حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: يا بني النجار ثامنوني

          83- قوله: (المَدِيْنَةِ) [خ¦1868]: هي عَلَمٌ على البلْدةِ المعروفةِ التي هاجرَ إليها النَّبيُّ صلعم ودُفن بها، فإذا أُطلقت تبادَرَ إلى الفَهْم أنَّها المرادُ.
          وإذا أُريد غيرها بلفظِ المديْنةِ فلا بُدَّ منْ قيدٍ؛ فهيَ كالنَّجْم للثُّريَّا.
          وكان اسمُها قبل ذلك يَثْرِبَ، قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ} [الأحزاب:13].
          وَيَثْرِبُ: اسمُ موضعٍ منها، سمِّيت كلُّها به، ثمَّ سمَّاها النَّبيُّ صلعم طَيْبةَ وطَابةَ، وكان سُكَّانها العَماليق، ثمَّ نزلها طائفةٌ مِن بَني إسْرائيلَ، قيل: أرسلَهم مُوسى ╕، ثمَّ نزَلها الأَوْسُ والخزْرَجُ.
          وكان قدومُ النَّبيِّ صلعم المدينة يوم الجُمعة، لثنتي عشرة من ربيِّع الأوَّل، في قولِ الكَلْبيِّ.
          وفي مُسلمٍ [9/524] كالبُخاريِّ [خ¦428] في الصَّلاة: أنَّه أقامَ في قُباءٍ قبْلَ أنْ يَدْخُلَ المديْنةَ أربع عشرة ليلةً، وأسَّس مسْجدَ قُباءٍ، ثمَّ رحَلَ(1) إلى المديْنةِ.
          قوله: (وَأَمَرَ) وفي رِواية لأَبوَي ذَرٍّ والوَقْت: «فَأَمَرَ».
          وقوله: (بِبِنَاءِ المَسْجِدِ) أي: في المديْنة.
          قوله: (يَا بَني النَّجَّارِ) هُم جماعةٌ منَ الأنصارِ، أخوالُ جدِّه عَبْدِ المطَّلِب.
          قوله: (ثَامِنُوْنِي) بالمثلَّثة، وكسر الميم، أي: بايعوني بالثَّمَنِ.
          وفي الصلاة: «ثَامِنُوْنِي بِحَائِطِكُمْ»، أي: بُسْتانِكُم.
          وحذف ذلك هنا، والمخاطَب بهذا مَن يستحقُّ الحائط، وكان _فيما قيلَ_ لسَهْلٍ وسُهَيلٍ، يتيمَين في حَجْرِ سَعْدِ بنِ زُرَارَةَ.
          قوله: (فَقَالُوا) أي: اليَتيْمانِ ووَلِيُّهما. ولأَبي الوقْت: «قَالُوا».
          قوله: (لا نَطْلُبُ ثَمَنَه إلَّا إلى الله): أي: منَ الله، زاد أهلُ السِّيَر(2): فأَبى رسولُ الله صلعم حتَّى ابتاعَه منهما بعشرة دَنانيْر، وأمَرَ أبا بكْرٍ أنْ يعطيَ ذلك.
          قوله: (فَأَمَرَ) أي: النَّبيُّ صلعم.
          وقوله: (بِقُبُوْرِ المُشْرِكِيْنَ) أي: التي كانتْ في موضِع المسجِد، وأمرَ بالعِظامِ فغُيِّبتْ.
          قوله: (بالخِرَبِ) بكسرِ الخاءِ المعجمة، وفَتْح الرَّاءِ، جمعُ خِرْبةٍ؛ كذا في «اليونينيَّة».
          وفي «الفرع»: بفَتْح الخاءِ، وكسرِ الرَّاءِ.
          قوله: (وبالنَّخْلِ فَقُطِعَ).
          فإنْ قلْتَ: إنَّ قطْعَ النَّخْلِ الحاصل في المدينة منْهيٌّ عنه، كالحاصل في حَرَم مكَّةَ؟!
          أُجِيْبَ بأنَّ القَطْع كان في أوَّل الهجْرة، وحديث النَّهي إنَّما كان بعْدَ رُجوعِه / صلعم منْ خَيْبر.
          أوْ أنَّ النَّهيَ مقصورٌ على القَطْع الذي يحصل به الإفساد، فأمَّا الذي يقصد به الإصلاح فلا.
          أو أنَّ النَّهي إنَّما يتوجَّه إلى ما أنبتَه الله من النَّخْل ممَّا لا صُنع للآدمي فيه، كما حمل عليه النَّهي عن قطع شجرِ مكَّة، وعلى هذا؛ فيحمل قطعُه على ما فيه صُنع الآدِميِّ.
          قوله: (قِبْلَةَ المَسْجِدِ) أي: في جهتها.
          وهذا الحديثُ ذكَره البخاريُّ في باب: حرم المديْنة.


[1] كذا في الأصل، وفي «م» وبعض النُّسخ: دخل.
[2] سبل الهدى والرشاد 12/48، السيرة الحلبية 2/215.