ختم صحيح البخاري

مقدمة الختم

          ♫
          الحمد لله الذي رفع السماء وأمسكها عن الزوال، وخفض الأرض ونصب فيها الجبال، وأمر الصخر فأنبت الماء الزُّلال، وزجرَ البحر وأنشأ السحاب الثِّقال، عزَّ عن المماثلة بالأشكال، وجلَّ عنِ المشاكلة بالأمثال، ارتدى برداءِ الكبرياء والكمال، واتَّزَرَ بإزار البهاء والجلال، استوى على العرش كما شاء وقال، لا كما يُقال أو يخطرُ بالبال، ويُرى في القيامة كما يُرى القمر فمَن أنكر حُرم ذلك الجمال، هذا مذهب الحقِّ فماذا بعد الحقِّ إلَّا الضلال، الموصوف بالوصف الجليِّ، واللُّطف الخفيِّ، والبطش القويِّ، والصراط السويِّ، لا إله إلَّا هو الكبير المتعال، زيَّن الوجوهَ بالأبصار، والألسنةَ بالأذكار، والقلوبَ بالأنوار، والأرضينَ بالنبات والأزهار.
          سبحان مَن يعلم مثاقيل الجبال، لانت لهيبتِه الأحجار، وذلَّت لسطوته الأقطار، ونزلت بقدرته الأمطار، وترنَّمتْ بذكره الأطيار، ومن آياته الليل والنهار، والشمس والقمر والنجوم والجبال، لا غايةَ لرحمته، ولا نهايةَ لرأفته، ولا يدافَع في قدرته، ولا يضاهَى في صنعته، ولا يُعارَض في قِسمته، ولا يُراجع فيما قال، الأولُ فالسبق لسبقه، والمنعمُ فما قام مخلوقٌ بحقِّه، المتوالي بفضله على جميع خلقه، / أكثر العطاء لعباده مِن رزقه على توالي الزمان.
          جلَّ عن شريك وولد، وعزَّ عنِ الاحتياج إلى أحد، وتقدَّس عن نظيرٍ وانفرد، وعَلِمَ ما يكون، وأوجدَ ما كان، أنشأَ المخلوقاتِ بحكمتِه وصنَعها، وفرَّق الأشياءَ بقدرتِه وجمعَها، ودَحَى الأرضَ على الماء وأوسعَها، والسماءَ رفعَها ووضعَ الميزان.
          سالتِ الجلامزُ لهيبتِه ولانتْ، وذلَّتِ الصِّعاب لسطوتِه وهانتْ، وإذا بطشَ انشقتِ السماءُ فكانت وردةً كالدهان.
          يُعِزُّ ويُذلُّ، ويُفقر ويُغني، ويُسعِدُ ويُشقِي، ويُبقِي ويُفنِي، ويُشينُ ويُزين، وينقض ويبني، كلَّ يومٍ هو في شأن، يَغفر ذنبًا، ويَكشف كربًا، ويرفع قومًا، ويضع آخرين، فانتبه لهذا أَيَا وَسْنان.
          وقدَّر التقديرَ فلا رادَّ لحُكمِه، وعَلِمَ سِرَّ العبد وباطنَ عزمِه، { وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ } [فاطر:11] ولا يتنقَّل قدمٌ من مكان.