97- قوله: (انْطَلَقَ نَفَرٌ) [خ¦2276] هو ما بين الثَّلاثة إلى العشرة من الرِّجالِ.
          لكن عِنْد ابنِ ماجَهْ [2156] أنَّهم كانوا ثلاثين، وكذلك عند التِّرْمذيِّ⁽¹⁾، فإطْلاقُ النَّفر عليهم مجازٌ لا حقيقة.
          قال الحافظُ⁽²⁾: ولم أقِفْ على اسم أحَدٍ منْهُم سِوى أبي سَعيدٍ.
          قوله: (في سَفْرَةٍ) أي: في سَرِيَّةٍ أَمَّرَ عليها أَبو سعيدٍ الخُدْريُّ كما في الدَّارَقُطْنيِّ [3037]، ولم يُبيِّنْها⁽³⁾ أَحدٌ من أهل المغازِي فيما وقفَ عليْه الحافظُ ابنُ حجرٍ⁽⁴⁾.
          قوله: (حَتَّى نَزَلُوْا) أي: ليلاً، كما في التِّرْمذيِّ⁽⁵⁾.
          قوله: (على حَيٍّ) قال في «الفَتْح»⁽⁶⁾: ولم أقفْ على تعْيين الحيِّ الذي نزلوا به مِن أيِّ القبائل هُو.
          قوله: (فَاسْتَضَافُوْهُمْ) أي: طلبَ أصحابُ النَّبيِّ صلعم من هذا الحيِّ الضّيافةَ.
          قوله: (فَأَبَوْا) أي: امْتنعوا.
          وقوله: (أَنْ يُضَيِّفُوْهُمْ) بضمِّ الياءِ، وفتح الضَّادِ، وتشديد التَّحتيَّة.
          ويُروى: «يُضِيْفُوْهُمْ» بكسر الضَّادِ والتَّخْفيف، فهو مِنْ أَضَافَ، أوْ ضَيَّفَ، فضَمُّ أوَّلِه لا يَختلف.
          قوله: (فَلُدِغَ) بضمِّ اللَّامِ، وكسر الدَّال المُهمَلة، لا بالمُعجَمة.
          وسَها الزَّرْكَشيُّ [في قولِه بالسِّين اﻟ ...]⁽⁷⁾ وبالغَيْنِ المُعْجمةِ، أي: لُسِعَ، وكان لسعه بعَقْربٍ كما في التِّرْمذيِّ [2063]، وهذه المادَّةُ في ذَواتِ⁽⁸⁾ السُّمومِ، وأمَّا في النَّارِ فبالذَّال المُعجمة والعَيْن المهملة.
          ونظم ذلك العلَّامةُ الأُجْهُوريُّ بقوله:
ولُدْغٌ لذي سُمٍّ بإهْمَالِ أوَّل                     وفي النَّارِ بالإهْمالِ للثَّانِ فاعْرِفَا
والإعْجامُ في كُلٍّ والإهْمالُ فيهِما                     مِنَ المُهْمَلِ المتْرُوْكِ حَقّاً بلا خَفَا
          قوله: (سَيِّدُ ذلِكَ الحَيِّ): لم يسمِّ هذا السَّيِّد.
          قوله: (فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ) أي: مما جرت العادة أن يتداووا به من لدغة العقرب، كذا للأكثر من السَّعْي، أي: طلبوا له ما يُداويه.
          وللكُشْميهَنيِّ: «فَشَفَوْا» بفتح الشِّين المعجمة والفاء وسُكون الواو، أي: طلبوا له الشِّفاء، أي: عالجوه بما يشفيه.
          قوله: (فَقَالَ بَعْضُهُمْ) أي: بعض ذلك الحيِّ.
