كشف الالتباس عما أورده الإمام البخاري على بعض الناس

الإكراه على شرب الخمر

          8 - وقال فيه أيضًا: (قَالَ بَعْضُ النَّاسِ) قيل: يعني الكوفيين: (لَوْ قِيلَ لَهُ) أي: لو قال ظالم لرجل (لَتَشْرَبَنَّ الْخَمْرَ أَوْ لَتَأْكُلَنَّ الْمَيْتَةَ أَوْ لَنَقْتُلَنَّ / ابْنَكَ أَوْ أَبَاكَ أَوْ ذَا رَحِمٍ مُحَرَّمٍ لَمْ يَسَعْهُ) أي: لم يَجُز له أن يفعل ما أُمِر به، وعلَّلوه بقولهم: (لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمُضْطَرٍّ(1))، لعدم الإكراه الحقيقي، لأنَّ الإكراه حقيقة إنَّما يكون بما يَتوجَّه إلى الإنسان في نفسه لا في غيره، وليس له أن يَعصِيَ ربَّه حتى يدفع عن غيره، بل اللهُ يَسأل الظالم، ولا يُؤاخِذُ المأمور، حيث لم يقدر على الدفع إلَّا بارتكاب المحظور.
          ثم قال: (ثُمَّ نَاقَضَ) قولَه (فَقَالَ: إِنْ قِيلَ لَهُ: لَنَقْتُلَنَّ أَبَاكَ أَوْ ابْنَكَ أَوْ لَتَبِيعَنَّ هَذَا الْعَبْدَ أَوْ تُقِرُّ)، ولأبي ذر: أو لَتَقُرُّنَّ (بِدَيْنٍ أَوْ تَهَبُ) شيئًا، فَفَعل ما أُمِرَ [دفعًا لذلك](2) (يَلْزَمُهُ) مُوجَبُ ذلك (فِي الْقِيَاسِ)، لوجود الرضا، لأنه ليس بمضطر كما مر، (وَلَكِنَّا نَسْتَحْسِنُ) حيث تحقق التعدي على الابن أو الأب أو الرَّحِمِ الذين هم بمنزلة النفس، أن يفعل ما أُمِرِ به، (وَنَقُولُ: الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ وَكُلُّ عُقْدَةٍ) عَقَدها (فِي ذَلِكَ بَاطِلٌ) أي: فاسد.
          قال بعض الشراح: فاستَحسنَ بطلانَ البيع ونحوِه، بعد أن قال: يلزمه في القياس، فتناقَضَ قولُه.
          وأجاب العينيُّ بأنَّ المناقضة ممنوعة؛ لأنَّ المجتهد يجوز له أن يخالف قياسَ قوله بالاستحسان، والاستحسان حُجَّةٌ عند الحنفية. انتهى.
          وذلك لأنَّ الاستحسان كما مرَّ: قياسٌ خفي دقيق لا يهتدي إليه إلَّا الأئمة أصحابُ الرأي الثاقب، والفهم الصائب، ولذا قالوا: إنَّ/ الاستحسان مقدَّمٌ على القياس إلَّا في مسائلَ معيَّنة.
          ثم قال: (فَرَّقُوا) يعني القائلين بذلك (بَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مُحَرَّمٍ وَ) بين (غَيْرِهِ بِغَيْرِ كِتَاب) يَشهَدُ لهم، (وَلَا سُنَّةٍ) تَعْضُدُهم.
          قال العيني: بل هو غيرُ خارج عن الكتاب والسنة، أمَّا الكتاب فقوله تعالى: { فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر:18] / أمَّا السنةُ فقوله صلعم : «ما رآه المسلمون حَسَنًا فهو عند الله حَسَن»(3).


[1] (ط): بمضر.
[2] في (ط) بدلها: (به)
[3] بهامش الأصلين: أخرجه السخاوي في المقاصد الحسنة، وقال: حسن لغيره.