حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: قال رجل: لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته

          70- قوله: (قَالَ رَجُلٌ) [خ¦1421] أي: منْ بَني إسْرائيلَ. /
          قوله: (لَأَتَصَدَّقَنَّ) القسَمُ مُقدَّرٌ لدلالةِ اللَّامِ على ذلك، أي: والله لأَتصَدَّقنَّ، وفي رِوايةٍ التَّصريح به في المواضع الثَّلاثة، وهذا من بابِ الالتزام كالنَّذْرِ.
          قوله: (فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ) أي: لأجْلِ وَضْعِها في يَدِ مُستحقٍّ، فصادَفَ سارِقاً، (فَوَضَعَهَا...) إلى آخرِه.
          وقوله: (فَوَضَعَهَا في يَدِ سَارِقٍ) أي: وهُوَ لا يعلَمُ أنَّه سارِقٌ.
          قوله: (فَأَصْبَحُوا) أي: بَنو إسرائيلَ الذين منهُم هذا المُتصدِّق، والواوُ اسمُ (أَصْبَحَ)، وجملةُ قولِه: (يَتَحَدَّثُوْنَ) في محلِّ نَصْب خَبَر.
          قوله: (تُصُدِّقَ) بضمِّ التَّاء والصَّادِ، مبْنياً للمَجهول، وهذا إخْبارٌ على وَجْه التَّعجُّب أوِ الإنكارِ، أي: في معناه.
          قوله: (فَقَالَ) أي: المُتصَدِّق.
          وقوله: (اللَّهُمَّ لَكَ الحمْدُ) أي: على تصَدُّقي على سارِقٍ مِن حيثُ كونُ هذا الأمْر مُراداً لك، فإنَّ مُراداتك كُلَّها جميلةٌ.
          و(لَكَ) خَبَرٌ مقدَّمٌ، و(الحمْدُ) مُبتدأٌ مؤخَّرٌ، وقُدِّمَ الخبرُ للاخْتصاص، أي: الحمْدُ لك لا لغَيْرك.
          قوله: (فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ) أي: ليَضعها في يدِ مُستحقٍّ، (فَأَصْبَحُوا) أي: بنُو إسْرائيْلَ.
          قوله: (تُصُدِّقَ) بالبناءِ للمَفعولِ، ونائب الفاعِل الظَّرْفُ ﻓ (اللَّيْلَة) بالرَّفْع أوِ الجارِّ والمجرور، ﻓ (اللَّيْلَةَ) بالنَّصْب على الظَّرفيَّة.
          قوله: (على زَانِيْةٍ) أي: على تَصَدُّقي على امْرأةٍ زانيةٍ، منْ حيثُ كونها مُرادةً لكَ كما مَرَّ.
          وفي بعضِ النُّسخِ حذف (على زانِيَةٍ).
          قوله: (في يَدِ غَنِيٍّ) أي: وهو لا يعلمُ أنَّه غَنيٌّ؛ وهذا هُو موضعُ ترجمةِ البخاريِّ.
          قوله: (فَأُتِيَ) بضمِّ الهمْزة، وكسرِ التَّاءِ الفوقيَّة، مبْنياً للمجهول، أي: أتاهُ آتٍ في مَنامِه، أو أتاهُ هاتِفٌ من مَلَكٍ أو غيره، بحيث يسمع صوتَه ولا يَرى ذاتَه، أو أتاهُ عالِمٌ فأفتاهُ بذلك.
          قوله: (أمَّا صَدَقَتُكَ على سَارِقٍ) وفي رِوايةٍ: «أَمَّا صَدَقَتُكَ فَقَدْ قُبِلَتْ، فأمَّا على سارِقٍ فلَعَلَّهُ...»(1) إلى آخرِه.
          قوله: (يَسْتَعِفَّ) أي: يمنع نفْسَه من السِّرْقةِ.
          قوله: (أنْ يَعْتَبِرَ فَيُنْفِقَ) بنَصْب الفِعْلين لا غير.
          وفي روايةٍ: «فَلَعَلَّهُ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ»، فيجوزُ رَفْع (يُنْفِقَُ) ونصبُه، والرَّاجحُ الرَّفْعُ كما هو الرِّواية؛ لأنَّ التَّرجِّيَ ليس من الأجوبة الثَّمانية على الرَّاجحِ، وإنْ عدَّه بعضُهم مِنْها.
          وأمَّا الفعلُ الأوَّلُ على الرِّواية الثَّانية فهو بالرَّفْع لا غَيْر.
          قوله: (مِمَّا آتَاهُ اللهُ) أي: أعطاهُ.
          وأخذ مِن ذلك الحديث أنَّ نيَّةَ المُتصدِّقِ إذا كانتْ صالحةً قُبلَت صدقَتُه، وإذا دفعَ الإنسانُ صدقَتَه لِغَنيٍّ _على ظَنِّ أنَّه فقيرٌ، وكانت واجبةً_ لا تُجزي، فَلَه اسْترْدادها خلافاً لأبي حنيفَةَ وصاحبِه محمَّدٍ، حيثُ قالا بسقُوطِ الصَّدَقةِ الواجِبةِ.
          وهذا الحديثُ ذَكَره البُخاريُّ في باب: صدَقة السِّرِّ.
          كذا قالَ الأُجْهُوريُّ.
          ولكنَّ الموجودَ أنَّه في بابِ: إذا تصدَّق على غنيٍّ وهو لا يعلمُ، أي: لا يعلم أنَّه غنيٌّ، إلَّا أن يقالَ(2): إنَّ للبُخاريِّ رِوايتَين:
          فرِوايةُ أبي ذَرٍّ التَّرجمة بباب: صدقَة السِّرِّ.
          ورِوايةُ غَيْرِه التَّرجمة بباب: إذا تصدَّق على غنيٍّ وهو لا يَعْلَمُ.


[1] مسلم 78/1022.
[2] في نسختي: ترجم البخاري بـ(باب صدقة السر) لكنه لم يخرج فيه حديثاً، بل ذكر حديثاً معلقاً وآية من القرآن ثم ترجم بـ(باب: إذا تصدق...).