حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته

          50- قوله: (يَقُوْلُ: سَمِعْتُ رَسُوْلَ الله) [خ¦893]، ولكريمةَ: (قَالَ: إنَّ رَسُوْلَ الله...) إلى آخرِه، وجملةُ (يَقُوْلُ) حاليَّةٌ، أي: حالة كون المُصطفى صلعم يقول: (كُلُّكُمْ رَاعٍ)، أيْ: كلُّ واحدٍ منكُم حافظٌ لأعضائِه وجوارِحِه وحواسِّه، أي: كلُّ واحدٍ منكُم مأمورٌ بحُسن تعهُّدِها وصرفها في مرضاةِ الرَّبِّ جَلَّ جلالُه، ومأْمورٌ بصَلاح ما قامَ عليه وما هو تحت / نَظَرِه، فكلُّ مَن كان تحت نظَرِه شيءٌ فهو مطْلوبٌ بالعدلِ فيه والقيام بمَصالحه في دِيْنه ودُنياه ومُتعلَّقاته، فإنْ وَفَى ما عَلَيه من الرِّعاية حصَلَ له الحظُّ الأوْفرُ والخيرُ، وإلَّا طالبَه كلُّ واحدٍ من رَعِيَّتِه في الآخِرة بحَقِّه.
          قوله: (وَكُلُّكُمْ مَسْؤُوْلٌ) أي: في الدَّارِ الآخرةِ.
          ولأبي الوَقْت وابنِ عَساكرَ والأَصيْليِّ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».
          قوله: (الإمَامُ رَاعٍ) أي: فيمَن وَلِي عليهم، يُقيمُ فيهمُ الحدودَ والأحْكامَ على سنن الشَّرع.
          قوله: (وَالرَّجُلُ رَاعٍ في أَهْلِهِ) أي: فيُوفِّيهم حُقوقَهم من النَّفقة والكِسْوةِ والمعاشرةِ بالمعروف، والمرادُ ﺑ (أَهْلِهِ) زوجتُه ومَن يلزمه نفقته منْ أُصولٍ وفُروعٍ.
          قولُه: (وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) وفي رِوايةٍ إسقاطُ لفظِ «هُوَ».
          قولُه: (وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ في بَيْتِ زَوْجِهَا) أي: بحُسن تدبيْرها في المعيشة والنُّصْحِ لَهُ والأمانةِ في مالِه وحِفْظِ عيالِه وأَضْيَافِه ونَفْسِها.
          قوله: (وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا) أي: مِن مالِه ونفسِه وضُيوفِه وعيالِه ونفْسِها.
          قوله: (وَالخادِمُ رَاعٍ في مَالِ سَيِّدِهِ) بأنْ يحفظَ مالَ سَيِّده، ويقومُ بما عليه مِن حقوق السَّيِّدِ، فَرَعِيَّتُه مَالُ سيِّدِه.
          قوله: (قَالَ) أي: ابنُ عُمَرَ.
          وقوله: (أَنْ قَدْ قَالَ)، (أَنْ) مخفَّفةٌ مِن الثَّقيلة.
          ولأبي ذَرٍّ والأَصِيْليِّ، عَنِ الكُشْميهَنيِّ: «أنَّهُ قَالَ»، أي: النَّبيُّ صلعم.
          قوله: (وَالرَّجُلُ رَاعٍ في مَالِ أَبِيْهِ) أيْ: بأنْ يحفظَه ويُدبِّر مَصالحه.
          قوله: (وَمَسْؤُولٌ)، وفي رِوايةِ أبي ذَرٍّ والأَصيْليِّ: «وَهُوَ مَسْؤُولٌ».
          قوله: (وَكُلُّكُمْ رَاعٍ) أي: مُؤتمنٌ حافِظٌ مُلتزِمٌ لإصْلاح ما قامَ علَيْه.
