حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب

          47- قوله: (هَلْ نَرَى) [خ¦806] أي: نُبصر، فالرُّؤيةُ بصريَّة لا عِلْميَّة؛ لأنَّها لو كانت عِلْميَّة لاحْتاجت لمفعولٍ ثانٍ، وليسَ مَوجوداً.
          قوله: (هَلْ تُمارُوْنَ) بضمِّ التَّاءِ الفوقيَّة والرَّاء، مِنَ المُمارَاةِ، وهي المُجادَلَةُ.
          وللأَصيْليِّ: «تَمَارَوْنَ» بفتْح التَّاءِ والرَّاءِ، وأصلُه: تَتمارون، حُذفتْ إحْدى التَّاءَيْنِ. أي: هلْ تشكُّون في القَمَر، أي: في رُؤيته، فهو على حذْفِ مُضافٍ.
          قوله: (لَيْلَةَ البَدْرِ) المُرادُ ليلةُ أربع عشرة، وإنَّما قيل له: بَدْرٌ، لأنَّه يُبادِر الشَّمْسَ بالطُّلوعِ.
          قولُه: (لَيْسَ دُوْنَهُ) أي: القَمَرِ سَحَابٌ، أيْ: غيمٌ(1) مانعٌ مِن الرُّؤيةِ.
          قوله: (قَالُوا: لا) أي: لا نُمارِي في القَمر ليلة البَدْرِ.
          قوله: (تُمارُوْنَ) فيه ما تقدَّم من الرِّوايتَين.
          قوله: (في الشَّمْسِ) ولأَبي ذَرٍّ والأَصيْليِّ: «في رُؤْيَةِ الشَّمْسِ» بزيادةِ: «رُؤْيةِ».
          قولُه: (قَالُوا: لا) وللأَصِيْليِّ: «قَالُوا: لا، يا رَسُوْلَ الله».
          قوله: (قَالَ) أي: النَّبيُّ صلعم: «فَإنَّكُم تَرَوْنَهُ»، أي: الله سُبحانه وتعالى كذلك، أي: رؤيةً واضحةً جليَّةً ظاهرةً منكشفةً.
          فالمرادُ التَّشْبيهُ في الوضوح، لكن تلْك الرُّؤية مجرَّدةٌ عنِ ارْتِسَامِ صُوْرة المَرْئيِّ في البَصَرِ، وعنِ اتِّصال الشُّعاعِ بالمرئيِّ، وعن الجهة والمكان، وعنِ المُقابلة؛ لأنَّ هذه أُمورٌ لازِمةٌ للرُّؤية عادةً، والعقلُ يُجوِّزُ الرُّؤيةَ بدون تلْك الأُموْر.
          قالَ اللَّقَّانِيُّ:
ومنْهُ أنْ يُنْظَرَ بالأبصارِ                     لكِنْ بلا كَيْفٍ ولا انْحِصَارِ
          فرُؤيتُه ╡ ليستْ متَّصفةً بما تتَّصِفُ به رُؤيةُ الحادِثِ.
          تَنْبِيهٌ:
          اعلمْ أنَّ رُؤيةَ الله ╡ في الآخرة مخْصُوصةٌ بالمؤمنين على الصَّحيْح.
          وقيل: إنَّ الكُفَّار يَرَوْنَه ثمَّ يُحجبون عنْه، فتكون الحجبةُ حَسْرةً عليهم ونَدامةً، والمؤمنون ينظُرون رَبَّهم في دارِ السَّلام، يخرجون إليها من قُصورِهم في كُلِّ جُمعةٍ كما يخرج النَّاسُ إلى مُصلَّاهم يوم الفطْر ويوم الأضْحى، فبينَما هُم فيها فإذا بالحجبِ قدِ انكشفتْ عنِ الخلائق؛ لأنَّ الحجبَ عليهم لا على الخالِق.
          ومَن اعتقدَ أنَّ الحجبَ تجوز على الحقِّ تعالى فقد جهلَ صفات الرُّبوبيَّة، فإذا انكشفَتِ الحجب بَدَا لهم الجبَّارُ جلَّ جلالُه فينظرون إلى شيء(2) {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، فينظره المؤمن فلا يرى له فَوْقاً ولا تَحتاً ولا يمِيناً ولا شمالاً ولا أمَاماً ولا خَلْفاً، ولا يخطر ببالِ المؤمن شيءٌ إلَّا الله سبحانَه وتعالى، ولا يجد لشيءٍ لذَّةً إلا النَّظَر إلى وَجْهِه سُبحانَه وتعالى، فيحتارُ العَبْدُ في عظَمَته تعالى وجلاله حتَّى / لا يشعر بمَن حَوْله منَ الخلائقِ وينسى كُلَّ شيءٍ إلَّا الله سُبحانه وتعالى فينظر العَبْدُ ببَصَرِه وبصيرتِه الرَّبّ من غير أنْ يدرك بهما نهايةً له سُبحانه وتعالى، ومن غير إحاطةٍ، ويَرَوْنه بلا حركةٍ ولا سُكونٍ ولا مجيءٍ ولا ذهابٍ.
          واعلمْ أنَّه قدِ اختلفَ في نساء هذه الأُمَّة، هل يَرَوْن رَبَّهم في دار السَّلام أَمْ لا، على ثلاثة مذاهب:
          أحدها: إنَّهنَّ لا يرون الله ╡؛ لعدمِ النَّصِّ الصَّريح، فهُنَّ {مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} [الرحمن:72].