          قوله: (لَوْ أَتَيْتُمْ) يحتملُ أن تكون (لَو) شرطيَّةٌ، والجواب محذوفٌ، أي: لحصل المطلوب، وأن تكون للتَّمنِّي فلا جواب لها. /
          في رِوايةِ مَعْبَدِ بنِ سِيْريْنَ أنَّ الذي جاءَهُم «جارِيةٌ» منهم، فيحمل على أنَّه كان معها غيرها.
          قوله: (الرَّهْطَ) بدَلٌ مِن (هؤُلَاءِ) الواقع مفعولاً ﻟ (أَتَيْتُمْ).
          قالَ ابنُ التين: قال تارةً «نَفَراً» وتارةً «رَهْطاً»، والنَّفَر ما بين العشرة والثَّلاثة، وقيل: ما دون العشرة، وقيلَ: يصِل إلى أربعين.
          قلتُ: وهذا الحديثُ يدلُّ له.
          قوله: (لَعَلَّهُ) وللكُشْمَيْهَنيِّ: «لَعَلَّ» بإسقاط الهاءِ.
          قوله: (شَيْءٌ) أي: يداوى به.
          قوله: (وَسَعَيْنَا) وفي رِواية الكُشْميهنيِّ: «وشَفَيْنَا» بالمُعجَمةِ والفاءِ، وقد تقدَّم الكلامُ عليهما.
          قوله: (فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ شَيْءٍ) زادَ أبو داوُدَ في رِوايةٍ⁽⁹⁾: «ينتفع صاحِبُنا بِه».
          قوله: (فَقَالَ بَعْضُهُمْ) هو أبو سعيدٍ الخُدْريُّ كما في بعض رِوايات مُسلمٍ.
          في رِواية أبي داوُد [3418، 3900]: «فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: نَعَمْ، والله إنِّي لأَرْقِي».
          وبيَّن الأَعْمَشُ⁽¹⁰⁾ أنَّ الذي قالَ ذلك هُو أَبو سعيدٍ رَاوي الحديْث، ولفظُه: «قُلْتُ: نَعَمْ، أَنا، ولكِن لا أَرْقِيْهِ حتَّى تعطونا غَنَماً».
          قال: فأفادَ بيانَ جِنْسِ الجُعْلِ وهو بضَمِّ الجيم وسُكون المهملة: ما يعطى على عملٍ.
          قوله: (لأَرْقِي) بفتح الهمْزة، وكسرِ القافِ.
          قال في «المصْباح»: رَقَيْتُهُ أَرْقِيْهِ _مِنْ بابِ رَمَى_ رَقْياً: عَوَّذْتُهُ بالله، والاسْمُ الرُّقْياْ على فُعْلى، والمَرَّةُ رُقْيةٌ، والجمْعُ رُقًى، مِثْلُ: مُدْيَةٍ ومُدًى. [انتهى]⁽¹¹⁾.
          قوله: (وَلكِنْ)⁽¹²⁾ بالتَّخْفيفِ.
          وفي البُخاريِّ: «وَلكِنِّي».
          وفي أُخرى: «لَكِن» بحذف الواوِ الأُولى، هي التي في القَسْطلَّانيِّ⁽¹³⁾.
          قوله: (جُعْلاً) بضمِّ الجيم، وسُكون العين، وهو ما يعطى على العملِ.
          قوله: (فَصَالَحُوْهُمْ) أي: اتَّفقوا معهم على قطيعٍ من الغَنَم، والقَطِيْعُ ما بين العشرة والأربعين، والمرادُ هنا: ثلاثون كما في رِواية النَّسائيِّ: «ثلاثون شاةً»⁽¹⁴⁾، وهو المناسبُ لعددِ السَّريةِ كما مرَّ، فكأنَّهم اعتَبَروا عددَهم، فجَعلوا لكُلِّ واحدٍ شاةً.
          قوله: (فَانْطَلَقَ) أي: الرَّاقِي.
