حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة؟

          30- قَوْلُه: (قَالَ) أي: أَبو هُريرةَ. [خ¦482]
          وقوْلُه: (إحْدَى صَلَاتَي العَشِيِّ) المرادُ بهما: الظُّهرُ والعَصْرُ، والعَشيُّ من الزَّوالِ إلى غُروْبِ الشَّمْسِ(1).
          قولُه: (قَالَ ابنُ سِيْرِيْنَ) أي: الرَّاوي عَن أبي هُريرةَ، واسمُه محمَّدٌ، وهُو تابعيٌّ.
          وقوله: (وَسَمَّاهَا) أي: عيَّنها.
          وفي نُسْخةٍ: «وَقَد سَمَّاهَا».
          وقَوله: (وَلكِنْ نَسِيْتُ أَنَا) النَّاسي هُو ابنُ سِيْرينَ، فينْبَغي عَدَمُ التَّعْيين بكونِها ظُهْراً أوْ عَصْراً، أي: إنَّ ابنَ سِيْرين نسيَ تلْك الصَّلاةَ، هلْ هيَ الظُّهر أوِ العَصْر.
          وقوله: (قَالَ) أي: أَبو هُريْرةَ.
          وقولُه: (فَصَلَّى) أي: النَّبيُّ صلعم.
          وقوله: (ثُمَّ سَلَّمَ) أيْ: منَ الرَّكْعتَين.
          قوله: (فَقَامَ) أَي: النَّبيُّ صلعم.
          وقوله: (مَعْرُوْضَةٍ) أيْ: مُلْقاةٍ على الأرضِ بالعَرْضِ، وليستْ قائمةً كالعَمُودِ، فهيَ مطْروحةٌ في ناحيةٍ مِن نَواحِي المسجدِ.
          قوله: (كَأنَّهُ غَضْبَانُ) أيْ: حالُه كحَالِ غَضْبان، بحيثُ لا يقْدِر أحدٌ ولا يَستطيع أنْ يقدم عَلَيه، وغضبُه لحالةٍ قامَتْ به لتفكُّره في حِكْمة ربِّه؛ وهكذا شأنُ المتعلِّقين بِرَبِّهم، وليسَ غضبُه لدُنْيا أدْبرتْ عنه صلعم؛ لأنَّه مُعلِّمٌ للنَّاسِ تَرْك الدُّنيا وإقْبالهم على الله ╡.
          قولُه: (على اليُسْرَى).
          وفي رِوايةٍ: «على يَدِهِ اليُسْرَى».
          قوله: (وَوَضَعَ خَدَّهُ الأَيْمَنَ) وفي رِواية الكُشْميهَنيِّ: / «وَوَضَعَ يَدَهُ اليُمْنى على ظَهْرِ كَفِّهِ اليُسْرى»، والأُولى أشبَه؛ لئلَّا يلزَم التَّكرار.
          قوله: (السَّرَعَانُ) بتشديدِ السِّيْنِ المفتوحةِ، مَع فَتْحِ الرَّاءِ، كَما عليْه الجُمهورُ.
          وقيلَ: بسُكُون الرَّاءِ، كما نقَلَه القاضي عِيَاضٌ(2) عَن بَعْضِهم.
          وضبَطَه الأَصِيْليُّ بضمِّ السِّيْنِ، وإسكانِ الرَّاءِ، جمعُ سَرِيْع، ككُثْبان جمعُ كَثِيْبٍ.
          ومعنى الثَّلاثة: المُسْرِعُوْنَ، أي: الذين يخرجونَ بمُجرَّد سلَام الإمامِ.
          قوله: (فَقَالُوا) أي: الجماعةُ الحاضِرون، أي: قال بعضُهم لبعْضٍ.
          قوله: (أَقَصُرَتِ) بفَتْح القافِ، وضَمِّ الصَّادِ.