          والمذهب الثَّاني: إنَّهنَّ يرَوْنَه ╡ أخْذاً من عُمومات الأحادِيث الوارِدةِ في الرُّؤية.
          والمذهب الثَّالث: إنَّهنَّ يَرَوْنَه في مثلِ الأعيادِ، فإنَّه تعالى يتجلَّى في مثل أيَّام الأعْيادِ لأهْل الجنَّة تجلياً عامّاً، وأمَّا التَّجلِّي الخاصُّ فيكون في كُلِّ جُمعةٍ، أو في كُلِّ يومٍ وليلةٍ، أو بُكْرة وعشيَّة بحسَبِ الأعْمال.
          واختلفَ هلِ الملائكة يَرَوْنَه أَوْ لا؟
          فجزَمَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّين(3) بأنَّ الرُّؤية خاصَّةً بالمؤمنين، ولا رُؤية للملائكة أصْلاً.
          وقالَ السُّيُوطيُّ: الأقربُ أنَّهم يَرَوْنَه كما نصَّ على ذلك الإمامُ الأشْعَريُّ(4) والإمامُ البَيْهَقيُّ، وذكَرَ البيهقيُّ في ذلك حديثَين.
          ومنَ العلماءِ مَن قال: إنَّ جِبْريلَ يراهُ دونَ باقي الملائكةِ.
          وأمَّا الجنُّ فلا نصَّ فيهم، لكن على كلام الشَّيْخ عِزِّ الدِّين المتقدِّم فالجِنُّ أَوْلى بالمنْع من الملائكة؛ إذْ هُم أشرفُ من الجِنِّ كما قالَه صاحِبُ «آكام المرجان في أحْكام الجان»(5).
          قولُه: (يُحْشَرُ النَّاسُ) أي: يُجمعونَ.
          وقوله: (فَيَقُوْلُ) أي: اللهُ، أوِ المَلَك.
          قوله: (فَلْيَتَّبِعْ) بتشْديدِ المثنَّاة الفَوقيَّة، وكَسْر الباءِ الموحَّدة بدون ضميْر المفعول.
          ولِأَبَوي ذَرٍّ والوَقْتِ: «فَلْيَتَّبِعْهُ» بضميْر المفعولِ مَع تشديدِ التَّاءِ الفَوقيَّة وكسرِ الباءِ، أوِ التَّخفيف مَع فتْحِ الباءِ الموحَّدة، وهو الذي في اليُونينيَّة لا غير.
          قولُه: (مَنْ يَتَّبِعُ) بالتَّشْديدِ(6)، وهُم عُبَّادُها.
          قوله: (الطَّوَاغِيْتَ) جمعُ طاغُوْت، وهو الشَّيْطانُ.
          وقيل: الصَّنَم.
          وقيل: كُلُّ ما عُبِدَ مِن دونِ الله وصَدَّ عَن عِبادة الله تعالى.
          وقيل: كلُّ رأْسٍ من الضَّلالِ.
          وقيل: السَّاحِر.
          وقيل: الكاهِن.
          وقيل: مَرَدَةُ أهْلِ الكتابِ.
          وهو فَعْلُوْتٌ مِنَ الطُّغيان، قُلِبت عَيْنُه ولامُه.
          قوله: (هذِهِ الأُمَّةُ) أي: المُحمَّديَّة.
          وقوله: (فِيْهَا مُنافِقُوْهَا) أي: في هذه الأُمَّة مُنافِقُوها ليستتروا بِهم كما كانوا في الدُّنيا، وإنَّما تستروا بهم في الآخِرة رجاء نفعِهم بهذا التَّستُّر حتَّى ضُرِبَ {بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} [الحديد:13 / فالباطنُ من جهة المؤمنين، والظَّاهرُ من قِبَلِ المُنافقين.
          قوله: (فَيَأْتِيهِمُ اللهُ) أيْ: يأْتي هذه الأُمَّة المحمَّديَّة.
          فإنْ قلْتَ: ما معنى إتْيان الله تعالى مَع أنَّه تعالى مُنزَّه عنِ الحركاتِ؟!
          أُجِيْبَ بأنَّ المرادَ بالإتْيان الظُّهورُ مَجازاً، من إطْلاق الملزوم وهو الإتيان وإرادة اللَّازم وهو الظُّهور، أي: يظهر لهم في غير صِفَتِه التي يعرفونَه بها في الدُّنيا كالقُدْرة وغيرها من الصِّفاتِ التي تعبّدهم بها في الدُّنيا امْتحاناً منْه تعالى لهم ليقع التَّمْييزُ بينهم وبينَ غيرهم ممَّن يَعْبد غيره تعالى.
          قولُه: (فَيَقُوْلُ: أَنَا رَبُّكُمْ) أي: فيستعيذونَ بالله منْه؛ لأنَّه لم يظهَرْ لهم بالصِّفاتِ التي يعرفونَها.
          وقوله: (فَيَقُوْلُوْنَ: هذا مَكَانُنَا)، القائلُ ذلك هُمُ المؤمِنونَ، وأمَّا المُنافِقونَ فيسكتون، فيحصل التَّمْييز بينهُما بسُكوْتِ المنافقين وعدم رُؤيتهم للرَّبِّ جَلَّ جلَالُه.
