كشف الالتباس عما أورده الإمام البخاري على بعض الناس

بيع المكره وهبته

          7 - وقال في (كتاب الإِكْرَاه): (بَاب إِذَا أُكْرِهَ) الرَّجلُ (حَتَّى وَهَبَ عَبْدًا أَوْ بَاعَه) بالإكراه (لَمْ يَجُزْ) أي: لم يصحَّ الهبةُ والبيع. وقال: ولأبي ذر: (وبه) (قَالَ بَعْضُ النَّاسِ) قال الكرماني: يعني الكوفيين: (فَإِنْ نَذَرَ الْمُشْتَرِي فِيهِ) أي: فيما اتَّهَبَهُ أو اشتراه بالإكراه (نَذْرًا فَهُوَ) أي النذر (جَائِزٌ) أي: نافذٌ عليه، وامتنع الرجوع به (بِزَعْمِهِ)، أي قوله. (وَكَذَلِكَ إِنْ دَبَّرَهُ) أي: العبد، أو أعتَقَه. وهذا مناقِض لما قالوه مِن عدم جواز الهبة والبيع.
          قال الكرماني: غرَضُ البخاري أنَّ الحنفية تناقضوا، فإنَّ بيع الإكراه إن كان ناقلًا للمِلك إلى المشتري، فإنَّه يَصِحُّ جميعُ التصرفات، ولا / يختصًّ بالنذر والتدبير، وإن قالوا: ليس بناقل فلا يصح النذرُ والتدبير أيضًا.
          وحاصلُهُ أنَّهم صححوا التدبير والنذر بدون الملك، وفيه تحكم/ وتخصيص بغير مخصِّص. انتهى.
          أقول: قولُ الحنفية لم يَجُز بيعُ الإكراه، أي: لم يلزم لفساده؛ لأنَّه عقدٌ فاسد لفقد شرطِهِ وهو الرضا، فإذا زال الإكراه فهو بالخيار إن شاء أمضى، وإن شاء فَسخَ.
          والعقدُ الفاسدُ لا ينافي المِلكَ. ولذا قالوا: يُفسَخ، قال في ((الهداية)): إذا باع مُكْرَهًا وسلَّم [مكرهًا](1) ثَبَت المِلكُ عندنا، وعندَ زُفَر لا يَثْبُتُ؛ لأنَّه بيعٌ موقوف على الإجازة، أَلَا تَرى أنه لو أجاز جاز. والموقوف قبل الإجازة لا يُفيد الملك.
          ولنا أنَّ ركن البيع صَدَر من أهلهِ في محله، والفسادُ يُفقِدُ شرطَه وهو التراضي، فصار كسائر الشروط المفسدة(2)، فيَثْبُتُ المِلكُ عند القبض، حتى لو قبَضَه وأعتَقَه أو تصرَّف فيه تصرفًا لا يُمكِنُ نقضُهُ جاز، وتلزمه القيمةُ كما في سائر البِيَاعات الفاسدة. وبإجازة المالك يرتفعُ المُفْسِدُ وهو الإكراهُ وعَدَمُ الرضا، فيجوز، إلَّا أنَّه لا ينقطع حقُّ استردادِ البائع [وإن تداولته الأيدي، ولم يرض البائع](3) بذلك، بخلاف سائر البياعات الفاسدة؛ لأنَّ الفساد فيها لِحَقِّ الشرع، وقد تعلَّق بالبيع الثاني حقُّ العبد، وحقُّه مقدَّمٌ لحاجته، أما هاهنا الردُّ لِحَقِّ العبد، وهما سواء، فلا يَبطُل حقُّ الأول لحق الثاني. انتهى.


[1] زيادة من (ط).
[2] في (ط): المضرة، بدل المفسدة.
[3] بين معقوفين سقط من (ط).