مطالع الأنوار على صحاح الآثار

الباء مع الهمزة

          البَاء مع الهَمزةِ
          112- قولُ جُريجٍ: «يا بَابُوسُ مَن أبُوكَ؟» [خ¦1206] هو اسمٌ للرَّضيعِ من أيِّ نَوعٍ كان، وقال صاحبُ «جامع اللُّغة»(1) : هو [اسمُ] ولدِ كلِّ شيءٍ في صِغَرِه، والمعنَى مُتقَارب، وقيل: هو ولَد النَّاقة خاصَّة ثمَّ يُستَعار لغَيرِها، وقيل: هو عربيٌّ، وقيل: ليس بعربيٍّ لكنَّه عُرِّب، وقد ذكَر أهلُ اللُّغةِ من مثل هذا البِناء أربَعة عشر لفظاً على فاعُول لام الفِعْل منه سين، وقد قال الدَّاوُديُّ: هو اسم علَم لذلك المَولُود، والصَّحيحُ ما قاله أهلُ اللُّغةِ، وقد رُوِي من طَريقٍ غير ثَابتٍ أنَّه نادَاه في بَطنِ أُمِّه قبل أن يخرُج فيسمي أو يعلم ذكَر هو أم أُنثَى، وقد جاء في «الصَّحيحِ»: «من أبوكَ يا غلامُ؟» [خ¦2482] وهذا يدُلُّ على تَفسيرِه بأنَّه الغُلام؛ يعني الصَّغيرَ، وأنَّه كان مَولُوداً، أو أنَّه ليس بعَلَم، وقد قال أهل اللُّغة: إنِّه ليس في العَربِيَّة اسم فاؤه وعينه حرف واحد إلَّا هذا و (دَدٌ) يعني اللَّهوَ، و(ببَّان).
          113- قوله: «علَيكُم بالبَاءةِ» [خ¦1905] يقال: باء وباه وباهة، وهو هاهنا النِّكاح، ويُسمَّى به الجِماع أيضاً، وأصلُه أن مَن تزوَّج تبوَّأ مَنزلاً، فعلى هذا أصلُه من الواو لا من المَهمُوز الأصليِّ.
          114- قوله صلعم: «لم يبتَئِرْ عند الله خيراً». [خ¦6481]
          [وفي رِوايَةٍ: «لم يَبتَهِر» بالهاءِ] عند أبي زَيدٍ المَروَزيِّ، و«يبتَئِز» [خ¦7508] بالزَّاي، قاله الأصيليُّ، قال القاضي: وعند الأصيليِّ في داخلِ كِتابِه: «ينتئر» بنُونٍ وراءٍ وصحَّح عليه، وعند ابنِ السَّكن «ينتئرأو يبتئر»، وهما بمعنًى.
          ووجَدْت في أصلِ القاضي ☼ بخَطِّ يدِه في داخِل الكِتابِ: «يبتئز»، وكتب في مُقابَلته في الحاشِيَة كذا عند أبي زَيدٍ، وبالرَّاء قرَأه، وداخِل كتاب الأصيليِّ: «أو ينتئر»، صحِيحٌ.
          قلت: هذا كلُّه ممَّا نقَلْته من خطِّ أبي الفَضلِ ⌂ / ، ومن خَطِّه أيضاً في الحاشِيَة، وعند ابنِ السَّكنِ: «لم يأتبره» أو «ينتئر»، وهما بمعنًى.
          وأنشَد الأصيليُّ ☼ بخَطِّه(2) :
فإن لم تأتَبِر رؤسا قريش                     فليس لسائر النَّاسِ ائتِبارُ
          وفي رِوايَةٍ: «لم يَبتَهِر» بالهاء.
          وفي أُخرَى: «ما ابتَأَر» بالهَمزِ، هكذا في مُسلمٍ، وفسَّره: «لم يدَّخِرْ». [خ¦6481]
          وفي روايةِ مُسلمٍ أيضاً: «ما امتَأرَ» بالميمِ.
          قوله: «البِئرُ جُبارٌ» [خ¦1499] البِئرُ يُهمَز ولا يُهمَز إذا سُهِّل، والأصلُ الهمزُ، والجمعُ بِئارٌ وآبارٌ وأبآرٌ، وقيل: أريد به البِئر القَديمة، وقيل: ما حفَرَه الإنسانُ حيث يجُوز له، فما هلَك فيها فهو هَدر، [وذلك مَبسُوط في كتُب الفِقْه]، واشتِقاقُه من بأرْتُ إذا حفَرْت، والبُؤرَة الحُفرَة.
          115- في صِفَة أهلِ الجنَّةِ: «لا يَبأَسُ»، و«لا يبأسون(3)» كلُّه من البَأْساءِ؛ وهي الشِّدة؛ أي: لا تصيبهم شِدَّة في الحال، ولا في الأنفُسِ، وهو البُوسُ والبَأسُ والبُؤْسُ.
          وفي الحَديثِ: «هل رأيتَ بُؤْساً قطُّ»، ويُروَى: «بوسى» والتَّنوينُ أكثَر، وهو المَصدَر.
          وقوله: «أذْهبِ الباسَ ربَّ النَّاسِ» [خ¦5675]؛ أي: شِدَّة المرض، والبأسُ أيضاً شِدَّة المَرضِ، والبأسُ أيضاً الحربُ، ومنه: «كنَّا إذا اشتدَّ البأسُ»، ومنه: «وألَّا يجعَلَ بَأسَهم بينَهم»، ومنه: «لكنِ البائسُ سعدُ بن خَولَةَ» [خ¦1295]، ومنه: «يا بؤسَ ابن سُميَّةَ» _يعني عمَّاراً_؛ أي: يا بُؤسَه وما يَلقاه من شِدَّة حاله كما قد كان، ومنه: «عسى الغُوَيرُ أبْؤُساً» [خ¦52/16-4161]؛ أي: عساه يحدث أبؤساً، وهو مَثَل يُضرَب لما يُتقَى من بواطنِ الأمُورِ الخفِيَّة الغارَّة بظَاهرِها.
          116- «من لا يأمنُ جارُه بوائِقَه» [خ¦6016] هي الغَوائلُ والمضارُّ.


[1] هو بندار بن عبد الحميد أبو عمرو الكرخي الأصبهاني، أخذ عن القاسم بن سلام، انظر: «بغية الوعاة»: 1/476.
[2] البيت للقطامي ولفظه كما في «تهذيب اللغة، مادة: بأر» و«غريب الحديث لابن سلام1/147»:
~فإن لم تأتَبِر رَشَداً قريش                      فليس لسائر الناس ابتئارا
[3] كذا في الأصول، وفي «المشارق»: (لا تَبْأَسُوا).