حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: إذا وضع العشاء وأقيمت الصلاة فابدؤوا بالعشاء

          41- قوله: (إذا وُضِعَ العَشَاءُ) [خ¦671] وفي رِوايةٍ: «إذا حَضَرَ»(1).
          والفَرْقُ بين اللَّفظين: إنَّ الحضورَ أعمُّ من الوَضْع، فيُحمل قَولُه «حَضَرَ» على الحضورِ بين يدَيْه لِتَأْتَلِفَ الرِّوايتانِ لاتِّحادِ المخرجِ.
          و(العَشَاءُ) بفتْح العين، وبالمدِّ: الطَّعامُ الذي هو خلاف الغَداءِ، والمرادُ عَشاءُ مُرِيدِ الصَّلاةِ.
          قوله: (وَأُقِيْمَتِ الصَّلَاةُ).
          قالَ ابنُ دَقِيْقِ العِيْدِ(2): الألِفُ واللَّامُ في (الصَّلَاةُ) لا ينبغي أن تُحملَ على الاستغراقِ ولا على تعريفِ الماهيَّة، بلْ ينبغي أنْ تُحْملَ على المغْرِب لقولِه: «فَابْدَؤُوا بِه قَبْلَ أنْ تُصَلُّوا المغْرِبَ»(3)، والحديثُ يُفسِّرُ بَعْضُه بعْضاً.
          وفي رِوايةٍ صحيحةٍ: «إذا وُضِعَ العَشَاءُ وأحَدكُمْ صائمٌ»(4). انتهى.
          وقالَ الفاكِهَانيُّ: يَنْبغي حمْلُه على العُموم نَظَراً إلى العِلَّة وهي التَّشويش المُفضي إلى تَرْكِ الخُشوع، وَذِكْر (المغْرِب) لا ينبغي(5)؟ حصراً فيها؛ لأنَّ الجائعَ _غيرَ الصَّائم_ قد يكون أشْوقَ إلى الأكْل مِن الصَّائم. انتهى.
          وحمْلُه على العُموم، إنَّما هو بالنَّظَر إلى المعنى إلْحاقاً للجائع بالصَّائم وللغَداءِ بالعَشاءِ، لا بالنَّظَرِ إلى اللَّفظ الوارِد.
          قوله: (فَابْدَؤُوا بِالعَشَاءِ).
          حمَلَ الجُمهورُ هذا الأمْرَ على النَّدْبِ، ثمَّ اخْتَلَفوا:
          فمِنهم مَّن قيَّدَه بمَن كان محتاجاً إلى الأكْل، وهو المشْهورُ عند الشَّافعيَّة، ومحلُّ ذلك إذا اتَّسع الوَقْت واشتدَّ التوقان إلى الأكل، واسْتُنْبِطَ مِن ذلك كراهة الصَّلاةِ حينئذٍ لما في الصَّلاة مَع حضرة الطَّعام مِن اشتغال القلْبِ به عنِ الخشوعِ المقصود مِن الصَّلاة.
          ولو ضاقَ وَقْتُ الصَّلاة بحيثُ لوِ اشتغلَ بالطَّعام لخرجَ الوَقْت لا يُؤخِّرُ الصَّلاةَ محافظةً / على حُرْمةِ الوقْتِ.
          ومِنهم مَّن لم يقيِّدْهُ، وهو قولُ الثَّوْريِّ وأحمدَ وإسحاقَ.
          وأفْرطَ ابنُ حَزْمٍ(6) فقال: تَبْطُلُ الصَّلاة.
          ومنهم مَّن اختارَ البداءة بالصَّلاة، إلَّا إنْ كان الطَّعام خفيفاً.
          نقلَه ابنُ المُنذِر عَن مالكٍ، وعند أصحابِه تفصيلٌ قالوا: يبدأُ بالصَّلاة إنْ لم يكن متعلَّق النَّفْسِ بالأكْل، أو كان متعلِّقاً به لكن لا يُعْجِلهُ عَن صَلاتِهِ، فإنْ كان يُعْجِلُهُ بَدَأَ بالطَّعامِ.
          وهذا الحديثُ ذكَرهُ البخاريُّ في باب: «إذا حَضَرَ الطَّعام وأُقيمتِ الصَّلاةُ».


[1] مسلم 64/557 وغيره...
[2] إحكام الأحكام ص104.
[3] مسلم 64/557.
[4] ابن حبان 2068، الطبراني في الأوسط 5075.
[5] كذا في الأصل، وفي «م»: يقتضي.
[6] نقله عنه الحافظ في فتح الباري 2/160.