          قوله: (مَكَانُنَا) بالرَّفْع خبرُ المبتدإ الذي هو اسم الإشارة.
          قوله: (حَتَّى يَأْتِيْنَا رَبُّنَا) أي: يظهر لنا بالصِّفاتِ المعروفة لنا.
          وقوله: (فَيَأْتِيْهُمُ اللهُ) أي: فيظهر لهم بصفاتِه المعرُوفة عِنْدهم، وقد تميّز المؤمن من المُنافِق.
          وقوله: (فَيَقُوْلُ: أَنَا رَبُّكُمْ) أي: فيَرَوْنه، فيعرِفونَه بالصِّفاتِ التي عَرفوها من وَصْف الأنبِياءِ لهم في الدُّنيا.
          قوله: (فَيَدْعُوْهُمْ) أي: رَبُّهم إلى المروْرِ على الصِّراط لدُخُولِ دارِ السَّلام.
          وقوله: (فَيُضْرَبُ) بالفاءِ وضمِّ الياءِ التَّحتيَّة وفَتْحِ الرَّاءِ، مبْنياً للمَجهول.
          ولأبوي ذَرٍّ والوقْتِ والأَصيْليِّ وابنِ عَساكرَ: «وَيُضْرَبُ».
          أي: يُوضَع الصِّراطُ، وهو لُغةً: الطَّريقُ الواضِحُ.
          وشَرْعاً: جسرٌ ممدودٌ على متْن جهنَّم _أي: ظهرها_، يَرِدُهُ الأوَّلون والآخرون إلى الجنَّة أوِ النَّار، فيمرُّ عليه أهلُ السَّعادة وأهلُ الشقاوةِ.
          وهو يختلفُ بحسبِ النَّاسِ، فبعضُهم يكون في حَقِّه عريضاً، وبعضُهم يكون في حقِّهِ ضَيِّقاً، وهُو مخلوقٌ مَع جهنَّم فوضعَ في يوم القيامة عليها لأجْلِ المرور عليه.
          ويحتملُ خلقه الآن، أي: وَقْت ما دعاهُم الله إلى المرور عَليْه.
          والرَّاجحُ الأوَّلُ.
          قوله: (بَيْنَ ظَهْرَانَي) بفتْح الظَّاءِ المعجَمة، وسكون الهاءِ، وفتح النُّون، أي: ظهري، فزيدتِ الألفُ والنُّونُ للمُبالغة، / والمرادُ من المثنَّى المفرد، وعبَّر بالمثنَّى تعظيماً لظهر جهنَّم، فظهرُها عظيمٌ، والظَّاهر أنَّ لفظة «ظَهْرَانَيْ» مقحمةٌ، أي: زائدةٌ، و(بَيْنَ) بمعنى: على، أي: يُضربُ ويُوضع على جهَنَّم.
          قوله: (مَنْ يَجُوْزُ) بالواوِ.
          وفي رِوايةٍ: «يُجِيْزُ» بالياءِ بَدَلُ الواوِ مَع ضمِّ الأوَّل، يقال: جازَ يَجُوْزُ، وأَجَازَ يُجِيْزُ، وهي لُغةٌ فيه أيْضاً.
          قالَ في «المخْتارِ»: جازَ المَوْضِعَ: سَلَكَهُ وَصَارَ فِيْهِ، يَجُوْزُ جَوَازاً، وأَجَازَهُ: خَلَّفَهُ وقَطَعَهُ. انتهى.
          أي: مَن يمرُّ ويقطعُ مسافةَ الصِّراطِ.
          والحاصلُ: إنَّ كلَّ نبِيٍّ يجوزُ على الصِّراطِ مَع أُمَّتِه بعد جَوازِ نَبِيِّنا ╕ مَع أُمَّتِه عليه.
          وأمَّا دُخُولُ الجنَّة، فأوَّلُ النَّاسِ دُخولاً فيها نَبِيُّنا صلعم، ثمَّ الأنبِياء بَعْدَه، ثمَّ أُمَّة مُحمَّدٍ صلعم؛ كما نصَّ عليه القُرْطُبيُّ ⌂.
          قوله: (وَلَا يَتَكَلَّمُ أَحَدٌ) أي: لشدَّة الهوْلِ والفَزعِ.
          وقوْله: (يَوْمَئذٍ) أي: يوم الإجازة على الصِّراطِ.
          قوله: (إلَّا الرُّسُلُ) أي: فإنَّهم الذين يتكلَّمون في وَقْتِ الإجازةِ على الصِّراطِ، وأمَّا قبل المروْرِ على الصِّراطِ فغَيْر الرُّسُل يتكلَّم، قالَ اللهُ تعالى: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا} [النحل:111].
          قوله: (وَكَلَامُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ) أي: يوم المرور على الصِّراط.
          والمتكلِّمُ يحتملُ أن يكون جميع الرُّسُل عِنْد مُرورِ كلِّ أُمَّةٍ.
          ويحتمل أنْ يقولَه النَّبيُّ الذي يمرُّ بأُمَّتِه فقطْ.
          ويحتمل أنْ يقولَه هُو ومَن تأخَّر عنْه في المرور.
          قوله: (اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ) يقولون ذلك شفَقَةً منهم ورحمةً على الخلْق.
