حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: زادك الله حرصًا ولا تعد

          44- قوله: (عَنْ أَبي بَكْرَةَ) [خ¦783] بفَتْحِ الباءِ الموحَّدة، وفتح الكاف وسُكونها، كُنيةُ الرَّاوي، واسْمُه نُفَيْعُ بنُ الحارِث بنِ كَلَدَةَ بفَتَحاتٍ، وكان من فُضلاءِ الصَّحابةِ بالبصرة، وكان حَسَناً يُضْرَبُ بحُسنِه المَثلُ.
          قوله: (وَهُوَ رَاكِعٌ) أي: والحال أنَّ النَّبيَّ صلعم راكعٌ، فالجملةُ اسميَّة حاليَّة مُقترنةٌ بالواوِ والضَّميرِ معاً.
          وقوله: (فَرَكَعَ) أي: أبو بَكْرَةَ.
          وقوله: (قَبْلَ أنْ يَصِلَ إلى الصَّفِّ).
          وفي رِوايةٍ للأَصيْليِّ إسقاط (إلى).
          وقوله: (فَذَكَرَ ذلِكَ)، أي: ذَكَر أبو بَكْرَةَ الذي فعَلَه من الرُّكوع دُون الصَّفِّ، وهذا الذِّكْرُ كان بعد الفَراغِ منَ الصَّلاةِ.
          قوله: (فَقَالَ) أي: النَّبيُّ صلعم لأبي بكْرةَ.
          وقوله: (زَادَكَ اللهُ حِرْصاً) أي: على الخيْر، جملةٌ دُعائيَّة خبريَّة لفظاً، إنشائيَّة معنًى.
          وقوله: (وَلَا تَعُدْ) أي: لا ترجع إلى الرُّكُوع دُون الصَّفِّ مُنفرداً، فإنَّه مكروهٌ لحديث أبي هُريرةَ مَرفُوعاً(1): «إذا أتى أحدُكُم للصَّلاة فلا يركع دُوْن الصَّفِّ حتَّى يأْخُذَ مكانَه مِنَ الصَّفِّ».
          والنَّهي في الحديثَين محمولٌ على التَّنزيه.
          وذهبَ إلى التَّحريم أحمدُ وإسحاقُ وابنُ خُزيمةَ مِن الشَّافعيَّة، لحديثِ وابِصَةَ(2) عِنْد أصحابِ «السُّنن»(3)، وصحَّحَه أحمدُ [18029، 18031] وابنُ خُزيْمةَ [1570]:
          إنَّ رسوْلَ الله صلعم رأَى رجُلاً يُصلِّي خلْفَ الصَّفِّ وحْدَه، فأمَرَه أن يُعيدَ الصَّلاةَ»، زاد ابنُ خُزيمةَ في روايةٍ لَه: «لا صلاة لمُنفَردٍ خلْفَ الصَّفِّ» [1569].
          وأجابَ الجُمهور بأنَّ المرادَ: لا صلاة كامِلة؛ لأنَّ من سُنَّة الصَّلاةِ مَع الإمام اتِّصالُ الصُّفُوفِ وسَدُّ الفُرَجِ، وقد روى البيهقيُّ مِن طرِيق مُغيْرةَ [5419]، عَن إبراهيمَ فيمَن صلَّى خلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ فقال: «صَلَاتُه تامَّةٌ».
          فإنْ قلْتَ: أوَّلُ الكلامِ وهو / (زَادَكَ اللهُ حِرْصاً) يفهم تصْويب فِعْلِه، وآخرُه وهو (لا تَعُدْ) يفيدُ تخطئتَه!؟
          أُجِيْبَ بأنَّه صوَّب من فِعْلِه الجهة العامَّة وهي الحرْصُ على إدْراكِ فضيلةِ الجماعة، وخَطَّأَهُ من الجهة الخاصَّة حيثُ ركعَ مُنفَرداً، فدَعا لَه بالزِّيادة من حيثُ الجهةُ العامَّة، ونهاهُ عن العَوْد مِن حيث الجهةُ الخاصَّةُ.
          ويُؤخذ من الحديث أنَّ العالِم لا يُعَلِّم حتَّى يُسْأَلَ، بلْ أخذُ ذلك ممَّا بَعْدَهُ أصرحُ.
          وهذا الحديث ذَكَرَهُ البخاريُّ في باب: إذا ركع دُون الصَّفِّ.


[1] مصنف ابن أبي شيبة 2651 موقوفاً          ، الطحاوي في مشكل الآثار (فهوًى) 4855.
[2] كذا في الأصل، وفي «م»: رابعة.
[3] د 682، ت230، 231، ـه 1004.