حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: ارجع فصل فإنك لم تصل

          45- قوله: (أنَّ النَّبِيَّ صلعم دَخَلَ المَسْجِدَ) [خ¦757] ولأبي ذَرٍّ، عنِ المُسْتَمْلِيِّ والحَمُّوْييِّ: «عَنِ النَّبيِّ صلعم».
          قوله: (فَدَخَلَ) بالفاءِ.
          ولأبي ذَرٍّ: «وَدَخَلَ».
          وقوله: (رَجُلٌ) هو خَلَّادُ بنُ رافعٍ الزُّرَقيُّ، جدُّ عليِّ بنِ يحيى بنِ عبدِ الله بنِ خالدٍ.
          وقولُه: (فَصَلَّى) زادَ النَّسائيُّ [1314] مِن رِواية داوُدَ بنِ قَيْسٍ: «رَكْعَتَيْنِ».
          وفيه إشعارٌ بأنَّه صلَّى نَفْلاً، والأقربُ أنَّها تحيَّة المسجدِ.
          وفي الرِّواية المذْكورة [1314]: «وقد كان النَّبيُّ صلعم يَرْمُقُه في صَلَاتِه».
          قوله: (ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ)، وفي رِواية أبي أُسامةَ [خ¦6667](1): «فَجَاءَ فَسَلَّمَ» وهي أَوْلى؛ لأنَّه لم يكُن بين صلاته ومجيئه تَراخٍ.
          قوله: (فَرَدَّ النَّبِيُّ صلعم).
          في رِواية مُسلمٍ [45/397] وكَذا في رِواية ابن نُميرٍ في الاسْتئذان [خ¦6251]: «فَقَالَ: وعَلَيْكَ السَّلَامُ».
          وفي هذا تُعُقِّبَ على ابنِ المنير(2)، قالَ فيه:
          إنَّ الموْعظةَ في وَقْتِ الحاجةِ أهمُّ من رَدِّ السَّلام، ولعلَّه لم يَرُدَّ عليه تأْديباً على جهلِه، فيُؤخذ منْه التَّأديبُ بالهجرِ وتَرك السَّلام. انتهى.
          والذي وقفنا عليه مِن نُسخ «الصَّحيحَين» ثُبوت الرَّدِّ في هذا الموضع وغيره إلَّا الذي في الأيمان والنُّذور [خ¦6667]، وقد ساقَه صاحبُ «العُمْدة»[97] بلفظ الباب، إلَّا أنَّه حذف منْه: «فَرَدَّ النَّبِيُّ صلعم».
          فلعلَّ ابنُ المنير اعتمدَ على النُّسْخة التي اعتمدَ عليها صاحِبُ «العُمْدة».
          قوله: (فَقَالَ) أي: النَّبيُّ صلعم لذلك الرَّجُل.
          وقوله: (ارْجِعْ) وفي رِوايةِ ابنِ عَجْلانَ(3): «فَقَالَ: أَعِدْ صَلَاتَكَ».
          وقوله: (فَإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ) أي: لم تصح صلاتك، فهُو نفيٌ للصَّحَّة لأنَّها أقربُ لنفيِ الحقيقة مِن نَفْيِ الكَمالِ.
          وأيضاً؛ فلمَّا تعذَّرتِ الحقيقةُ _وهي نفيُ الذَّاتِ_ وجبَ صَرْفُ النَّفْيِ إلى سائر صِفاتِها.
          قالَ عياضٌ(4) فيه: / إنَّ أفْعالَ الجاهلِ في العِبادة على غَير عِلْمٍ لا تجزئ، وهو مبْنيٌّ على أنَّ المرادَ بالنَّفي نفيُ الإجْزاء وهو الظَّاهر، ومَن حمَلَه على نفي الكمالِ تمسَّك بأنَّه صلعم لم يأمُرْه بعد التَّعليم بالإعادة، فدلَّ على إجزائها، وإلَّا لَزِمَ تأخيرُ البَيان.
          كذا قالَه بعضُ المالِكيَّة وهو المُهلَّبُ ومَن تبعَه.
          وفيه نَظَرٌ! لأنَّه صلعم قد أمَرَه في المرَّة الأخيرة بالإعادةِ، فسألَه التَّعليمَ فعلَّمه، وكأنَّه قالَ له: أَعِدْ صلاتَكَ على هذه الكيفيَّة.
          أشارَ إلى ذلك ابنُ المنير.
          قوله: (فَصَلَّى) أي: مرَّةً ثانيةً.
          وقولُه: (ثُمَّ جَاءَ) أي: مرَّةً ثانيةً.
          وقوله: (فَسَلَّمَ) أي: كذلك مرَّةً ثانيةً، «فَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ»، أي: صلاةً ثالثةً.