          قوله: (كَلَالِيْبُ) جمعُ كَلُّوْب، بفتْح الكافِ وضَمِّ اللَّام المشدَّدة، ويقال: كُلَّابٌ، بضمِّ الكافِ، وهو حديدةٌ مُعْوَجَّةُ الرَّأْسِ يُعلَّقُ عليها اللَّحْمُ، وتكون لاجتلابِ الدَّلْوِ منَ البِئْرِ.
          قال في «المصباح»: والكَلُّوْبُ مِثْلُ تَنُّوْرٍ، والكُلَّابُ مِثْلُ تُفَّاحٍ. [انتهى](7).
          قوله: (السَّعْدَانِ) بفتْح السِّيْن المُهمَلة: نَبْتٌ له شَوْكٌ، وهو من جيدِ مَرْعى الإبِلِ، يُضْرَبُ به المَثلُ، يُقالُ: مَرْعًى وَلَا كالسَّعْدَانِ.
          قوله: (قَالُوا: نَعَمْ) أي: رأيناهُ.
          وقوله: (فَإنَّها) أي: الكَلاليْبُ.
          وقوله: (فتَخْتَطِفُ) بالفاءِ في أوَّلِه، وفَوْقيَّةٍ قبلَ الخاءِ وبَعْدها(8)، وكَسْر الطَّاءِ، كما في رِواية الكُشْميهَنيِّ.
          وفي روايةٍ: «تَخْطَفُ» بحذْفها وبفتح الطَّاءِ في الأفْصح، وقد تُكْسَر، أي: تأخذ بسُرعةٍ. قالَ في «المصباح»: / خَطِفَهُ يَخْطَفُهُ، مِنْ باب تَعِبَ: اسْتَلَبَهُ بسُرْعةٍ، وخَطَفَهُ خَطْفاً مِنْ بابِ ضَرَبَ، لُغةٌ. انتهى.
          وقالَ في «المُختار»: الخَطْفُ: الاسْتِلَابُ، وقد خَطِفَهُ مِن باب فَهِمَ، وهيَ اللُّغةُ الجيِّدَةُ، وفِيْهِ لغةٌ أُخْرى مِن بابِ ضَرَبَ، وهيَ قَليْلَةٌ رَدِيْئةٌ لا تَكَادُ تُعْرَفُ. انتهى.
          قوله: (بأَعْمالِهمْ) أي: بسبب أعْمالِهم السَّيِّئة، أو على حَسَبِ أعْمالهم أو بقدرِها.
          قوله: (يُوْبَقُ) بمُوحَّدةٍ، مبْنياً للمجهول، أي: يهْلك. وقال الطَّبريُّ: «يُوْثَقُ» مِنَ الوَثَاقِ(9).
          قوله: (يُخَرْدَلُ) بضمِّ الياءِ التَّحتيَّة، وفتْح الخاءِ المُعْجَمة، وسُكون الرَّاءِ، وفتح الدَّال المُهملة، آخره لامٌ(10)، مبْنياً للمَجْهولِ، أي: يقطع قطعاً صغاراً كالخردل، أي: تقطعه كَلَاليْبُ الصِّراط حتَّى يهوي إلى النَّار ويسقط فيها.
          وفي روايةٍ: (يُجَرْدَلُ) بالجيْم بَدَلَ الخاءِ المعجمة، أي: يشرف على الهلاكِ.
          قوله: (مِنْ أَهْلِ النَّارِ) أي: الدَّاخلين فيها، والمُرَادُ: المؤمنون الخلَّص؛ لأنَّ الكافر لا ينْجو منْها أبداً.
          قوله: (بِآثَارِ السُّجُوْدِ) وفي رِوايةٍ: «بِأَثَرِ السُّجُوْدِ» بالإفْراد، وأمَّا ما بعده فهو بالإفراد لا غير، أي: بمَواضع السُّجود وهي الأعضاءُ السَّبعةُ.
          وقيل: الجبهةُ خاصَّةً، وهذا هو محلُّ ترجمةِ البخاريِّ بفضْل السُّجود.
          واستشهدَ لهُ ابنُ بَطَّالٍ(11) بحديث: «أَقْرَبُ ما يكُون العَبْدُ إذا سَجَدَ»، وهو واضحٌ، وقال اللهُ تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق:19].
          قال بعضُهم: إنَّ الله تعالى يُباهي بالسَّاجدِين من عَبيْدِه ملائكتَه المقرَّبين، يقولُ لهم: يا ملائكتي، إنِّي قرَّبتكُم ابتداءً وجعلتكم من خواص ملائكتي، وهذا عَبْدي جعلتُ بينَه وبين القُرب حجباً كثيرةً وموانعَ عظيمةً، مِن أغْراضٍ نَفْسِيَّةٍ، وشَهَواتٍ حِسِّيَّةٍ، وتدبير أهْلٍ ومالٍ وأهْوالٍ، فقطعَ ذلك وجاهدَ حتَّى سَجَدَ واقْتَربَ، فكانَ من المُقرِّبين.
          وقال(12): ولَعَنَ الله إبْليسَ لإبائِه عنِ السُّجُود لَعْنةً أبْلَسَه اللهُ بها وآيسَه مِن رحْمتِه إلى يوم القِيامةِ. انتهى.
          وعُورضَ بأنَّ السُّجودَ الذي أُمِرَ به إبْليسُ لا نعلَم هَيْأته ولا تقتضي اللَّعنة اختصاص السُّجود بالهيئة العرفية.
