هداية الساري لسيرة البخاري

في نشأته وطلبه للحديث

           ░2▒ فَصْلٌ
          في نَشَأَتِهِ وَطَلَبِهِ لِلْحَدِيثِ
          قَالَ وَرَّاقُ البُخَارِيِّ : قُلْتُ لأَبي عَبدِ اللهِ: كَيْفَ كَانَ بَدْءُ أَمْرِكَ في طَلَبِ الحَدِيثِ؟ قَالَ: أُلْهِمْتُ حِفْظَ الحَدِيثِ وَأَنَا في الكُتَّابِ. قُلْتُ: وَكَمْ أَتَى عَلَيْكَ إِذْ ذَاكَ؟ فَقَالَ: عَشْرُ سِنِينَ أَوْ أَقَلُّ، ثُمَّ خَرَجْتُ مِنَ الكُتَّابِ بَعْدَ العَشْرِ، فَجَعَلْتُ أَخْتَلِفُ إلى الدَّاخِلِيِّ(1) وَغَيْرِهِ، فَقَالَ يَوْمًا في ما كان يَقْرَأُ لِلنَّاسِ: سُفيانُ، عَن أَبي الزُّبَيْرِ، عَن إِبْرَاهِيمَ. فَقُلْتُ: يَا أَبَا فُلَانٍ! إِنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ لَمْ يَرْوِ عن إِبْرَاهِيمَ! فَانْتَهَرَنِي، فَقُلْتُ لَهُ: ارْجِعْ إلى الأَصْلِ إِنْ كان عِنْدَكَ. فَدَخَلَ وَنَظَرَ فيه، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ لِي: كَيْفَ هُوَ يَا غُلَامُ؟ فَقُلْتُ: هُوَ: الزُّبَيْرُ بْنُ عَدِيٍّ، عن إِبْرَاهِيمَ. فَأَخَذَ القَلَمَ وَأَصْلَحَ كِتَابَهُ، فَقَالَ: صَدَقْتَ. فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: ابْنُ كَمْ كُنْتَ إِذْ رَدَدْتَ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ لَهُ: ابْنُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً. /
          قَالَ: فَلَمَّا طَعَنْتُ في سِتَّ(2) عَشْرَةَ سَنَةً حَفِظْتُ كُتُبَ ابْنِ المُبَارَكِ وَوَكِيعٍ، وَعَرَفْتُ كَلَامَ هَؤُلاءِ(3) ، ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَ أُمِّي وَأَخِي أَحْمَدَ إِلى مَكَّةَ، فَلَمَّا حَجَجْتُ رَجَعَ أَخِي وَتَخَلَّفْتُ بِهَا في طَلَبِ الحَدِيثِ، فَلَمَّا طَعَنْتُ في ثَمَانِي عَشْرَةَ جَعَلْتُ أُصَنِّفُ قَضَايَا الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَقَاوِيلَهُمْ، وَذَلِكَ في أَيَّامِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مُوسَى ، وَصَنَّفْتُ كِتَابَ «التَّارِيخِ» إِذْ ذَاكَ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ صلعم في اللَّيَالي الـمُقْمِرَةِ. قَالَ: وَقَلَّ اسْمٌ في «التَّارِيخِ» إِلَّا وَلَهُ عِنْدِي قِصَّةٌ، إِلَّا أَنِّي كَرِهْتُ تَطْوِيلَ الكِتَابِ.
          قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَلَفٍ: رَحَلَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ إِلى العِرَاقِ في آخَرِ سَنَةِ عَشْرٍ وَمِئَتَيْنِ .
          وَقَالَ بَكْرُ بْنُ مُنِيرٍ: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقولُ: كُنْتُ عِنْدَ أَبي حَفْصٍ أَحْمَدَ بْنِ حَفْصٍ أَسْمَعُ كِتَابَ «الجَامِعِ» لِسُفيانَ الثَّوْرِيِّ مِنْ كِتَابِ وَالدِي، فَمَرَّ / أَبُو حَفْصٍ عَلَى حَرْفٍ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدِي مَا ذَكَرَ، فَرَاجَعْتُهُ، فَقَالَ الثَّانِيَةَ وَالثَّالثَةَ، فَرَاجَعْتُهُ، فَسَكَتَ، وَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: ابنُ إِسْمَاعِيلَ(4) . فَقَالَ: هُوَ كَمَا قَالَ، وَاحْفَظُوا؛ فَإِنَّ هَذَا يَصِيرُ يَوْمًا رَجُلاً .