          قوله: (وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)، ولابنِ عَساكرَ(1): «فكُلُّكُمْ رَاعٍ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»، بالفاءِ بَدَلَ الواوِ، وإسقاط الواوِ مِنْ (وَمَسْؤُولٌ).
          ولأبي ذَرٍّ في نُسخةٍ: «فَكُلُّكُمْ _بالفاءِ_ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ»، وكذا للأَصِيليِّ، لكنَّه قال: «وَكُلُّكُمْ» بالواوِ بَدَلَ الفاءِ.
          وفي هذا الحديْث منَ النُّكَتِ أنَّه عمَّم أوَّلاً بقولِه: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»، ثمَّ خصَّص ثانياً، وقسَّمَ الخصوصية إلى أقْسامٍ خَمْسةٍ:
          القِسمُ الأوَّل: مِن جهةِ الإمامِ، بقوله: (الإمَامُ رَاعٍ).
          والقسْم الثَّاني: منْ جِهة الرَّجُلِ في أهْله، بقولِه: (وَالرَّجُلُ رَاعٍ في أَهْلِهِ).
          والقِسْم الثَّالث: منْ جهةِ / المرأةِ في مالِ زوْجِها، بقَوله: (وَالمَرأةُ رَاعِيَةٌ في مَالِ زَوْجِهَا).
          والقِسْم الرَّابع: من جهةِ الخادِمِ، بقوْله: (وَالخادِمُ رَاعٍ في مَالِ سَيِّدِهِ).
          والقسم الخامِس: من جهَة النَّسب، بقوله: (والرَّجُلُ رَاعٍ في مَالِ أَبِيْهِ).
          ثمَّ عمَّم ثالثاً بقوله: (وَكُلُّكُمْ رَاعٍ)، وهذا التَّعميمُ تأكيدٌ للتَّعميْم الأوَّل، وفيه ردُّ العجز للصَّدْر بَياناً لعُموم الحكم أوَّلاً وآخِراً.
          قيلَ: وفي هذا الحديث دليلٌ على أنَّ الجمُعة تُقام بغير إذْنٍ من السُّلْطان إذا كان في القوم مَن يقوم بمَصالحهم؛ وهذا مذْهبُ الشَّافعيَّة، إذْ إذْنُ السُّلطان ليس شرْطاً في صحَّة الجمُعة وسائر الصَّلواتِ.
          وبهذا القول قالَ المالكيَّةُ والإمامُ أحمدُ في رِوايةٍ عنْه.
          وقال الحنفيَّة _وهُو رِوايةٌ عَنِ الإمام أحْمدَ_: إنَّ إذْنَ الإمام شَرْطٌ في إقامة الجمُعةِ؛ لقولِه صلعم: «مَنْ تَرَكَ الجمُعة ولَه إمامٌ عادِلٌ أوْ جائرٌ، لا جَمَعَ اللهُ شَمْلَهُ».
          رواهُ ابنُ ماجَهْ[1081] والبزَّارُ وغيرُهُما(2).
          فحينئذٍ لا بُدَّ أنْ يكون لَه إمامٌ حتَّى يقيم الجمعةَ.
          وهذا الحديثُ ذكَره البُخاريُّ في باب: الجمُعة في القُرى والمُدن.
          وموضعُ هذه التَّرجمةِ قوْلُه في الحديث: (الإمَامُ رَاعٍ)؛ لأنَّه لمَّا كان [رُزَيقٌ](3) عامِلاً من جهة الإمام على الطَّائفة، فكانَ عليه أنْ يُراعيَ حُقُوقَهم، ومن جُملتها إقامة الجمُعة، فيجبُ عليه إقامتها، وإنْ كانتْ في قَرْيةٍ.


[1] من هنا يبدأ السَّقط في الأصل.
[2] المعجم الأوسط 1261، البيهقي في شعب الإيمان 2754.
[3] في جميع النُّسخ و«م»: «زريق». وهو تصحيفٌ، والمثبت من «الصَّحيح».