          قوله: (ثَلَاثاً) أي: ثلاث مرَّاتٍ. قالَ البِرْماويُّ(5): وهو مُتعلِّقٌ ﺑ (صَلَّى) و(قَالَ) و(سَلَّمَ) و(جَاءَ)، فهو مِن تنازع أربعةِ أفْعالٍ.
          فإنْ قلْتَ: إنَّ (قَالَ) وقع مرَّتين لا ثلاثاً، وكذا (سَلَّمَ) و(جَاءَ)!؟
          أُجِيْبَ بأنَّه غلب (صَلَّى) على غيره.
          فإنْ قلْتَ: إنَّ الذي يغلب إنَّما هو الأكثرُ !؟
          أُجِيْبَ بأنَّه لا يلزم أن يكون المغلبُ هو الأكثر، بلْ قد يكون المغلبُ هو الأشرفَ، وإنَّما لم يعلمْه أوَّلاً لأنَّ التَّعليمَ بعد تكرار(6) الخطإ أثبتُ من التَّعليم ابتداءً.
          وقيل: تأدِيباً إذْ لم يسأل واكتفى بعِلْم نفسِه؛ ولذا لمَّا سأل فقال: «لا أُحْسِنُ»، عَلَّمَهُ.
          وليس فيه تأْخير البيان؛ لأنَّه كان في الوَقْت سَعَةٌ إنْ كانتْ صلاةَ فَرْضٍ في رِواية ابنِ نُميْرٍ [خ¦6251](7): «فَقَالَ في الثَّالِثةِ، أوْ في التي بَعْدَهَا».
          وفي رِوايةِ أبي أُسامةَ [خ¦6667](8): «فَقَالَ في الثَّانِيَةِ أَوِ الثَّالِثَةِ».
          وتَتَرَجَّحُ الأُولى لعدم وُقوعِ الشَّكِّ فيها، ولكونه صلعم كانَ مِن عادته استعمال الثَّلاث في تعليمه غالِباً.
          قوله: (فَمَا أُحْسِنُ) ولأَبوَي ذَرٍّ والوَقْتِ والأَصِيْليِّ وابن عساكرَ: «ما أُحْسِنُ».
          قوله: (قَالَ) أي: النَّبيُّ صلعم.
          ولأبي الوَقْت: «فَقَالَ».
          قوله: (إذا قُمْتَ إلى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ) أي: تكبيرةَ الإحْرام.
          وفي رِواية ابنِ نُمَيرٍ [خ¦6251]: «إذا قُمْتَ إلى الصَّلاةِ فأسْبغ الوضوءَ، ثمَّ استقْبلِ القِبْلةَ فكَبِّر».
          وفي رِواية يحيى بنِ عليٍّ(9): «فتَوضَّأ كما أمَرَك اللهُ، ثمَّ تشَهَّدْ وأَقِم».
          وفي رِواية إسحاقَ ابنِ أبي طَلْحةَ عِنْد النَّسائيِّ [1136]: «إنَّها لم تَتِمَّ صلاةُ أحَدِكُمْ حتَّى يُسْبِغَ الوُضوءَ كما أمَرَه اللهُ تعالى، فيَغْسِلَ وَجْهَه ويَدَيْه إلى المِرْفَقَين(10)، ويَمْسَحَ برأْسِه ورِجْلَيْه إلى الكَعْبَين، / ثُمَّ يُكَبِّر ويَحْمَدَهُ ويُمجِّدَهُ».
          وعِنْد أبي داوُد [857]: «ويُثْني عَلَيْهِ»، بَدَلَ: «ويُمَجِّدَه».
          قوله: (ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ القُرآنِ).
          وفي رِوايةِ الأَصيْليِّ: «بِمَا تَيسَّرَ»، ولم تختلفِ الرِّواياتُ في هذا عَن أبي هُريرةَ.
          وفي رِواية إسْحاقَ: «ويَقْرَأ ما تَيسَّرَ مِنَ القُرآنِ ممَّا عَلَّمَهُ اللهُ».
          وفي رِواية يحيى بنِ عليٍّ: «فإنْ كانَ مَعَكَ [قرآن](11) فاقْرأْ؛ وإلَّا فاحْمَدِ اللهَ وكَبِّرْهُ وهَلِّلْهُ».
          وفي رِواية محمَّدِ [859] بنِ عَمْرٍو عِنْد أبي داوُد: «ثُمَّ اقْرأْ بأُمِّ القُرآن، أوْ بِما شَاءَ اللهُ».