          وَقَالَ الوَرَّاقُ : سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقولُ: كُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلى الفُقَهَاءِ بِمَرْوَ وَأَنَا صَبِيٌّ، فَقَالَ لِي مُؤَدِّبٌ مِنْ أَهْلِهَا: كَمْ كَتَبْتَ اليَوْمَ؟ فَقُلْتُ: آيَتَيْنِ(5). فَضَحِكَ مَنْ حَضَرَ المَجْلِسَ، فَقَالَ شَيْخٌ مِنْهُمْ: لا تَضْحَكُوا؛ فَلَعَلَّهُ يَضْحَكُ مِنْكُمْ يَوْمًا.
          وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عبدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ السِّمْسَارُ الـمُوَقِّتُ: سَمِعْتُ شَيْخِي(6) يَقولُ: ذَهَبَتْ عَيْنَا مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ في صِغَرِهِ، فَرَأَتْ وَالدَتُهُ في الـمَنَامِ إِبْرَاهِيمَ الخَلِيلَ، فَقَالَ: يَا هَذِهِ! قَدْ رَدَّ اللهُ على ابنِكِ بَصَرَهُ؛ لِكَثْرَةِ دُعَائِكِ، أَوْ: لَكَثْرَةِ بُكَاءِكِ. قَالَ: فَأَصْبَحَ وَقَدْ رَدَّ اللهُ عليه بَصَرَهُ .
          وَقَالَ غُنْجَارُ في «تَارِيخِ بُخَارَى»: حدَّثَنا خَلَفُ بْنُ مُحَمَّدٍ؛ قَالَ: سَمِعْتُ / أَحْمَدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الفَضْلِ البَلْخِيَّ يَقولُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقولُ: ذَهَبَتْ عَيْنَا مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ في صِغَرِهِ. وَذَكَرَ مِثْلَهُ .
          وَرَوَاهَا الحَافِظُ أَبُو القَاسِمِ اللَّالَكَائِيُّ في كِتَابِ «كَرَامَاتِ الأَوْلِيَاءِ» لَهُ، عن شَيْخٍ لَهُ عن غُنْجَارَ .
          أُنْبِئْتُ عَنْ أَبي نَصْرٍ ابنِ الشِّيرَازِيِّ، عَن جَدِّهِ أَبي نَصْرٍ: أَنَّ الحَافِظَ أَبَا القَاسِمِ الدِّمَشْقِيَّ أَخْبَرَهُ: أَخْبَرَنَا الحُسَيْنُ بْنُ عَبدِ المَلِكِ: أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ ابنُ مَحْمُودٍ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ ابنُ المُقْرِئِ؛ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أَحْمَدَ النَّيْسَابُورِيَّ؛ قَالَ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ يُوسُفَ السُّلَمِيَّ؛ قَالَ: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ في مَجْلِسِ مَالكِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ وَهُوَ يَبْكِي، فَقُلْتُ لَهُ: ما يُبْكِيكَ؟ قَالَ: لا يُمْكِنُنِي أَنْ أَكْتُبَ وَلَا أَنْ أَضْبِطَ(7) . ثُمَّ جَعَلَ اللهُ مُحَمَّدَ بنَ إِسْمَاعِيلَ كَمَا رَأَيْتُمْ!
          وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ سَهْلُ بْنُ السَّرِيِّ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ البُخَارِيُّ: لَقِيتُ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ الحِجَازِ وَمَكَّةَ وَالمَدِينَةِ وَالبَصْرَةِ وَوَاسِطٍ / وَبَغْدَادَ وَالشَّامِ وَمِصْرَ، لَقِيتُهُمْ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ. وَذَكَرَ أَنَّهُ رَحَلَ إلى الشَّامِ وَمِصْرَ وَالجَزِيرَةِ مَرَّتَيْنِ، وَأَتَى البَصْرَةَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَأَقَامَ بِالحِجَازِ سِتَّةَ أَعْوَامٍ. قَالَ: وَلَا أَدْرِي كَمْ دَخَلْتُ الكُوفَةَ وَبَغْدَادَ مَعَ مُحَدِّثِي خُرَاسَانَ .