          قوله: (يَتْفِلُ) بفَتْح الياءِ المثنَّاة التَّحتيَّة، وسكون التَّاءِ الفوقيَّة، وكسرِ الفاءِ وضمِّها، يَنْفُخُ نَفْخاً مَعَهُ أَدْنى بُزَاقٍ.
          قال في «المختار»: تفل، التَّفْلُ شَبِيْهٌ بالبَزْقِ، وهُو أَقَلُّ مِنْهُ، أَوَّلُهُ البَزْقُ، ثُمَّ التَّفْلُ، ثُمَّ النَّفْثُ، ثُمَّ النَّفْخُ، وقَدْ تَفَلَ، مِنْ بابِ ضَرَبَ ونَصَرَ. انتهى.
          قال العارفُ بالله عبدُ الله بنُ أبي جَمْرةَ في «بهجة النُّفوس»: محلُّ التَّفْلِ في الرُّقْيةِ بعد القراءةِ، ليحصل بَرَكة القراءةِ في الجوارح التي يمر عليها الرِّيْقُ، فتحصل البركةُ في الرِّيْقِ الذي يَتْفِلُه.
          قولُه: وَيَقْرأُ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}⁽¹⁵⁾.
          في رِواية شُعْبةَ⁽¹⁶⁾: «فجعلَ يقْرأُ عَلَيه بفاتِحةِ الكِتابِ»، وكذا في حديثِ جابرٍ⁽¹⁷⁾.
          وفي رِوايةِ الأَعْمَشِ⁽¹⁸⁾: «فقَرأْتُ عَليْهِ {الْحَمْدُ لِلَّهِ}»، ويُستفادُ منْه تسْميةُ الفاتحةِ {الْحَمْدُ لِلَّهِ} و{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
          ولم يذكُر في هذه الطَّريق عددَ ما قرأَ منَ الفاتحة، لكن بيَّنه في رِواية الأَعْمَشِ[ت 2063] وأنَّه سبع مرَّاتٍ.
          ووقع في حديثِ جابرٍ⁽¹⁹⁾: «ثَلَاث مَرَّاتٍ»، والحكْمُ للزَّائدِ.
          قوله: (فَكَأَنَّما نُشِطَ) كذا للجَميع، بضمِّ النُّون، وكسر المعجمة، مبْنياً للمفعولِ، مأخوذٌ من الثُّلاثيِّ المُجرَّدِ، لا مِن «أُنْشِطَ»، أي: حُلَّ.
          قال الخطَّابيُّ⁽²⁰⁾: وهو لغةٌ، والمشهورُ «نَشِطَ» إذا عَقَدَ، و«أُنْشِطَ» إذا حُلَّ، وأصلُه الأُنْشُوْطَةُ بضمِّ الهمْزة، والمعجمة، بينهما نونٌ ساكنةٌ، وهي الحَبْلُ.
          قال في / «المختار»: نَشِطَ الرَّجُلُ _بالكَسْرِ_ نَشَاطَاً _بالفَتْحِ_، فهُو نَشِيْطٌ، وتَنَشَّطَ لأَمْرِ كَذَا. انتهى.
          وفي «المصباح»: نَشِطَ مِنْ عَمَلِهِ، مِنْ بابِ تَعِبَ: خَفَّ وأَسْرَعَ نَشَاطَاً، وهُو نَشِيْطٌ، ونَشَطْتُ الحَبْلَ نَشْطَاً، مِنْ بابِ ضَرَبَ: عَقَدْتُهُ بِأُنْشُوْطَةٍ، والأُنْشُوْطَةُ أُفْعُوْلَةٌ بضَمِّ الهمْزةٍ: رَبْطَةٌ دُوْنَ العُقْدَةِ إذا مُدَّتْ بأَحَدِ طَرَفَيْها انْفَتَحَتْ.
          وأَنْشَطْتُ الأُنْشُوْطَةَ بالألِفِ: حَلَلْتُهَا، وأَنْشَطْتُ العِقَالَ: حَلَلْتُهُ، وأَنْشَطْتُ البَعِيْرَ مِنْ عِقَالِهِ: أَطْلَقْتُهُ. [انتهى]⁽²¹⁾.