          ولأحمدَ [19017] وابنِ حِبَّانَ [1787]: «ثُمَّ اقْرأْ بأُمِّ القُرآن، ثُمَّ اقْرأْ بِما شِئْتَ».
          والمُتيسَّرُ مَع هذا الرَّجُل هو الفاتحةُ، وهي مُتيسَّرةٌ لكُلِّ أحَدٍ.
          قوله: (تَطْمَئِنَّ رَاكِعاً) أي: حال كونك راكعاً.
          وفي رِواية أحمدَ [19017]: «فإذا رَكَعْتَ فاجْعَلْ راحَتَيْكَ على رُكْبَتَيْكَ، وامْدُدْ ظَهْرَكَ، ومَكِّنْ لِرُكُوْعِكَ».
          وفي رِواية إسحاقَ بنِ أبي طَلْحةَ: «يُكَبِّرَ فَيَرْكَعَ حَتَّى تَطْمئِنَّ مَفَاصِلُهُ وتَسْتَرْخِيَ».
          قوله: (حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِماً) أي: حال كونك قائماً.
          وفي روايةِ ابنِ نُميْرٍ عِنْد ابنِ ماجَهْ [1060] بإسنادٍ على شَرْطِ الشَّيخَين: «حَتَّى تَطْمَئنَّ قَائِماً»، وفي رِوايةٍ لأحمدَ [19017]: «فأَقِمْ صُلْبَكَ حَتَّى تَرْجعَ العِظَام إلى مَفَاصِلِها».
          وعُرِفَ بهذا أنَّ قوْلَ إمامِ الحرمَيْنِ: في القَلْب مِنْ إيجابها _أي: الطّمأنينة في الرَّفْع مَع الرُّكوع_ شيءٌ؛ لأنَّها لم تُذكر في حديثِ المسيء صلاته: دالٌّ على أنَّه لم يقِفْ على هذه الطَّريقة الصَّحيحةِ.
          قوله: (ثُمَّ اسْجُدْ) وفي رِوايةِ إسحاقَ بنِ أبي طَلْحةَ: «ثُمَّ يُكَبِّر فَيَسْجُد حَتَّى يُمكِّنَ وَجْهَهُ أوْ جَبْهَتَهُ حَتَّى تَطْمئِنَّ مَفَاصِلُهُ وتَسْتَرْخِيَ».
          قوله: (ثُمَّ ارْفَعْ) في رِواية إسحاقَ المذْكُورة: «ثُمَّ يُكَبِّرَ فَيَرْفَع حَتَّى يَسْتَويَ قَاعِداً على مَقْعَدَتِه ويُقِيْمَ صُلْبَهُ».
          وفي رِوايةِ محمَّدِ بنِ عَمْرٍو: «فَإذا رَفَعْتَ رَأْسَكَ فاجْلِسْ على فَخِذِكَ اليُسْرَى».
          وفي رِوَاية ابنِ إسْحاقَ: «فإذا جَلَسْتَ في وَسَطِ الصَّلَاةِ فاطْمئِنَّ جالِساً، ثُمَّ افْتَرِشْ فَخِذَكَ اليُسْرى، ثُمَّ تَشَهَّدْ».
          قولُه: (ثُمَّ افْعَلْ ذلِكَ) أي: المذْكُور مِن كُلِّ واحدٍ مِن التَّكْبير والقراءةِ والرُّكوع والسُّجودِ والجلُوس والطمأنينات، ولم يذكُر له النَّبيُّ صلعم بقيَّةَ أركانِ الصَّلاةِ لكونها كانتْ معلومةً له.
          قوله: (في صَلَاتِكَ كُلِّهَا) أي: سواءً كانتْ فَرْضاً أو نَفْلاً.
          وهذا الحديثُ ذكَرهُ البخاريُّ في باب: أمر النَّبيُّ / صلعم الذي لا يتم ركوعه بالإعادةِ.


[1] كذا في الأصل، وفي «م»: أمامة.
[2] في هامش «ز1»: حيث قال: إنَّه لم يردّ عليه السَّلامَ.
[3] ابن حبان 1787، مسند الشافعي 208.
[4] إكمال المعلم 2/283.
[5] اللامع الصبيح 4/152.
[6] كذا في الأصل، وفي «م»: تكرر.
[7] وفيها: «في الثانية أو في التي بعدها». فهذه عقبها البخاري بقوله: «وقال أبو أسامة؛ في الأخير: (حتى تستوي قائماً)».
[8] قال في الثالثة.
[9] ابن خزيمة 545، والطبراني في الكبير 4527.
[10] كذا في الأصل، وفي «م»: مرفقيه.
[11] في «ز2» و«م»: قراءة. وهو تحريف والمثبتُ من «سُنن أبي داوُد» وغيره.