          وَقَالَ وَرَّاقُهُ : سَمِعْتُهُ يَقولُ: دَخَلْتُ بَلْخَ، فَسَأَلَنِي أَصْحَابُ الحَدِيثِ أَنْ أُمْلِيَ(8) عَلَيْهِمْ لِكُلِّ مَنْ لَقِيتُ حَدِيثًا عِنْهُ، فَأَمْلَيْتُ(9) أَلْفَ حَدِيثٍ ِلأَلْفِ شَيْخٍ مِمَّنْ كَتَبْتُ عَنْهُ. ثُمَّ قَالَ: كَتَبْتُ عن أَلْفٍ وَثَمَانِينَ نَفْسًا ليس فيهِمْ إِلَّا صَاحِبُ حَدِيثٍ.
          وَقَالَ أَيْضًا : كَتَبْتُ عَنْ أَلْفِ نَفْسٍ مِن العُلَمَاءِ وَزِيَادَةٍ، وَلَمْ أَكْتُبْ إِلَّا عَن مَن قَالَ: الإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ.
          وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ القَطَّانُ: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقولُ: كَتَبْتُ عَنْ أَلْفِ شَيْخٍ أَوْ أَكْثَرَ، مَا عِنْدِي حَدِيثٌ إِلَّا أَذْكُرُ إِسْنَادَهُ . /
          وَقَالَ وَرَّاقُهُ : سَمِعْتُ هَانِئَ بْنَ النَّضْرِ يَقولُ: كُنَّا(10) عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ _يَعْنِي الفِرْيَابِيَّ_ بِالشَّامِ، وَكُنَّا نَتَنَزَّهُ، وَكان مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ مَعَنَا، وَكان لا يُزَاحِمُنَا فيمَا نَحْنُ فيهِ، بَلْ يُكِبُّ على العِلْمِ.
          قَالَ : وَسَمِعْتُهُ يَقولُ: لَمْ تَكُنْ كِتَابَتِي الحَدِيثَ كَمَا كَتَبَ هَؤُلاءِ، كُنْتُ إِذَا كَتَبْتُ عن رَجُلٍ سأَلْتُهُ عَن اسْمِهِ وَكِنْيَتِهِ وَنَسَبِهِ، وَعِلَّةِ الحَدِيثِ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ فَهِمًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَأَلْتُهُ أَنْ يُخْرِجَ لِي أَصْلَهُ وَنُـَسْـَخَـْتَـهُ، فَأَمَّا الآخَرُونَ فَلَا يُبَالونَ ما يَكْتُبُونَ وَلَا كَيْفَ يَكْتُبُونَ.
          قَالَ وَرَّاقُهُ : سَمِعْتُ العَبَّاسَ الدُّورِيَّ يَقولُ: مَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ طَلَبًا لِلحَدِيثِ مِن مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ؛ كان لَا يَدَعُ أَصْلاً وَلَا فَرْعًا إِلَّا قَلَعَهُ . ثُمَّ قَالَ لَنَا: لَا تَدَعُوا شَيْئًا مِنْ كَلَامِهِ إِلَّا كَتَبْتُمُوهُ.
          وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ: سَمِعْنَا على مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ وَهُوَ أَمْرَدُ، على بَابِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الفِرْيَابِيِّ. /
          قُلْت: كان سِنُّ البُخَارِيِّ إِذْ ذَاكَ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَالأَعْيَنُ المَذْكُورُ مِنْ أَصْحَابِ الإِمَامِ أَحْمَدَ المَشْهُورِينَ ، وَالفِرْيَابِيُّ مِنْ كِبَارِ شُيُوخِ البُخَارِيِّ .