          قولُه: (عِقَالٍ) بكسرِ العين المهملة، بَعْدَها قافٌ: هو الحبْلُ الذي يشدُّ به ذراعُ البهيْمة.
          قولُه: (فَانْطَلَقَ) أي: سَيِّدُ الحيِّ الملْدوغ.
          قوله: (وَمَا بِه قَلَبَةٌ) جملةٌ حاليَّةٌ.
          والقَلَبةُ بفَتْح القاف واللَّام والباء الموحَّدة، أي: عِلَّةٌ، وسمِّيت بهذا الاسم؛ لأنَّ الشَّخصَ الذي تُصيبه يتقلَّب منْ جَنْبٍ إلى جَنْبٍ آخرَ.
          وقيلَ: القَلَبةُ: داءٌ مخصوصٌ يُصيب البعيرَ، فيَشْتكي منه قَلْبُه فيَمُوت مِنْ يومِه، ثمَّ استُعملت في كُلِّ داءٍ.
          قوله: (جُعْلَهُمُ) وهو ثلاثونَ شاةً.
          قوله: (رَقَى) بفتح الرَّاءِ والقاف كما تقدَّم.
          قوله: (لا تَفْعَلُوْا) أي: ما ذكرتم من القسمةِ.
          قوله: (فَنَذْكُرَ لَهُ) بنَصْب (نَذْكُرَ) عطْفاً على (نَأْتِي) المنْصوب بـ : أَنْ، المُضْمَرة بَعْد (حَتَّى).
          قوله: (فَنَنْظُرَ) بالنَّصْب عطْفاً على (نَذْكُرَ).
          وقوله: (مَا يَأْمُرُنَا) أي: بِه.
          وفي رِواية الأَعْمَشِ: «فلمَّا قبضنا الغَنَم عرَض في أنفُسِنا منْها شيءٌ».
          قوله: (فَقَدِمُوا) أي: المديْنةَ.
          قوله: (فَذَكَرُوْا لَهُ) أي: ذَكَروا القصَّةَ التي وقعتْ لهم للنَّبيِّ صلعم.
          قوله: (فَقَالَ) أي: النَّبيُّ صلعم للرَّاقي.
          قوله: (وَمَا يُدْرِيْكَ أنَّهَا) أي: الفاتحة التي أخذت الجُعْل عليها، أي: ما يعلمك، والمضارع بمعنى الماضي، أي: وما أدْراك، أي: أعلمك، و(مَا) استفهاميَّةٌ، وقصدَ بهذا الاستفهام أن يختبرَ علمَه ويمتحنه بأنَّها رُقْيةٌ.
          وقوله: (رُقْيَةٌ) بضمِّ الرَّاءِ، وسُكون القافِ، أي: تعوُّذٌ وتحصينٌ.
          قوله: (ثُمَّ قَالَ) أي: المُصطفى صلعم.
          وقوله: (قَدْ أَصَبْتُمْ) أي: في الرُّقْيةِ، أو في توقُّفِكم عن التَّصرُّف في الجُعْلِ حتَّى استأذنتموني، أو أعمُّ مِن ذلك.
          قوله: (اقْسِمُوا) أي: الجُعْلَ بينكم.
          وقوله: (وَاضْرِبُوا) أي: اجْعَلوا.
          وقوله: (سَهْماً) أي: نصيباً، والأمر بالقِسمة من باب مكارِم الأخلاقِ، وإلَّا فالجميعُ للرَّاقي، وإنَّما قال: (اضْرِبُوا) تَطْيِيباً لقُلوبهم ومُبالغةً في أنَّه حلالٌ لا شُبهة فيه.
          وهذا الحديثُ ذكره البُخاريُّ⁽²²⁾ في الباب الذي ذكر فيه الحديثَ السَّابق.