          وأيضاً؛ فإبليسُ إنَّما استوجب اللَّعنة بكُفْرِه، حيثُ جحدَ ما نَصَّ اللهُ عليه مِن فضْل آدَمَ، فجنحَ إلى قياسٍ فاسدٍ يُعارض به النَّصَّ ويكذبه، لعَنَه اللهُ. /
          قالَه ابنُ المنيرِ(13).
          قوله: (فكُلُّ ابنِ آدَمَ) أي: كُلُّ أعضاء ابنِ آدَمَ.
          وقولُه: (فَيَخْرُجُوْنَ) بالبناءِ للمجهوْلِ.
          قوْله: (قَدِ امْتَحَشُوْا) بهمْزة وصْلٍ، وسكون الميم، وفتح التَّاءِ والحاءِ المهملة، وضمِّ الشِّين المعجمة، مبْنياً للفاعلِ.
          أوْ بضمِّ التَّاء، وكَسْر الحاءِ المهملة، مبْنياً للمفعول، أي: احْترقوا، أو اسْوَدُّوا.
          قوله: (مَاءُ الحَيَاةِ) وهُو منَ الجنَّةِ مِن الكَوْثَرِ، وكُلُّ مَن شَرِبَ منْه أو صُبَّ عَلَيه منْه لم يمتْ أَبداً.
          قولُه: (فَيَنْبُتُوْنَ) أي: يزِيدونَ بسُرعةٍ.
          وقوله: (كَما تَنْبُتُ الِحبَّةُ) بكَسْر الحاءِ المهملة، وتشديدِ الباءِ الموحَّدة، وهو البَزْرُ(14) الذي يكونُ في الصَّحراءِ ممَّا ليس بقُوْتٍ كالرِّجْلَةِ.
          وقيل: نبْتٌ صغيرٌ يَنْبُتُ في الحشِيْشِ.
          وأمَّا الحَبَّةُ بالفَتْحِ، فاسمٌ للقَمْحِ والشَّعِيْر ونحوِ ذلك، وتطْلقُ الحِبَّةُ بالكَسْر على الأُنثى المحبوبة، ويقال للذَّكَر: حِبٌّ بالكَسْر.
          وأمَّا القائمُ بالقَلْب فيقال له: حُبٌّ بالضَّمِّ، وإنَّما شبَّه نبات أهْلِ النَّارِ الذين أخرجوا منها بنباتِ (الحبَّة في حَمِيْلِ السَّيْلِ)؛ لأنَّ الحبَّةَ في الحمِيْلِ أسرعُ في الإنْباتِ.
          قوله: (في حَمِيْلِ السَّيْلِ) بفتح الحاءِ المهملة، وكسر الميم: ما جاءَ بِه السَّيْلُ من طِيْنٍ ونحوِه.
          قوله: (ثُمَّ يَفْرُغُ اللهُ) إسنادُ الفراغِ إلى الله ليس على سبيْل الحقيقة، فَفيه الإسنادُ المجازيُّ؛ لأنَّ الفراغَ هو الخلاصُ عَنِ الإتْمام، واللهُ لا يشغله شأْنٌ عن شأنٍ، فالمراد: إتمامُ الحكم بين العِباد بالثَّواب والعقاب.
          أي: ثمَّ يتمِّمُ اللهُ حكمَه بين العباد بالثَّواب للمؤمنين والعقاب للكافِرِين.
          قوله: (رَجُلٌ) وهُو جُهينةُ.
          وقوله: (مُقْبِلاً) أي: حالةَ كون ذلك الرَّجُل مُقْبلاً.
          وفي روايةٍ: (مُقْبِلٌ) بالرَّفْع خبرٌ لمبتدإٍ محذوفٍ، أي: هو مُقْبِلٌ.
          وقوله: (قِبَلَ النَّارِ) بكسر القافِ، وفتح الباءِ الموحَّدة، أي: جهتها.
          وقوله: (اصْرِفْ) أي: حَوِّلْ.
          وقوله: (عَنِ النَّارِ) أي: عن جهةِ النَّارِ.
          وللحَمُّوْييِّ والمُسْتَمْلِيِّ: «مِنَ النَّارِ»، أي: باعِدْ وَجْهي من النَّار، أي: منْ جهتِها.
          قوله: (قَدْ قَشَبَنِي) ولأبي ذَرٍّ: «فَقَد قَشَبَني» وهو بفتح القافِ والشِّين المعجمة والباء الموحَّدة، أي: سمَّني وأهْلكَني ريحُها، فقد صارَ ريحُها كالسُّمِّ في أَنْفِي.
          قولُه: (وَأَحْرَقَنِي) بالهمْزِ.
          وقوله: (ذَكَاهَا) بفَتْحِ الذَّالِ / المعجمة، وبالقَصْرِ، ويُكتب بالألِف لأنَّه واويٌّ، أي: لهبُها واشتعالُها، يقالُ: ذكت النَّار تذكو ذكا: إذا اشتعلتْ.
          وذكَر جماعةٌ أنَّ المَدَّ والقَصْرَ لُغتانِ، وعُورضَ ذلك بأنَّ ذكا النَّار مقْصورٌ، وأمَّا ذكاء بالمدِّ فلمْ يأْتِ عنِ اللُّغويِّين في النَّار، وإنَّما جاءَ في الفَهْم.