          قَالَ ابنُ طَاهِرٍ: قَدِمَ البُخَارِيُّ بَغْدَادَ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِئَتَيْنِ، وَعَزَمَ على المُضِيِّ إلى عَبدِ الرَّزَّاقِ بِاليَمَنِ، فَالتَقَى بِيَحْيَى بنِ جَعْفَرٍ البِيكَنْدِيِّ فَاسْتَخْبَرَهُ، فَقَالَ: مَاتَ عَبدُ الرَّزَّاقِ. ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ، فَسَمِعَ البُخَارِيُّ حَدِيثَ عَبدِ الرَّزَّاقِ مِنْ يَحْيَى بنِ جَعْفَرٍ .
          قُلْتُ: وَيَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ مِنَ الثِّقَاتِ الأَثْبَاتِ ، وَمَا أَعْتَقِدُ أَنَّهُ افْتَرَى وَفَاةَ عَبدِ الرَّزَّاقِ، بَلْ حَكَاهُ لإِشَاعَةٍ لَمْ تَصِحَّ ، وَكَانَ يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ بَعْدَ / ذَلِكَ يَدْعُو لِمُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، وَيُفْرِطُ في مَدْحِهِ، وَسَنُبَيِّنُ ذَلِكَ .
          وَقَالَ الخَطِيبُ : أَخْبَرَنَا أَبُو حَازِمٍ العَبْدَوِيُّ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ العَبَّاسِ الضَّبِّيَّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ عبدِ اللهِ بْنِ(11) مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ يَقولُ: سَمِعْتُ جَدِّي يَقولُ: سَمِعْتُ البُخَارِيَّ يَقولُ: دَخَلْتُ بَغْدَادَ ثَمَانِي مَرَّاتٍ، في كُلِّهَا أُجَالِسُ أَحْمَدَ ابنَ حَنْبَلٍ، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا عبد اللهِ! تَدَعُ العِلْمَ وَتَصِيرُ إلى خُرَاسَانَ؟! قَالَ: فَأَنَا أَذْكُرُ قَوْلَهُ الآنَ.
          وَقَالَ الوَرَّاقُ عن حَاشِدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ: كان البُخَارِيُّ يَخْتَلِفُ مَعَنَا إِلى مَشَايِخِ البَصْرَةِ وَهُوَ غُلَامٌ، فَلَا يَكْتُبُ، حَتَّى أَتَى عَلَى ذَلِكَ أَيَّامٌ، فَلُمْنَاهُ، فَقَالَ لَنَا بَعْدَ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا: قَدْ كَثَّرْتُمْ عَلِيَّ، فَاعْرِضُوا عَلِيَّ ما كَتَبْتُمْ! فَأَخْرَجْنَاهُ، فَزَادَ على خَمْسَةَ عَشَرَ أَلْفًا، فَقَرَأَهَا كُلَّهَا عن ظَهْرِ قَلْبٍ، حَتَّى جَعَلْنَا نُحْكِمُ كُتُبَنَا مِنْ حِفْظِهِ، فَعَلِمْنَا أَنَّهُ لا يَتَقَدَّمُهُ أَحَدٌ، فَكَانَ أَهْلُ المَعْرِفَةِ بِالبَصْرَةِ يَعْدُونَ خَلْفَهُ في طَلَبِ الحَدِيثِ، فيكْتِبُونَ عَنْهُ _وَهُوَ شَابٌّ_ حَتَّى يَغْلِبُوهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَيُجْلِسُونَهُ في بَعْضِ الطَّرِيقِ، فيجْتَمِعُونَ عَلَيه أُلُوفٌ، أَكْثَرُهُمْ مِمَّنْ يُـــكْتَبُ / عِنْهَ، وَكان إِذْ ذَاكَ شَابًّا لَمْ يَخْرُجْ وَجْهُهُ .
          وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الأَزْهَرِ السِّجِسْتَانِيُّ: كُنْتُ بِالبَصْرَةِ في مَجْلِسِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ وَالبُخَارِيُّ مَعَنَا يَسْمَعُ لا يَكْتُبُ، فَقِيلَ لِبَعْضِهِمْ: ما له لا يَكْتُبُ؟! فَقَالَ: يَرْجِعُ إلى بُخَارَى فيكْتُبُ مِنْ حِفْظِهِ(12) .
          وَقَالَ الوَرَّاقُ : كان شَدِيدَ الحَيَاءِ في صِغَرِهِ، حَتَّى قَالَ شَيْخُنا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ: أَتَـرَونَ البِكْرَ أَشَدَّ حَيَاءً مِنْ هَذَا الغُلَامِ؟!.
