حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: من نسي صلاةً فليصل إذا ذكرها

34- قوله: (عَنْ أَنَسٍ) [خ¦597] وفي رِوايةٍ زِيادة: ابنِ مالِكٍ.
          قوله: (مَنْ نَسِيَ صَلَاةً) أي: مكْتوبةً أوْ نافِلةً مُؤقَّتةً.
          زادَ مُسْلِمٌ[315/684] بَعْد (صَلَاةً): «أَوْ نَامَ عَنْهَا».
          وقد تمسَّكَ بظاهرِ هذا الحديثِ القائلُ بأنَّ العامِدَ لا يقضي الصَّلاةَ؛ لأنَّ انْتفاءَ الشَّرطِ يسْتلزمُ انتفاءَ المشروطِ، فيلزم مِنْه أنَّ مَن لم يَنْسَ لم يُصَلِّ.
          وقالَ مَن قالَ «يقْضي العامِدُ»: إنَّ ذلك مُستفادٌ منْ مفهوم الخِطابِ، فيكونُ منْ باب التَّنبِيه بالأدنى على الأعْلى؛ لأنَّه إذا وجَبَ القضاءُ على النَّاسي مَع سُقوطِ الإثْم ورَفْعِ الحرَجِ فالعامِدُ أَوْلى.
          وادَّعى بعضُهم أنَّ وُجوْبَ القضاءِ على العامِد يُؤخذ مِن قولِه: (نَسِيَ)؛ لأنَّ النِّسْيان يُطْلَقُ على التَّرْكِ، سواءٌ كان عَن ذُهولٍ أَمْ لا؛ ومِنْه قولُه تعالى: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة:67].
          قالَ: ويُقوِّي ذلك قولُه: (لا كَفَّارَةَ لَها)، والنَّائمُ والنَّاسي لا إثْمَ عَلَيه.
          قلْتُ: وهو بَحْثٌ ضعيفٌ؛ لأنَّ الخبَرَ بذِكْر النَّائمِ ثابتٌ، وقد قالَ فيه: (لا كَفَّارَةَ لَها)، والكفَّارةُ قد تكون عَنِ الخطَإ كما تكون عنِ العَمْدِ.
          والقائلُ بأنَّ العامِدَ لا يقْضي، لم يُرِدْ أنَّه أخَفُّ حالاً مِن النَّاسي، بل يقول: إنَّه لو شرع له القضاء لكان هُو والنَّاسي سواءٌ، والنَّاسي غيرُ مأْثومٍ بخلافِ العامِد، والعامدُ أَسْوأُ حالاً منَ النَّاسي، فكيفَ يَسْتوِيان!
          ويُمكن أنْ يقالَ: إثْمُ العامِد بإخْراجِه الصَّلاة عَن وَقْتِها باقٍ عَلَيه ولو قَضاها، بخِلافِ النَّاسي؛ فإنَّه لا إثْمَ عَلَيه مُطْلقاً، ووُجوبُ القضاءِ على العامِد بالخِطابِ الأوَّل؛ لأنَّه قد خُوطِبَ بالصَّلاة وتَرتَّبت في ذمَّتِه وصارَت دَيْناً عليه، والدَّيْنُ لا يسقط إلَّا بأدائِه فيأثمُ بإخْراجِه لها عنِ الوَقْتِ المحْدودِ لها، ويسقطُ عنْه الطَّلَب بأدائِها، فمَن أفطرَ يوماً مِن رَمَضانَ عامِداً فإنَّه يَجِبُ عليه أنْ يقضيَه مَع بقاءِ إثْمِ الإفْطارِ عليْهِ.
          واللهُ أَعلمُ.
          قوله: (فَلْيُصَلِّ) أي: وُجوباً في المكْتوبة، ونَدْباً في النَّافِلة المؤقَّتة.
          وفي رِوايةٍ لمسلمٍ [309/680، 311/681، 314/684، 316، 684]: «فَلْيُصَلِّهَا».