          قوله: (فَيقُوْلُ) أي: اللهُ ╡.
          وقوله: (هَلْ عَسَيْتَ) بفتح السِّيْن وكَسْرها(15)، للتَّرجِّي، وهي لغةٌ مَع تاءِ الفاعلِ مطْلقاً، ومَع نُونِ الإناث، نحو: عَسَيْت وعَسَيْنَ، وهي لغةُ الحِجازِ، لكن قول الفَرَّاءِ لستُ أستحبّها لأنَّها شاذَّةٌ يأبى كونها حجازيَّة.
          وأُجِيْبَ بأنَّ المرادَ بكونها شاذَّةً، أي: قليلةً بالنِّسْبةِ إلى الفَتْح، وإنْ يثبتَ فعِنْد أقَلِّهم جمْعاً بين القولَين.
          قوله: (إنْ فُعِلَ) بكسرِ الهمْزة، حَرْفُ شرْطٍ جازِم، و(فُعِلَ) بضمِّ الفاءِ، وكَسْر العَيْن المُهملة، مبْنياً للمفعولِ، والجملةُ معْترضةٌ بين (عَسَى) وخبَرها، أي: إنْ فعل ذلك الصَّرف الذي يدلُّ عليه قولُه: (اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النَّارِ).
          قوله: (أَنْ تَسْأَلَنِي) بفَتْح همْزة (أَنْ) الخفيفة، وهيَ مصْدرِيَّة، وتاليها نصب بها.
          وقولُه: (غَيْرَ ذلِكَ) بالنَّصْب مفعولُ (تَسْأَلَ)، وجوابُ الشَّرْطِ محذوفٌ دَلَّ عليه ما قبْله، والتَّقدير: إنْ فُعل ذلك بِك فهلْ عسيتَ وهلْ ترجو أن تطْلبَ مِنِّي غير ذلك.
          وقوله: (وَعِزَّتِكَ) قَسَمٌ مِن هذا الرَّجُل أنَّه لا يسأل غيره.
          قوله: (فَيُعْطِي) فاعِلُه ضميرٌ مستترٌ عائدٌ على الرَّجُل، و(اللهَ) منْصوبٌ على التَّعظيم، فالمُعْطي هُو الرَّجُلُ، والمعطى له هُو اللهُ ╡.
          وقوله: (مَا شَاءَ) بحذْفِ حرْفِ المضارعة، فِعْلاً ماضياً.
          وفي رِوايةٍ: «مَا يَشَاء»، بإثباتِ حرْفِها، فِعْلاً مُضارِعاً.
          وقوله: (مِنْ عَهْدٍ) أي: يَمينٍ.
          قوله: (فَإذا أقْبَلَ بِه على الجنَّةِ) ببناءِ (أَقْبَلَ) للمجهولِ، أي: أقبلتْ به ملائكةُ الله.
          وقوله: (رَأَى بَهْجَتَهَا) بدَلٌ مِن قولِه: (أَقْبَلَ بِه على الجنَّةِ)، كأنَّه قال: فإذا رأى بَهْجتَها، أي: حُسْنَها ونضارَتَها.
          قوله: (ألَيْسَ) هي شأنيَّةٌ، فاسمُها ضميرُ الشَّأن.
          وقوله: (وَالمَوَاثِيْقَ) وفي روايةٍ: «والمِيْثاقَ».
          وقوله: (أَنْ لا تَسْأَلَ) هو على حذْفِ الجارِّ، أي: بأَنْ لا تَسْألَ، وهو مُرتبطٌ بقوله: (العُهُوْدَ وَالمَوَاثِيْقَ) ومفعولُ (أَعْطَيْتَ) الأوَّل محذوفٌ، تقديرُه: قد أعْطيتنا العُهُودَ والمواثيقَ بأَنْ لا تَسْأل، أي: بأن لا تسألني. /
          قوله: (فَيَقُوْلُ: يَا رَبِّ) أي: فيقولُ ذلك الرَّجُلُ: (لا أَكُوْنُ أَشْقى خَلْقِكَ).
          فإنْ قلْتَ: كيف طابقَ هذا الجواب لفظَ السُّؤال بقوله: (قَدْ أَعْطَيْتَ العُهُوْدَ)!؟
          أُجِيْبَ بأنَّ الجوابَ في الحقيقةِ محْذوفٌ، والتَّقْديرُ: قد أعطيتُك العُهودَ والمواثيقَ، لكن كرمك أطْمعني فيكَ؛ لأنَّه {لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87]، فسألْتُك أن تقرَّبَني لباب الجنَّة لئلَّا أَكُوْن أشْقى خلْقِكَ.
          أوِ المعنى: أَعْطيتني العُهودَ والمواثيقَ بألَّا أسأل غير ذلك؛ لأنَّك إنْ أبقَيْتَني على هذه الحالةِ ولم تُدخلني الجنَّة لأكوننَّ أشقى خَلْقِك الذين دَخَلُوا النَّار.
          وعلى هذا؛ فتكونُ الألِفُ في قوله (لا أَكُوْنُ) زائدةً.
          قوله: (فَما عَسَيْتَ) التَّرجِّي راجعٌ للمُخاطَب لا إلى الله، والاستفهامُ من الله ليس لكون الله غير عالِمٍ بحالِ الرَّجُلِ، بلْ ليظهر حاله وأنَّه أحقُّ بأنْ يقالَ له ذلك، و(عَسَى) بفتح السِّيْن وكَسْرِها.
