حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

باب: لا صدقة إلا عن ظهر غنى

          72- قولُه: (البُخَارِي...) [خ¦18/24-2245] إلى آخرِه.
          إنَّما لم يأتِ بصَحابيٍّ، لكَونه مُعلَّقاً، وقدِ اشتملت على أربعةٍ مُعلَّقةٍ:
          أوَّلها: (مَنْ أَخَذَ).
          ثانيها: (كَفِعْلِ أبي بَكْرٍ).
          ثالثها: (وَكَذلِكَ آثَرَ الأنْصَارُ).
          رابعها: (وَنَهى النَّبيُّ(1)...) إلى آخرِهِ.
          قوله: (مَنْ أَخَذَ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ...) إلى آخرِه.
          وذلك كأنْ أخذَ دِيْناراً مِن شَخْصٍ وتَصدَّق بِه، وهو لم يجد لهُ وفاءً، (أَتْلَفَهُ اللهُ) أي: أهْلَكَه.
          قوله: (إلَّا أن يكونَ مَعْرُوفاً بالصَّبْرِ) هذا الاستثناءُ ليس من كلامِ النَّبيِّ صلعم، وإنَّما هو استثناءٌ مِن ترجمةِ البخاريِّ في قوله: باب: لا صَدَقَةَ إلَّا عَن ظَهْرِ غِنًى.
          فهو مِن كلامِه، أو مُستثنى مِن قولِه بعْدُ:
          (ومَنْ تَصَدَّقَ وهُو مُحْتاجٌ، أو أَهْلُهُ مُحتاجُوْنَ، أوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ)، بأنْ كانَ صاحبُ الدَّيْن يَصْبِرُ على المَدِيْنِ، فالمعنى على الأوَّل:
          لَه أنْ يتصَدَّق مَع عدم الغِنى، إذا كان (مَعْرُوْفاً بالصَّبْر).
          وعلى الثَّاني:
          له أن يتَصدَّق معَ الحاجةِ لأهْلِه أوْ نفْسِه، أو مَع دَيْنه بأن يعرفَ أنْ نفسَه أو أهلَه يصبرونَ، أو أنَّ الدَّائنَ يصْبِرُ.
          قوله: (فَيُؤْثِرَ) أي: يُقدِّم غيرَه على نفْسِه، أي: وعلى أهْلِه إنْ عَلِمَ رِضاهُم.
          قولُه: (خَصَاصَةٌ) أي: فَقْرٌ وحاجةٌ.
          قوله: (بِمالِهِ) أي: بجميع مالِه، كَما في رِوايةِ أبي داوُدَ(2).
          قوله: (وكذلك آثَرَ) بالمدِّ، أي: قدَّمَ الأنصارُ المهاجِرين على أنفُسِهم حين قَدِمَ المُهاجرون المدينةَ وليس بأيديهم شيءٌ، حتَّى إنَّ مَن كان عِنْده منَ الأنصارِ امرأتانِ طلَّق واحدةً وزوَّجَها لأحدِ المُهاجِرين / القادِمِين.
          قوله: (إضَاعَةِ المَالِ) أي: مال نفْسِه، فإضاعةُ مالِ غَيْره أَوْلى؛ فلذلك قال: (فَلَيْسَ لَه) أي: للمدين (أنْ يُضَيِّعَ أمْوالَ النَّاسِ بعِلَّةِ الصَّدَقَةِ)، أي: بأن يَسْتدين دَيْناً، ثمَّ يتصدَّق بما عِنْده من المالِ، فيجعل الصَّدقةَ علَّةً في تَضْيِيع مالِ النَّاسِ.
          وهذا الحديثُ ذَكَره البُخاريُّ في باب: «لا صَدَقَةَ إلَّا عَن ظَهْرِ غِنًى»، ومَن تصدَّق وهو محتاجٌ، أو أهلُه مُحتاجون، أو عليه دَيْنٌ، فالدَّيْن أحقُّ أن يُقضى من الصَّدَقة والعِتْقِ والهِبَةِ، وهو ردٌّ عليه، ليس له أن يُتْلِفَ أمْوالَ النَّاسِ.
          فقوله (مِنَ الصَّدَقَةِ) مُتعلِّقٌ ﺑ (أَحَقُّ).
          وقوله: (وَهُوَ رَدٌّ) أي: مَرْدُودٌ عليه، فلا تقبل صدقتُه ولا هِبتُه ولا عِتْقُه؛ لأنَّه (ليسَ لَه أنْ يُتْلِفَ أمْوالَ النَّاسِ) في الصَّدَقةِ.


[1] كذا في الأصل، وسقطت من «م»:
[2] سنن أبي داود ░1678▒.