حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

باب الصلاة إذا قدم من سفر

28- قوله: (عَنْ كَعْبِ بنِ مَالِكٍ) [خ¦59/8-729] هو الأنْصاريُّ، أَحدُ الثَّلاثة الذين أنزلَ الله تعالى فيهم {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة:118] والاثنان الآخَران هِلالُ بنُ أُميَّةَ ومُرارَةُ بنُ الرَّبيْعِ.
          ويقال: أوَّلُ أسمائهم مكَّةُ وآخرُ أسماءِ آبائهم عكَّةُ، وكلُّهم مِّنَ الأنصارِ.
          وفي معنى {خُلِّفُوا} قولان:
          أحدُهما: إنَّهم خُلِّفُوا عن توبةِ أبي لُبابةَ وأصحابه؛ وذلك أنَّهم لم يخضعوا كما خضعَ أبو لُبابةَ وأصحابُه، فتابَ اللهُ تعالى على أبي لُبابَةَ وأصْحابِه فَوْراً، وتأخَّر أمرُهم مُدَّةً، ثمَّ تابَ عليهم بعد ذلك.
          والقَول الثَّاني: إنَّهم خُلِّفوا عن غَزْوة تَبُوك، فلم يخرجوا مَع رسولِ الله صلعم فيها.
          وقولُه تعالى: {حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} [التوبة:118] أي: برحبها، أي: بسعتها، وهو مَثَلٌ للحَيْرة في أمْرِهِم، كأنَّهم لا يجِدونَ فيها مَكاناً يقرون فيه قَلَقاً وجزعاً ممَّا هُم فيه، {وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ} أي: قُلُوبُهم لا تَسَع أُنْساً ولا سُرُوراً.
          قوله: (إذا قَدِمَ) أي: جاءَ.
          قال في «المختار»: قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ بالكَسْرِ قُدُوْماً ومَقْدَماً أيضاً بفَتْح الدَّالِ. انتهى.
          وقال في «المصباح»: وقَدِمَ الرَّجُلُ البَلَدَ يَقْدَمُ، مِن بابِ تَعِبَ، قُدُوْماً ومَقْدَمَاً بفَتْح الميم والدَّالِ. [انتهى](1).
          وقوله: (مِنْ سَفَرٍ) أَيْ: أيُّ سَفَرٍ كان، طَوِيلاً أو قَصيراً.
          قوله: (بَدَأَ بِالمَسْجِدِ) أي: بالدُّخولِ للمَسْجدِ، وفي البداءة بِه حِكَمٌ، مِنْها:
          إنَّ الأَولى تقْديمُ حقِّ الرَّبِّ.
          ومنها: إنَّه رجعَ إلى بيتِ / رَبِّه، فهو إشارةٌ لقوله تعالى: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم:42].
          ومنها: إنَّه يُشاعُ أنَّ فُلاناً أَتى، فَتُخْبر زوجتُه، فتُهيِّئ له البيْتَ ونفْسَها.
          قولُه: (فَصَلَّى فِيْهِ) أي: رَكْعتَين سُنَّة القدوم منَ السَّفَرِ.
          وهذا الحديثُ ذكرهُ البخاريُّ في باب: الصَّلاة إذا قَدِمَ من سَفَرِه[خ¦8/59-729].


[1] ما بين الحاصرتَين منِّي.