          وقولُه: (إِنْ أُعْطِيْتَ ذلِكَ) أي: التَّقْديم إلى باب الجنَّة، و(إنْ) بكسرِ الهمْزة شَرْطيَّةٌ، و(أُعْطِيْتَ) بضمِّ الهمزة.
          وقوله: (أَنْ لا تَسْأَلَ غَيْرَهُ) بفَتْح الهمْزة لأنَّها مصْدريةٌ، و(لا) زائدةٌ كما هي في {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} [الحديد:29]، أو أصْليَّةٌ.
          و(مَا) في قوله: (فَمَا عَسَيْتَ) نافيةٌ، ونَفْيُ النَّفيِ إثباتٌ، أي: عَسَيْتَ أن تسألَ غيرَه، و(أَنْ لا تَسْأَلَ) خبرُ (عَسَى)، و(ذلِكَ) مفعولٌ ثانٍ ﻟ(أُعْطِيْتَ).
          ولأَبوَي ذَرٍّ والوَقْتِ وابنِ عساكرَ: «أَنْ تَسْأَل» بإسقاطِ (لا)، (فَما) استفهاميَّةٌ.
          قوله: (فَيَقُوْلُ) أي: الرَّجُلُ.
          وقوله: (لا أَسْأَلُ) ولأَبوي ذَرٍّ والوقْت والأصيْلِيِّ وابنِ عَساكرَ: «لا أَسْأَلُكَ».
          وقوله: (فَيُعْطِي) أي: الرَّجُلُ.
          وقوله: (فَيُقَدِّمُهُ) أي: فيقدِّمُ اللهُ الرَّجُلَ.
          وقوله: (فَرَأَى) بفاءِ العَطْفِ على (بَلَغَ).
          وقوله: (زَهْرَتَهَا) أي: حُسْنَها ونضرتها.
          وقوله: (وَمَا فِيْهَا) عطْفٌ على (زَهْرَتَهَا).
          وقوله: (مِنَ النَّضْرَةِ) بالضَّادِ المعجمةِ السَّاكنة، أي: البَهْجة، بَيانٌ ﻟ (مَا).
          وقوله: (فَيَسْكُتُ) ليس جوابُ (إذا)، بلْ جوابُها محذوفٌ تقديرُه: تحيَّر، و(يَسْكُتُ) عطْفٌ عليه بالفاءِ.
          وقوله: (أَنْ يَسْكُتَ)، (أَنْ) مصدريَّةٌ، أي: ما شاءَ الله سُكوته.
          وهذا السُّكوتُ حَياءٌ منَ الله ╡ وهُو يُحبُّ / سُؤاله؛ لأنَّه يُحبُّ بسوطه(16) فيُباسطه بذلك، بقوله: «لَعلَّكَ إنْ أُعْطِيْتَ هذا تَسْأل غَيْرَه»، وهذه حالةُ المقصِّر، فكيف حالة المطيع!
          قوله: (فَيقُوْلُ: يَا رَبِّ أَدْخِلْنِي الجنَّةَ).
          فإنْ قلتَ: هذا وما قبله نقضٌ للعَهْدِ، ونقضُه جهْلٌ وقِلَّةُ مُبالاةٍ بالمُعاهَدِ!؟
          أُجِيْبَ بأنَّه عَلِمَ أنَّ نقضَ هذا العَهْدِ أَوْلى من الوفاءِ؛ لأنَّ سؤالَه رَبَّه أَوْلى من إبرارِ قسَمِه، قالَ ╕(17): «مَنْ حَلَفَ على يَمِيْنٍ، فَرأَى غَيْرَها خَيْراً مِنْها، فلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِيْنِه ولْيأْتِ الذي هُو خَيْرٌ».
          قوله: (وَيْحَكَ) كلمةُ رحْمةٍ وإحْسانٍ، كما أنَّ (وَيْلك) كلمةُ عذابٍ.
          ووَيْحٌ مِن المصادِر، ويُستعمل مُفْرداً ومُضافاً، وهو منْصوبٌ بفِعْلٍ مُقدَّرٍ، والتَّقديرُ: أحسن وَيْحك، ولا فِعْل لَه من لفْظِه، بل يُؤتى له بفِعْلٍ مِنْ معناهُ.
          قوله: (مَا أَغْدَرَكَ) هذه صيغةُ تعجُّبٍ، وهو على الله محالٌ، إلَّا أنْ يقالَ: التَّعجُّب مصروفٌ للمُخاطب، فهو بحسب حالِه، أي: لجنس الآدَميِّين، وهو مأْخوذٌ من الغَدْرِ: وهو تركُ الوَفاءِ بالعَهْدِ.
          قوله: (أَعْطَيْتَ) بفتْح الهمْزةِ والطَّاءِ، مبْنياً للفاعل.
          وقوله: (العُهُوْدَ وَالمَوَاثِيْقَ) وفي روايةٍ: «العَهْدَ وَالميْثاقَ».
          وقوله: (أُعْطِيْتَ) بضمِّ الهمْزة، مبْنياً للمفعول.
          قوله: (فَيَضْحَكُ اللهُ) المرادُ منَ الضَّحكِ لازِمُه وهو الرِّضا عنْه وإرادةُ الخيْر له؛ لأنَّ الضَّحكَ مُحالٌ على الله ╡.
