حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: فلا تفعلوا إذا أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة

          37-قوله: (عَنْ أَبي قَتَادَةَ) [خ¦635] وهو الحارِثُ بنُ رِبْعيٍّ.
          قوله: (بَيْنَما) بالميم.
          وقوله: (مَعَ النَّبِيِّ).
          وفي رِوايةٍ: (مَعَ رَسُوْلِ الله).
          قوله: (جَلَبَةَ) بفتْح الجيمِ وتالييها، أي: أصواتهم الحاصِلة حال حركاتهم.
          قال في «المخْتار»: وجَلَبَ على فَرَسِهِ يَجْلُبُ جَلَباً، بوَزْنِ يَطْلُبُ طَلَباً: صاحَ بِه مِنْ خَلْفِهِ. انتهى.
          وقوله: (الرِّجَالِ) ﺑ (ال) التي للعَهْد الذِّهْنيِّ.
          وفي رِواية كريمةَ والأَصِيليِّ: «رِجَالٍ» بغَير ألفٍ ولامٍ، وسمَّى منهمُ الطَّبرانيُّ في رِوايته(1) أبا بَكْرَةَ.
          قوله: (فَلَمَّا صَلَّى) أي: النَّبيُّ صلعم.
          وقوله: (قَالَ: مَا شَأْنُكُمْ) بالهمْزِ وتركه، أي: حالُكُم حيثُ وقعَ منكم الجلَبَة.
          قوله: (فَلَا تَفْعَلُوْا) أي: لا تستعجلوا.
          وفي رِوايةٍ: «لا تَفْعَلُوا» بدونِ فاءٍ.
          وعبَّر بلفظِ (تَفْعَلُوا) لا بلفظ: تستعجلوا، مُبالغةً في النَّهْي عنْه.
          قوله: (إذا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ) أي: أتيتُم موضِع الصَّلاة(2) جُمعةً أو غيرَها.
          قوله: (فَعَلَيْكُمْ بِالسَّكِيْنةِ) بباءِ الجرِّ.
          واستشكلَ البِرْماوِيُّ(3) دُخولَ باءِ الجرِّ كالزَّرْكَشِيِّ وغيره؛ لأنَّ (عَلَيْكُمْ) يتعدَّى بنفسه، قالَ تعالى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [المائدة:105]!؟
          أُجِيْبَ: بأنَّ أسماءَ الأفْعالِ وإنْ كانَ حُكْمُها في / التعدِّي واللزوم حُكْمَ الأفعالِ التي هي بمعناها، إلَّا أنَّ الباءَ تُزاد في مفعولها كثيراً، نحو: عليك به، لضعفها في العمل، فتعدَّى بحرفٍ عادته إيصالُ اللَّازم إلى المفعولِ؛ قالَه الرَّضيُّ وغيرُه فيما نقلَه البَدْرُ الدمامينيُّ(4).
          وفي الحديث الصَّحيحِ: «عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ الله(5)»(6)، وحديث «فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ» [خ¦1905] [خ¦5065] [خ¦5066] [م 1/1400، 3/1400]، وحديثِ: «عَلَيْكُمْ بِالمُدَارَاةِ»، وحدِيْث: «عَلَيْكَ بِنَفْسِكَ»(7)، وحَديث: «عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ(8)»، وحديْثِ: «عَلَيْكَ بِخُوَيْصَّةِ نَفْسِكَ»(9).
          وفي رِواية ابنِ عَساكرَ والأَصيْلِيِّ: «فَعَلَيْكُمُ السَّكِيْنة»، فالنَّصبُ ﺑ (عَلَيْكُمْ) على الإغْراءِ، وجُوِّز الرَّفعُ على الابتداءِ، والخبر سابقه، والمعنى: عليكُم بالتَّأنِّي والهينة في الحركاتِ، واجتناب العَبَثِ.
          قوله: (فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوْا) أي: فإذا فعلتُم مَّا تقدَّم(10) من السَّكيْنة والوقار، (فَمَا أَدْرَكْتُمْ...) إلى آخرِه، أي: فالقَدْرُ الذي أدركتموهُ مَع الإمام من الصَّلاة، فصلُّوه معه.
          وقولُه: (وَمَا فَاتَكُمْ) أي: مَع الإمام منَ الصَّلاة، (فَأَتِمُّوا)، أي: أكملوهُ وَحْدكم.