          قَالَ : وَسَمِعْتُهُ يَقولُ: كُنْتُ في مَجْلِسِ الفِرْيَابِيِّ، فَقَالَ: حَدَّثَنَا سُفيانُ، عن أبي عُرْوَةَ، عن أبي الخَطَّابِ، عن أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلعم كان يَطُوفُ على نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ . فَلَمْ يَعْرِفْ أَحَدٌ في المَجْلِسِ أَبَا عُرْوَةَ وَلَا أَبَا الخَطَّابِ، / فَقُلْتُ: أَمَّا أَبُو عُرْوَةَ؛ فَمَعْمَرٌ، وَأَمَّا أَبُو الخَطَّابِ؛ فَهُوَ قَتَادَةُ. قَالَ: وَكان الثَّوْرِيُّ فَعُولاً لِهَذَا؛ يَكْنِي المَشْهُورِينَ . /


[1] قال المؤلفٍ في تَغْلِيقِ التَّعْلِيقِ 5/386: (الدَّاخِلِيُّ المَذْكُورُ لَمْ أَقِفْ على اّْسْمِهِ، وَلَمْ يَذْكُرِ اّْبْنُ السَّمْعَانِيِّ وَلَا الرُّشَاطِيُّ هَذِهِ النِّسْبَةَ، وَأَظُنُّ أَنَّهَا نِسْبَةٌ إلى المَدِينَةِ الدَّاخِلَةِ بِنَيْسَابُورَ) ا ه، والمدينة الداخلة هي كل مدينة محصَّنة بسور، وقد كان في تلك النواحي مدنٌ دواخلُ كثيرةٌ، وذكر ياقوت في معجم البلدان (5/78- 79): أنَّ بخارى نفسها كان فيها مدينةٌ داخلةٌ؛ فالأقرَبُ _على هذا_ أنْ يكونَ شيخُ الإمام البخاريِّ منسوباً إليها لا إلى داخلة نيسابور، والله أعلم.
[2] في الأصل: (ستة) مؤنثة، وهو لحن.
[3] قال المؤلف في مقدمة فتح الباري ص669: (يعني أصحابَ الرأْيِ) اهـ، وسيأتي النقلُ عنه (ص:115) أنه قد نَظَرَ في كتب اليهود والنصارى والمَجوسِ أيضاً!.
[4] تحرَّفت في الأصل إلى: (بن السمعاني)، والتصويب من مصادر الرواية موافقٌ لما في تغليق التعليق: 5/387.
[5] في السِّيَر زيادةٌ مهمَّةٌ من كلام الإمام البخاريِّ؛ قال: (وأرَدتُ بذلك حديثَين)؛ فهذه الزيادة توضِّح سببَ ضحك الحاضرين؛ أنه عبَّر عن الحديث النبوي بلفظ (الآية)، وقد تصحَّفت اللفظة في مطبوعة السِّيَر إلى: (اثنين)، ولا معنى لها، فلتصحَّح.
[6] لم أعرف مَن هو، ولعلَّه محمَّد بن الفَضْل البَلْخيُّ الآتي ذِكْرُه، والله أعلم.
[7] تصحَّفت في الأصل إلى: (أحفظ)، والتصويب من مصدر الرواية موافقٌ لما في تغليق التعليق: 5/388.
[8] في الأصل: (أنتقي)، والمثبَتُ من مصدر الرواية موافقٌ لما في تغليق التعليق: 5/389، ومعناهما قريبٌ.
[9] تصحَّفت في الأصل إلى: (فألميت).
[10] تصحَّفت في الأصل إلى: (انا)، والتصويب من مصدر النقل موافقٌ لما في تغليق التعليق: 5/389.
[11] تصحَّفَت في الأَصْلِ إلى: (أَن).
[12] ينظر الإرشاد للخليلي: 3/961، وتحرَّفت لفظة: (حِفْظِه) في الأصل إلى: (جوفه)، والتصويب من مصدر الرواية موافقٌ لما في تغليق التعليق: 5/391، ومقدمة فتح الباري: ص 670.