          أي: فيرضى اللهُ ╡ عنْه، ويُريدُ لَه الخيرَ مِن أجْلِ هذا الفِعْلِ.
          قوله: (لَهُ) أي: لذلك الرَّجُل.
          وقوله: (فَيَتَمَنَّى) أي: أُمْنياتٍ كَثيرة.
          قوله: (إذا انْقَطَعَ) وللأَصيْليِّ وأبي ذَرٍّ، عنِ الكُشْميهَنيِّ: «انْقَطَعَتْ».
          وقوله: (أُمْنِيَّتُهُ) أي: مُتمنَّاه.
          وقوله: (زِدْ مِنْ كَذَا) أي: مِن أَمانيك التي كانتْ لك قبلَ أنْ أُذكِّرك بها، وفي رِوايةٍ: «تَمَنَّ كَذا وكذَا».
          قولُه: (أَقْبَلَ يُذَكِّرُهُ رَبُّهُ) أي: قالَ لَه: زِدْ منْ أُمنيتك الشَّيء الفلاني، وزِدْ من أُمنيتك الشَّيء الفلاني... وهكذا.
          وقوله: (أَقْبَلَ) بدَلٌ مِن قوله: (قَالَ اللهُ ╡)، كأنَّه قال: حتَّى إذا انقطعتْ أُمنيته أقْبلَ يُذكِّره رَبُّه، وهو بَدَلُ كُلٍّ مِنْ كُلٍّ.
          وفي بعض الرِّواياتِ: «قَبْلَ أَنْ يُذَكِّرَهُ رَبُّهُ»، ﻓ (قَبْلَ) ظرْفٌ مُتعلِّقٌ بقوله: «زِدْ»، والتَّقدير: زِدْ منْ جِنْسِ أُمنيتِكَ التي كانت لكَ قبل أن أُذكِّرك بغير الجنْسِ الذي أردت تمنيته(18).
          و(رَبُّهُ) على الرِّواية الأُولى تنازعُه كُلٌّ مِنْ (أَقْبَلَ) وقولِه (يُذَكِّرَهُ)، وعلى الرِّواية الثَّانية ﻓ(رَبُّهُ) / فاعِلٌ ﻟ (يُذَكِّرَ) خاصَّةً.
          قولُه: (الأَمَانِيُّ) بتشديدِ الياءِ، جمعُ أُمْنيَّةٍ.
          وقوله: (لَكَ ذلِكَ) أي: جميع ما سألته من الأمانيِّ.
          وقوله: (وَمِثْلُهُ مَعَهُ) جملةٌ حاليَّةٌ مُركَّبةٌ من المبتدإ والخبَرِ.
          قوله: (وَعَنْ أَبي سَعِيْدٍ) اقتصرَ المصنِّفُ على رِواية أبي هُريرةَ ورِوايةِ أَبي سَعيدٍ، وحذفَ ما وقع بينهما منَ المُجادَلَة؛ وذلك أنَّ أبا سعيدٍ قالَ لأبي هُريرة [خ¦806]:
          إنَّ رسوْلَ الله صلعم قال: «قالَ اللهُ ╡: لَكَ ذلِكَ وعَشَرَةُ أمْثالِه»، فقالَ أبو هُريرةَ: لم أحفَظْ مِن رَسوْلِ الله صلعم إلَّا قوله: «لكَ ذلكَ ومِثْلُه مَعَهُ»، قال أبو سعيدٍ: إنِّي سَمِعْتُه يقول: «لكَ ذلك وعَشَرَةُ أمْثالِه» [خ¦806].
          قوله: (يَقُوْلُ: لَكَ ذلِكَ) لا تَنافي بين الرِّوايتَين؛ فإنَّ الظَّاهرَ أنَّ هذا كان أوَّلاً، ثمَّ تكرَّم اللهُ تعالى، فأخبرَ به ╕ ولم يسمَعْه أبو هُريرةَ.
          هذا الحديثُ ذكَرهُ البُخارِيُّ في باب: فضْل السُّجود.


[1] كذا في الأصل، وفي «م»: غير.
[2] في المطبوع: (مَنْ).
[3] نقله عنه ابن حجر الهيثمي في الفتاوى الحديثة ص153.
[4] في الإبانة في أصول الديانة.
[5] لبدر الدِّيْن الشِّبْليِّ، ينظر فيه (ص: 97/باب 25).
[6] قوله: «المثناة الفوقية، وكسر الباء... (من يتبع) بالتشديد» زيادة من الأصل، وسقطت من «م»!
[7] ما بين الحاصرتَين منِّي.
[8] من «ز2» و«م»، وليست في الأصل.
[9] نقله العيني في العمدة 6/85 والقسطلاني في الإرشاد 2/116 وغيرهما.
[10] من «ز2» و«م»، وليست في الأصل.
[11] شرح ابن بطال 2/423.
[12] كذا في الأصل، وليست في «م».
[13] نقله في إرشاد الساري 2/116.
[14] كذا في الأصل، وفي «م»: البذر.
[15] في هامش الأصل: لغتان قُرئ بهما في السَّبع، قال ابن السِّكِّيت: ولا ينطق بكسر في عَسَيت المستقبل.
[16] كذا في الأصل، وفي بعض النسخ: سوطه. وفي بعض: صوته.
[17] مسلم 11/1650.
[18] وهو كذا في المطبوع.