          وفي رِوايةٍ: «قُصِرَتِ» بضمِّ القافِ، وكسرِ الصَّاد، مبنيّاً للمَجهولِ.
          وفي رِوايةٍ: «قَصُرَتِ» بالبناءِ للفاعلِ مَع حذْفِ همْزةِ الاستفهام، أي: دخلَها القِصَرُ.
          قال في «المخْتار»: وقَصُرَ الشَّيءُ ضِدُّ طَالَ، يَقْصُرُ بالضَّمِّ، قِصَرَاً بوَزْنِ عِنَبٍ، وقَصَرَ الشَّيْءَ على كَذا: لم يُجاوِزْ به إلى غَيْره، وبابُهُما نَصَرَ. [انتهى](3).
          قوله: (فَهَابَاهُ).
          وفي رِوايةٍ: «فَهَابَا» بإسقاطِ الضَّميْرِ، أي: خافَا أنْ يُكلِّماهُ صلعم إجْلالاً لَه.
          قوله: (ذُوْ اليَدَيْنِ) اسمُه الخِرْبَاقُ، و(ذُوْ اليَدَيْنِ) لقَبُه، ولُقِّب بذلك لِطُولٍ في يدَيْه.
          وقوله: (قَالَ)، وفي رِوايةٍ: (فَقَالَ).
          قوله: (أَمْ قَصُرَتِ الصَّلَاةُ) بالبناءِ للفاعلِ أوْ المفعولِ(4).
          قوله: (لَمْ أَنْسَ وَلَم تُقْصَرْ) وفي رِوايةٍ: «كُلُّ ذلِك لَمْ يَكُنْ»، وهذا مُشكلٌ بظاهرِه؛ إذِ الواقعُ أحدُهُما ولابُدَّ!
          وأُجِيْبَ بأجْوبةٍ، منها:
          أنَّ قولَه: (لَمْ أَنْسَ) أي: في اعْتقادِي وظَنِّي، فلَم يحصل نسْيانٌ ولا قَصْرٌ بحسَبِ اعتقادِه وظَنِّه، بلْ هي تامَّةٌ.
          ومنْها: إنَّ المرادَ مِنْ (لَمْ أَنْسَ): لم يحصلْ مِنِّي نِسْيانٌ حقيقةً، بلْ سهوتُ، والسَّهْوُ غيرُ النِّسْيان؛ إذِ السَّهْوُ: زَوالُ المعْلوم مِن المدركة مَع بقائه في الحافِظة، والنِّسْيانُ: زَوالُه منهُما، وليسَ بلازمٍ أنَّ كُلَّ سَهْوٍ من الشَّيْطان، بلْ ربَّما كان لِتفَكُّر(5) في حِكَم الله.
          ومِنها: إنَّ المرادَ بقَولِه (لَم أَنْسَ): لم أتركْ عَمداً، فالنِّسيَانُ يأْتي بمعنى التَّرْك، قالَ اللهُ تَعالى: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة:67].
          ومنْها: إنَّ المرادَ الإنكارُ على مَن قالَ له: (أَنَسِيْتَ) بلِ المناسبُ للسَّائلِ أنْ يقُولَ له: أَأُنْسِيْتَ، أي: أَوَقَعَ(6) عليكَ النِّسْيان منَ الله.
          ولذلك وَرَدَ(7): «لَسْتُ أَنْسَى، ولكِن أُنَسَّى لِأَسُنَّ».
          قوله: (وَلَمْ تُقْصَرْ) أي: الصَّلاة.
          وقوله: (فَقَالَ) / أي: النَّبيُّ صلعم للحاضِرين.
          وقوله: (أَكَمَا يَقُوْلُ) أي: الأمْرُ كما يَقوْلُ.
          وفي رِوايةٍ: «أَحَقٌّ مَا يَقُوْلُ» [خ¦1227].
          قوله: (فَقَالُوا: نَعَمْ) أي: قالَ الحاضِرونَ للنَّبيِّ صلعم: (نَعَمْ)، أي: الأمْرُ كما يقولُ ذُو اليَدَيْن.
