذِكرُ: «الثَّوب القُبطِيِّ» بضمِّ القاف، وهي ثيابٌ تُعمَل بمصرَ، وتُجمَع قُباطيٌّ، وأمَّا قِبطُ مصرَ _وهم عَجَمُها_ فبالكَسرِ، وأصلُ نسبةِ هذه الثِّيابِ إليهم، فلمَّا أُلزِمت الثِّيابُ هذا الاسمَ فرَّقوا بين النِّسبتين فقالُوا في الإنسان: قِبطيٌّ، وقالوا في الثَّوبِ: قُبطيٌّ بالضَّمِّ.
          وقولُه: «{فَطَلِّقُوهُنَّ} [الطلاق:1] لِقُبُلِ عِدتِهنَّ» يعني: استقبالها، فسَّره مالكٌ في رواية يحيَى، فقال: «يعني: أنْ تُطلِّق في كلِّ طُهرٍ مرَّةً»، وسقَط هذا التَّفسيرُ من كتاب مُطرِّفٍ وابنِ زيادٍ؛ ولذلك طرحَه ابنُ وضَّاحٍ، وقال: ليس مذهبَ مالكٍ، وكان عند ابنِ القاسمِ: «لِقُبُلِ عِدتهنَّ _قال:_ فتلك العدَّةُ؛ أنْ يُطلِّق الرَّجلُ المرأةَ في طُهرٍ لم يمسَّها فيه»، وصَل الكلامَ ولم يجعَلْه من قولِ مالكٍ.
          قوله: «أقبَل يُذكِّرُه» [خ¦806]؛ أي: ألقى ذلك في نَفسِه وألهمَه له، يقال: أقبَل الرَّجلُ على الشَّيء إذا تَهَمَّم به وجعَله من بالِه.
          1852- قوله: «اّْجعَلْه في القَبَض» بفتح الباءِ، هو ما يجمعُ من المغانم، ومنه في الحَديثِ الآخرِ: «كان سلمانُ على قَبَضٍ من قَبَضِ المهاجرينَ»، وكلُّ ما قُبِض من مالٍ فهو قَبَضٌ، والمَصدرُ بالسُّكون.
          قولُه: «يقْبِضُ اللهُ الأرضَ ويقْبِضُ السَّماء» [خ¦6519]؛ أي: يجمعُهما، وذلك _والله أعلَم_ عند انفطارِها، ونسفِ الجبالِ، وتبديلِ الأرضِ غيرَ الأرضِ.
          وقولُه في الحديثِ الآخرِ: «ويَقْبِضُ أصَابِعَه ويَبسُطُها ويقول: أنا الملِكُ» تقدَّم في الهمزةِ معنَى الأصبع في حقِّ الله، وتنزيهِه عن الجوارِح، فالأصبَعُ كنايةٌ عن بعضِ مخلُوقاتِه، أو عن نِعْمةٍ من نِعَمِه، وإذا تُؤُوِّلَت على هذا صحَّ فيها القبضُ والبسطُ، ويرجِع القبضُ والبسطُ بتصرِّف كلِّ ما يليقُ به، فالقبضُ في الأرض جمعُها / أو إذهابُها، وتكونُ هي بعض الأصابع؛ إذ هي أحدُ مقدُوراتِه ونعَمِه للعباد؛ إذ جعلها لهم {كِفَاتًا} [المرسلات:25]، وجعَل فيها تصرُّفاتِهم وأرزاقَهم، ويكون بسطُها مدَّها كما قال: {وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ}[الانشقاق:3]، أو(2) خلَق أُخرَى مكانَها، كما جاءَت به الأحاديثُ والآياتُ في ذلك.
          قولُها: «فأرسَلتْ إليه أنَّ ابناً لي قُبِض» [خ¦1284]؛ أي: تُوفِّي، فالمعنى أنَّه في حال القَبضِ وسبيلِه؛ لأنَّ النَّبيَّ صلعم دخلَ عليه ونَفْسُه تقَعقَعُ.
          1853- جاء ذكر: «القَبَس» [خ¦60/22-5208] وهو العودُ في طرفِه نارٌ، يُقال: قَبسْتُ منه ناراً أو خبَراً أو علماً فأَقْبَسَني؛ أي: أعطاني ذلك.
          1854- قولُه: «قَدِمَت أَقْبِيةٌ» [خ¦5862] هو من قَبَوْتُ إذا ضممتَ، وهو ثوبٌ ضيِّقٌ من ثياب العَجَمِ.


[1] هذه التَّرجمة من أصول «المشارق».
[2] في الأصول: (أي)، وقوَّمناه من «المشارق».