          واستدلَّ بهذا الحديث على حُصُولِ فضيلةِ الجماعةِ بإدْراك جُزْءٍ من الصَّلاةِ لقولِه: (فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا)، ولم يُفَصَّلْ بين القليْلِ والكثيْر، وهذا قولُ الجُمهورِ.
          وقيل: لا تُدرَك الجماعةُ بأقَلَّ من ركعةٍ.
          واستدلَّ بالحديث _أيْضاً_ على استحباب الدُّخولِ مع الإمام في أيِّ حالٍ وُجد عليها، ويدلُّ لهُ حديثٌ مَرفُوعٌ(11): «مَنْ وَجَدَني راكِعاً أو قائماً أوْ ساجِداً، فلْيكُن مَعي على حالَتي التي أنا عَلَيْها».
          وهذا الحديثُ المذكورُ في الكتابِ دليلُ الشَّافِعيَّة؛ حيثُ قالوا: ما أدْركَ المسبوقُ مَع الإمام أوَّلُ صَلَاتِه، وما أتى به بعد سلامِ الإمام آخِرُ صلاتِه؛ لأنَّ الإتمامَ لا يكون إلَّا للآخرِ؛ لأنَّه يقَعُ على باقي شيءٍ تقدَّمَ أوَّلُه.
          وعكسَ أَبو حَنِيفةَ فقال: «ما أدركَ مَع الإمام فهو آخِرُها»، ويشهد لَه حديثُ: «وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوْا»(12).
          وأجابَ الشَّافِعيَّةُ بأنَّ القضاءَ وإنْ كان يُطلقُ على الفائتِ لكنَّه يطْلقُ على الأداءِ، ويأتي بمعنى الفراغ، قالَ تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا} [الجمعة:10]؛ وحينئذٍ فتُحمل رِواية «فاقْضُوْا» على معنى الأداءِ والقضاءِ.
          فحينَئذٍ، لا يصح قول الأُجْهُوريِّ الآتي بَعْدُ؛ فإنَّ الشَّافعيَّ جمعَ بين الحديثَين أيضاً، والحديثانِ صَحيحان، وقد أخذَ كلٌّ من الإمامَين بحديثٍ وألغى الآخَرَ، وجمعَ مالكٌ بينهُما، فقال: يكون بانياً في الأفعال، قاضياً في الأقْوالِ. انتهى.
          يعني: إنَّه يبني على ما فاته منَ الركعاتِ، ويجهر فيما يأتي به من الفاتحة / والسُّورةِ، فإذا أدركَ مَع الإمام ركعتَين من الرباعية ثمَّ سلَّم الإمامُ فإنَّه يأتي بركعتَين ويقرأ سُورةً في كُلٍّ منهما، وتُسمَّى هذه: مُنقلبةٌ؛ صار أوَّلُها آخِراً وبالعكْسِ.
          وإذا أدركَ معه ركعةً من الرباعية وقرأَ فيها سورةً، فإنَّها لا تجزئ، فإذا سلَّمَ الإمامُ أتى بثلاث ركعاتٍ يقرأُ في الأُولى والثَّانية سُورة بعد الفاتحة، وهذه تُسمَّى: حُبْلى؛ لوُقوع الرَّكعتَين اللَّتَين فيهما السُّورة في الوسطِ.
          وإذا أدركَ مَع الإمام ثلاثَ ركعاتٍ، قرأَ في الأُولى منها سُورة، وإذا سَلَّم الإمامُ أتى بركعةٍ وقرأَ فيها سُوْرةً، وتسمَّى: ذاتُ الجناحَيْن؛ لوُقُوعِ السُّوْرة في الطَّرفَين.
          وهذا الحديثُ ذَكَرهُ البخاريُّ في باب: قول الرَّجُل: فاتتنا الصَّلاة.


[1] لم أقف عليه عند الطبراني وهو هنا تبع ابن حجر في الفتح 1/262.
[2] في «م» زيادة: للصلاة.
[3] اللامع الصبيح 3/479.
[4] مصابيح الجامع 2/291_292.
[5] مسلم 92/1115.
[6] في هامش «ز1»: أي: اقبلوا ما رخصه الله لكم.
[7] حم 6639، البيهقي 6041.
[8] قوله: «وحديث: «عليك بنفسك»... الليل» زيادة من الأصل، وسقطت من «م». ت 3549، المستدرك 1156، البيهقي 4832.
[9] ابن عبد البر في التمهيد 24/315_316.
[10] كتب فوقها في «ز1»: أي: ما أمرتم به.
[11] ابن أبي شيبة 2616.
[12] النسائي 861.