حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: اعملوا فإنكم على عمل صالح

          79- قوله: (إلى السِّقَايَةِ) [خ¦1635] أي: التي يسقي عليها العبَّاس، وهي التي فيها الماءُ، يسقي منها في الموْسِم وغيره.
          قوله: (فَاسْتَقَى) بسيْنٍ واحدةٍ، أي: طَلَبَ السُّقْيا، أي: الشُّرْب.
          وفي نسخةٍ: «فَاسْتَسْقَى» بسِيْنَين، بينَهما مُثنَّاةٌ فوقيَّةٌ، وهو تحْريفٌ؛ لأنَّ الاستِسْقاءَ طلَبُ سُقْيا العِبادِ مِنَ الله تعالى عِنْد حاجَتِهم إلَيها، وليسَ هذا المعنى مُراداً هُنا.
          قوله: (فَقَالَ العَبَّاسُ) أيْ: عَمُّ النَّبيِّ صلعم.
          وقوله: (يَا فَضْلُ) هو ابنُ العَبَّاسِ، أَخو عبدِ الله.
          قوله: (إلى أُمِّكَ) أي: أُمِّ الفَضْلِ، وهي لُبَابَةُ بنتُ الحارِثِ الهِلَاليَّةُ، وهي والِدةُ عبدِ الله أيْضاً.
          قوله: (فَقَالَ: اسْقِنِي) أي: قالَ المُصطفى صلعم: اسْقِني مِن هذا الماء الذي في السِّقايةِ.
          قولُه: (اسْقِنِي) زادَ أَبو عليِّ بنُ السَّكَنِ في رِوايته: «فناوَلَه العَبَّاسُ الدَّلْوَ».
          وفي رِوايةِ الطَّبرِيِّ: «اسْقِنِي ممَّا يَشْرَبُ مِنْهُ النَّاسُ».
          وقوله: (فَشَرِبَ مِنْهُ) أي: على سبيل التَّواضُع، وإرْشاداً إلى أنَّ الأصلَ الطَّهارةُ والنَّظافةُ حتَّى يتحقَّق أو يظنَّ خلافُ الأصلِ.
          زادَ الطَّبَريُّ بعْدَ (فَشَرِبَ مِنْهُ): «فَقَطَّبَ، ثمَّ دَعَا بِماءٍ فكَسَرَهُ، ثمَّ قال: إذا اشْتَدَّ نَبِيْذُكُمْ فاكْسِرُوْهُ / بالماءِ».
          وتَقْطِيْبُه ╕ منْه إنَّما كان لحموضَتِه فقطْ، وكَسْرُه بالماءِ لِيَهُوْنَ شُرْبُه عَلَيه.
          قال في «المختار»: قَطَّبَ وَجْهَهُ تَقْطِيْباً: عَبَسَ. انتهى.
          قوله: (ثُمَّ أَتى): أي: رسولُ الله صلعم بعد ذلك حتَّى وصلَ زَمْزَمَ.
          وقوله: (وَهُمْ يَسْقُوْنَ) جملةٌ حاليَّةٌ.
          وقوله: (وَيَعْمَلُوْنَ فِيْها) أي: ينزحونَ منها الماءَ.
          وقوله: (على عَمَلٍ صالِحٍ) أي: وهُو نزحُ الماءِ.
          قوله: (لَوْلَا أنْ تُغْلَبُوا) بضمِّ أوَّله على البِناءِ للمجهولِ.
          قالَ الدَّاوُديُّ(1): أي: إنَّكم لا تتركوني أستقي، ولا أحب أن أفعلَ بكُم ما تكرهون فتغلبوا.
          كذا قال.
          وقال غيرُه: معناه: لَولا أن يقعَ لكُم الغَلَبة بأن يجب عليكم ذلك بسبب فِعْلي.
          وقيل: معناه: لولا أنْ يغلبَكُمُ الولاةُ عليها حرْصاً على حيازة هذه المكْرمة.
          والذي يظهر: إنَّ معناه: لولا أنْ يغلبَكُمُ النَّاسُ على هذا العملِ إذا رأَوْني قد عملته لرَغْبتِهم في الاقْتداءِ بِي فيغلبوكم بالمُكائرة لفعلْتُ.
          ويؤيِّدُ هذا، ما أخْرجَه مُسلمٌ[147/1218] منْ حديثِ جابرٍ: أَتى النَّبيُّ صلعم بَني عَبْدِ المُطَّلب وهُم يسقون على زَمْزَمَ فقال: «انْزِعُوا بَني عبْدِ المُطَّلب، فلَوْلَا أنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ على سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ».
          واستدلَّ بهذا على أنَّ سِقايةَ الحاجِّ خاصَّةٌ ببني العبَّاس.
          وأمَّا الرُّخصة في المبيت، ففيْها أقوالٌ للعُلماء هي أَوْجُه للشَّافعيَّة، أصحُّها: لا تختص بهم ولا بسقايتِهم.
          وفيه إشارةٌ إلى أنَّ السِّقاياتِ العامَّةَ كالآبارِ والصَّهَارِيْجِ يتناولُ منها الغنيُّ والفَقيرُ، إلَّا أن ينصَّ على إخراج الغَنيِّ؛ لأنَّه صلعم تناولَ من ذلك الشَّراب العامِّ وهو لا تحلّ لهُ الصَّدَقة، فيُحمل الأمر في هذه السِّقاياتِ على أنَّها مَوقوفةٌ للنَّفْع، فهي للغنيِّ هديَّةٌ وللفَقير صَدَقةٌ.
          قوله: (لَنَزَلْتُ) أي: عن راحِلَتي.
          وقوله: (حَتَّى أَضَعَ الحبْلَ) بالحاءِ المهملة، والباءِ الموحَّدة، أي: حَبْلَ السِّقايةِ(2).
          وقوله: (يَعْنِي) أي: يقصدُ النَّبيُّ صلعم بهذه الإشارة وهي قولُه: (على هذه) وأَتى بقولِه: (وَأَشَارَ إلى عاتِقِهِ) بعد ذلك؛ لأنَّه ربَّما توهِّم أنَّه لم يشر.
          وفي الحديثِ إشارةٌ إلى أنَّه لا يلزم طلَبُ السَّقي من الغَيْر ولا ردُّ ما يعرض على المرْءِ من الإكْرام إذا عارَضَه مصلحةٌ أَوْلى منه؛ لأنَّ ردَّه لما عرض عليه العبَّاس ممَّا يؤتى به مِن بيتِه لمصلحةِ التَّواضُع التي ظهرتْ مِن شُرْبِه ممَّا يَشْرَبُ منْه النَّاسُ.
          وفيه التَّرغيبُ بسَقْي الماءِ، خُصوصاً ماء زَمْزَمَ.
          وفيه تواضُع النَّبيِّ صلعم وحرصُ أصحابِه على الاقْتداءِ، وكراهةُ التَّقذُّر والتَّكرُّه للمأكُولاتِ والمشْروباتِ.
          وهذا الحديثُ ذَكَره البُخاريُّ في باب: سِقاية الحاجِّ.


[1] كما في الفتح 3/492.
[2] كذا في غير نسخة، وفي الأصل و«م»: السقا.