          وقولُه: (فَتَقَدَّمَ) أيْ: تَقدَّم النَّبيُّ صلعم في مَكانِه الأوَّل(8).
          وقولُه: (فَصَلَّى) أيْ: بَعْد أنْ تذكَّر، أوِ اعْتماداً على خَبَر الصَّحابةِ؛ لأنَّهم كانُوا عدد تواتر.
          وقولُه: (مَا تَرَكَ) أي: وهو ركْعتان.
          قوله: (ثُمَّ سَلَّمَ) أي: بعد أنْ صلَّى الرَّكعتَين.
          وقوله: (ثُمَّ كَبَّرَ) أي: للهوي للسَّجْدة الأُولى من سجدَتَي السَّهْوِ.
          وقوله: (وَسَجَدَ) أي: السُّجود الأوَّل.
          وقوله: (مِثْلَ سُجُوْدِهِ) أي: في الصَّلاة.
          وقوله: (أَوْ أَطْوَلَ) شكٌّ منَ الرَّاوي.
          وقوله: (ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ) أي: من السَّجدة الأُولى.
          وقوله: (وَكَبَّرَ) أي: للرَّفْع منها.
          وقوله: (ثُمَّ كَبَّرَ) أي: للهوي للسَّجدة الثَّانيةِ، وسقطَ (ثُمَّ كَبَّرَ) لابنِ عَساكرَ.
          وقوله: (وَسَجَدَ) أي: السَّجدة الثَّانية.
          وقوله: (ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ) أي: مِنها.
          وقوله: (وَكَبَّرَ) أي: للرَّفْع منْها أيضاً.
          قولُه: (فَرُبَّما سَأَلُوْهُ)، (رُبَّ) هُنا للتَّحقيق، و(مَا) كافَّةٌ، أي: سألوا ابنَ سِيْرين تحقيقاً وقالوا لَه: هلْ سَلَّمَ ╕ بعْدَ هذا السُّجود مرَّةً أُخرى، أوِ اكتفى بالسَّلام الأوَّل؟
          فقولُه: (ثُمَّ سَلَّمَ) هو المسؤول عنْه.
          قوله: (فَيَقُوْلُ) أي: ابنُ سِيْرِيْنَ.
          وفي رِوايةٍ للأَصِيْليِّ: (يَقُوْلُ) بتَرْك الفاءِ.
          قولُه: (نُبِّئْتُ) أي: أُخبرْت، أي: أخبَرَني واحِدٌ عَن شَيْخِي عِمْرانَ بنِ حُصينٍ، فعُمرانُ شيخُه أيضاً كأَبي هُريرةَ، لكن لم يُخبرْهُ أبو هُريرةَ ولا عِمْرانُ بذلك، بلْ أخْبَرَه واحِدٌ أنَّ عِمْرانَ قال: (ثُمَّ سَلَّمَ)، أي: سلاماً ثانياً ولم يكْتف بالأوَّلِ، وهو مذْهبُ المالِكيَّة والحنفيَّةِ.
          فقوله: (قَالَ) أي: عِمْرانُ.
          وهذا الحديثُ ذَكَره البخاريُّ في باب: تشْبيك الأَصابع في المسْجِد وغَيْره.


[1] قوله: «قوله: (قال) أي: ... غروب الشمس» زيادة من الأصل، وسقطت من «م».
[2] في المشارق 2/213.
[3] ما بين الحاصرتَين منِّي.
[4] وهذا حديث في إسنادِه كذَّاب، ينظر: «الأمالي المطلقة» لابن حجر (ص: 202).
[5] في «م» زيادة: من.
[6] كذا في الأصل، وفي «م»: وقع.
[7] الموطأ 225.
[8] قوله: «وقوله: (فتقدم) أي:... مكانه الأول» زيادة من الأصل، وسقطت من «م».