حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: كان الفضل رديف رسول الله

          76- قولُه: (عَنْ عَبْدِ الله بنِ عَبَّاسٍ) [خ¦1513] لفظُ البُخاريِّ: عَنْ عبدِ الله بنِ عبَّاسٍ ☻ قال: كانَ الفَضْلُ رَدِيْفَ رسولِ الله الله صلعم، فجاءَتِ امْرأةٌ مِن خَثْعَمَ، فجَعَلَ الفَضْلُ يَنْظُرُ إليْها وتَنْظُر إليْه، وجَعَلَ النَّبيُّ صلعم يَصْرِفُ وَجْهَ الفَضْلِ إلى الشِّقِّ الآخَرِ.
          فقالت: «يا رسولَ الله، إنَّ فَرِيْضةَ الله على عِبادِهِ...» إلى آخرِه.
          ثمَّ إنَّ إرْدافَ المُصطَفى صلعم للفَضْلِ كان بعد أنْ رَجِعَ المُصطفى صلعم من المشْعَرِ الحرامِ، وفي ذلك إشارةٌ إلى جوازِ الإرْدافِ إنْ كانتِ الدَّابَّةُ تُطِيق ذلك.
          وإشارةٌ _أيضاً_ إلى أنَّ المرأةَ يحرم النَّظَر إليها.
          وإلى أنَّ الإنسانَ يزيل المُنكر باليدِ إنْ أمْكَنَه.
          وإلى جوازِ سماع صَوْت الأجنبيَّة من غير شَهْوةٍ.
          وإلى جوازِ النيابة في الحجِّ.
          وجواز حَجِّ المرأة عنِ الرَّجُلِ. /
          وإلى وُجوب الحجِّ على مَن هو عاجزٌ بنفْسِه مستطيعٌ بغَيْره.
          وإلى جوازِ قولِ الشَّخص «حَجَّة الوَدَاعِ» منْ غَير كَراهةٍ.
          وفيه جوازُ الحجِّ عنِ الغير، ولم يجوِّزْه الإمامُ مالكٌ راوي الحديْث، وهو حُجَّةٌ عليه، قالَ الإمامُ الشَّافعيُّ: لا يجوز للصَّحيح أن يستنيب، لا في الفَرْض ولا في النَّفْل.
          وقال أبو حَنيفَةَ: يجوزُ أن يستنيبَ في النَّفل دون الفَرْضِ.
          قولُه: (شَيْخاً كَبِيْراً) أي: حال كَونه شَيْخاً كبيراً، ﻓ (شَيْخاً كَبيْراً) حالانِ مِن (أَبِي)، أي: وجبَ عليه الحجُّ في حالِ الشَّيخوخةِ بأنْ أسلمَ وهو شَيْخٌ كبيرٌ، أو حَصَلَ له المال في هذه الحالة.
          وقوله: (لا يَثْبُتُ) يحتملُ أن تكون الجملةُ صِفةً ﻟ (شَيْخاً)، وأن تكونَ حالاً منْه أو من (أَبِي).
          قوله: (أَفَأَحُجُّ عَنْهُ) أي: أيَجوزُ لي أنْ أَنوْبَ عنْه، فأحجُّ عنْه، فالهمزةُ للاستفهام، وهي داخِلةٌ على مُقدَّرٍ، وهذا المقدَّرُ هو المعطوف عليه، والتَّقدير كما تقدَّم: أيَجوزُ لي أن أَنوبَ عنه، فأحجُّ عنه، أوِ التَّقدير: أَأَنُوْبُ عنْه، فأحجُّ عنْه.
          قوله: (قَالَ): أي: النَّبيُّ صلعم.
          وقوله: (نَعَمْ) أي: حُجِّي عنْه.
          قوله: (وذلك) أي: ما ذكر مِن هذا السُّؤال (في حَجَّةِ الوَدَاعِ)، أي: واقِعٌ فيها، سُمِّيت بذلك؛ لأنَّ النَّبيَّ صلعم ودَّع النَّاسَ فيها، وكان عددُ مَن معه من المسلمين في تلك الحجَّة أربعين ألْفاً.
          وقيل: مئةٌ وعشرون ألْفاً.
          وقيل: تسعون ألفاً.
          وقيل: مئةً وأربعة عشر ألفاً.
          وكانتِ الوقفةُ فيها يَوْمَ الجُمُعةِ، وأخرجَ صلعم نساءَه كُلَّهنَّ في الهوادجِ، وكانتْ جُمْلَةُ هَدْيِهِ مئةً.
          وقيل: ثلاثاً وستِّين.
          وأعتقَ صلعم فيها مئةً وستِّين رَقَبةً، وحلقَ رأْسَه بمِنًى وبدأَ بالجانب الأيْمن ثُمَّ الأيْسر، ولم يحج صلعم بعد فَرْضِ الحجِّ سِوى حَجَّة الوَداع.
          وقد تقدَّم أنَّ حَكيْمَ بنَ حِزَامٍ أعْتقَ مئة رقبةٍ، وأهدى مئة بدنةٍ وألْف شاةٍ، وحجَّ معه عبدُ الله بنُ جعفرٍ ومعه ثلاثون راحِلةً، وهو يمْشي على رِجْلَيْه حتَّى وقَفَ بعَرَفَةَ فأعتقَ ثلاثين مملوكاً وحملهم على ثلاثين راحِلةً، وأمدَّهُم بثلاثين ألْفاً، وقال:
          «أعْتقتُهم لله، لعلَّه يُعتقني منَ النَّارِ».
          وهذا الحديثُ ذَكَره البُخاريُّ في باب: وُجُوبِ الحجِّ وفَضْلِهِ.