          قوله: (إذا ذَكَرَهَا) أيْ: مُبادِراً للمَكْتوبة، وُجوباً إنْ فاتتْ بلا عُذْرٍ، ونَدْباً إنْ فاتَت بعُذْرٍ، كنَوْمٍ ونِسْيانٍ، تعْجيلاً / لبَراءةِ الذِّمَّة.
          ولأبي ذَرٍّ: «إذا ذَكَرَ» بإسقاط ضميْرِ المفْعولِ.
          قوله: (لا كَفَّارَةَ لَها إلَّا ذلِكَ) أي: لا كَفَّارة للصَّلاةِ المنْسيَّةِ إلَّا ذلك، أي: إلَّا قضاؤُها فَقَطْ، ولا يلزمه في نِسْيانها غرامةٌ ولا صَدَقةٌ ولا زِيادةُ تضعيفٍ لَها، إنَّما يُصلِّي ما تَرَكَه، فلا يخرجُ منْ عهدةِ الطَّلَبِ بِها إلَّا بذلك.
          وأمَّا حُرمةُ تعمُّدِ تأخْيرِها، فهُو كَبِيرةٌ تحتاجُ لتَوْبةٍ.
          واستفيدَ مِن هذا الحَصْرِ أنْ لا تَجِب غير إعادتها.
          وذَهبَ الإمامُ مالكٌ إلى أنَّ مَن ذَكَر بَعْد أن صلَّى صلاةً أنَّه لم يُصلِّ التي قبلها، فإنَّه يُصلِّي الذي ذَكَر، ثمَّ يُصلِّي التي صلَّاها مُراعاةً للتَّرتيْبِ.
          قولُه: (أَقِمِ الصَّلَاةَ).
          وفي رِوايةٍ: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ}، أي: ائتِ بها مُستكملةً لأرْكانِها وشُروْطِها.
          قوله: {لِذِكْرِي}.
          وفي رِوايةٍ: «للذِّكْرى» بلامَيْن، وفَتْحِ الرَّاءِ، بَعْدها ألِفٌ مقْصورةٌ.
          اختلفَ في المُرادِ بقَولِه: {لِذِكْرِي}.
          فقيل: المعنى: لتذكرني فيها.
          وقيل: لأذكرك بالمَدْحِ.
          وقيْل: إذ ذُكِّرْتها، أي: لذِكْري لك إيَّاها، وهذا يَعْضُدُ قِراءةُ مَن قرأَ: (للذكرى)، وقالَ النَّخَعيُّ: اللَّامُ للظَّرْفِ، أيْ: إذا ذكرتني، أي: إذا ذكرت أمْري بعد ما نَسيتَ.
          وقيلَ: لا تذكر فيها غَيْري.
          وقيل: شُكراً لذكري.
          وقيل: المرادُ بقوله (ذكري)، أي: ذكر أمْري.
          وقيل: المعنى: إذا ذكرت الصَّلاة فقد ذكرتني؛ فإنَّ الصَّلاةَ عِبادةٌ لله تعالى، فمَتى ذَكَرها ذَكَرَ المَعْبودَ، وكأنَّه أرادَ لذي الصَّلاة.
          هذا والأَولى _كما قالَ بعضُهم_ أن يُقْصَدَ إلى وَجْهٍ يُوافقُ الآيةَ والحديْثَ، وكأنَّ المعنى: أَقِمِ الصَّلاةَ لذكرها، فقد أوْقعَ ضمير الله مَوقع ضميرِ الصَّلاة لشَرَفِها، أو هو على حذفِ مُضافٍ، أي: لذكرِ صلاتي.
          وإنَّما تَلَا المُصطَفى صلعم هذه الآيةَ للإشارةِ إلى أنَّ الخِطابَ في قولِه: (أَقِمِ الصَّلَاَةَ) ليسَ مَخْصُوصاً بمُوسى، بلْ غيره كذلك، وليسَ المقْصودُ مِن ذلك أنَّ شَرْعَ مَن قبْلَنا شَرْعٌ لَنا إنْ وردَ في شَرْعِنا ما يقرِّرُه.
          وهذا الحديثُ ذَكَره البُخاريُّ في باب: «مَنْ نَسِيَ صلَاةً، فلْيُصلِّ إذا ذَكَرَها».