حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار

          4- قولُه: (عَنْ أَبي بَكْرَةَ) [خ¦31] كُنيتُه، وإنَّما كُنِّي بها لأنَّه تدلَّى من حصنِ الطَّائفِ إلى النَّبيِّ صلعم ببَكْرَةٍ، فإنَّه كان أسلمَ وعجزَ عنِ الخُروج إلَّا هكذا.
          و(بَكْرَةَ) بفَتْح الكافِ وسُكونها، واسمُه نُفَيْعُ ابنُ كَلَدَةَ بفَتْح الكافِ واللَّام، ولَه في البُخاريِّ أربعة عشر حديثاً.
          وقالَ هذا الحديثَ أبو بَكْرةَ للأَحْنَفِ بنِ قَيْسٍ حينَ رآهُ ذاهِباً إلى القِتالِ مَع عليٍّ لقِتالِ مُعاوِيةَ، فقال لَه أبو بَكْرةَ: أينَ تُريد؟ قال: أُريد نُصرة هذا الرَّجُل، أَعْني: عليّاً.
          فقال: ارْجع؛ فإنِّي سمعتُ رسوْلَ الله صلعم يقول: «إذا التَقَى المُسْلِمانِ...» إلى آخِره، فوافقَه، ثمَّ رجعَ عَن مُوافقتِه وقاتَلَ مَع عليٍّ وشَهِد معَه باقي حُروبِه.
          قوله: (إذَا الْتَقَى المُسْلِمانِ...) إلى آخرِه.
          هذا الحديثُ محمولٌ على ما إذا كانَ القتالُ بينهما منْ غير تأْويلٍ سائغٍ، أمَّا إذا كانَا صحابيَّين _مثَلاً_ كوقعةِ عليٍّ ومُعاويةَ فأمرُهما عنِ اجتهادٍ لإصلاحِ الدِّين، والمصيبُ له أَجرانِ والمُخطئ له أجرٌ واحِدٌ.
          وإنَّما / حملَ أبو بَكْرةَ الحديثَ على ظاهرِه حَسْماً وسَدّاً لِبابِ القَتْلِ.
          قولُه: (بِسَيْفَيْهِمَا) المرادُ منْه آلةُ الحربِ، وإنَّما خصَّ السَّيف بالذِّكْر لأنَّه أشهرُها.
          قوله: (فَالقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ في النَّارِ) أي: فجزاؤُهما في النَّار، أي: وقوعهما فيها، فلا يُنافِي العفو عنهما أو عَن أحدِهما.
          فلا دليل في الحديث لأهْل الاعْتِزالِ القائلين بوُجوب عِقابِ العاصي.
          قوله: (هذا القَاتِلُ) اسمُ الإشارة مُبتدأٌ، و(القَاتِلُ) بدَلٌ أو عطْفُ بَيانٍ، والخبَرُ محذوفٌ تقديرُه: أَمْرُه ظاهرٌ.
          قوله: (فَمَا بَالُ المَقْتُوْلِ) أي: فما حالُه ووصفه حتَّى يكون في النَّار.
          قوله: (إنَّهُ كَانَ حَرِيْصاً) أي: عازِماً على قَتْل صاحبِه، وهذا يدلُّ على أنَّ العزمَ يؤاخذ به، وهو لا يُنافِي حديث: «مَنْ هَمَّ بسيِّئةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لم تُكْتَبْ عَلَيْهِ»؛ لأنَّ الهمَّ دُون العَزْمِ.
          وهذا الحديثُ ذَكَره البخاريُّ في بابِ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات:9].
          قوله: (صَاحِبِهِ) أي: المُصاحِب لَه وإنْ لم تطلْ عِشْرتُه بِه.