حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: يجاء بنوح يوم القيامة فيقال له: هل بلغت ؟

          286- قولُه: (يُجَاءُ بِنُوْحٍ) [خ¦7349] بضمِّ التَّحتيَّة، وفَتْح الجيْم.
          وفي رِوايةٍ[ـه 4284، حم 11575]: «وغَيْرِهِ مِنَ الأَنبِياءِ».
          وخُصَّ نُوحٌ بالذِّكْر لأنَّه أوَّلُ نَبِيٍّ أُرسل إلى الكفَّار.
          قوله: (فَيُقَالُ لَهُ) أي: يُقال لنُوْحٍ مِن قِبَلِ الله.
          قوله: (هَلْ بَلَّغْتَ) أي: رسالَتي إلى قومِك.
          وقوله: (نَعَمْ) أي: بلَّغتها.
          وقوله: (فَتُسْأَلُ) بضمِّ الفوقيَّة.
          وقوله: (فَيَقُوْلُ) أي: اللهُ تبارك وتعالى لنُوْحٍ ╕.
          ولأبوي ذَرٍّ والوَقْتِ: «فَيُقَالُ».
          وقولُه: (مَنْ شُهُوْدُكَ) أي: الذين يشهدون لكَ أنَّك بلَّغتهم.
          وقوله: (فَيَقُوْلُ) أي: نُوْحٌ.
          وقوله: (مُحمَّدٌ وَأُمَّتُهُ) أي: يشهد لي محمَّد وأُمَّتُه.
          قولُه: (فَيُجَاءُ بِكُمْ) ولأبوَي ذَرٍّ والوَقْت: «فقالَ رَسُوْلُ الله صلعم: فَيُجَاءُ بِكْمْ».
          وقوله: (فَتَشْهَدُوْنَ) أي: بأنَّه بلَّغَهُم.
          ووردَ أنَّه حين تأْتي أُمَّة نبِيِّنا صلعم يشهدونَ، تقولُ أُمَّةُ نُوْحٍ: إنَّ أُمَّةَ محمَّدٍ بَعْدنا، فكيفَ يشهدونَ عَلَينا! فيقولُ الرَّبُّ جلَّ جلَالُه لأُمَّة محمَّدٍ: هَل لَّكم من معدلٍ؟
          فيقولون: أرسلْتَ إلَيْنا الصَّادِقَ المصْدُوقَ بكتابِك، وأنتَ لا تقول إلَّا صِدْقاً.
          قوله: (قَالَ) أي: في تفْسِير {وَسَطًا}.
          قوله: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}.
          ولأبي ذرٍّ: «عَدْلَاً»(1)، إلى قولِه: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة:143]، فاللَّامُ في {لِتَكُونُوا} لامُ كَي فتُفيد العلِيَّة، أوْ هي لامُ الصَّيرورة وأتى ﺑ {شُهَدَاءَ} الذي هو جمعُ شَهِيْدٍ ليدلّ على المبالغة دُون شاهِدِيْنَ وشُهُوْدٍ جمْعَي شاهِدٍ.
          واختلفَ(2) في {عَلَى} على قولَيْن(3):
          إنَّها على بابها، وهو الظَّاهرُ.
          أو بمعنى اللَّام، بمعنى: إنَّكُم تنقلون إليهم ما علمتموه من الوَحْي والدِّيْن، كما نقَلَه الرَّسُولُ ╕.
          قولُه: {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:143] عَطْفٌ على {لِتَكُونُوا}، أي: يُزكِّيكم ويُعْلِم بعدالتِكُم.
          والشَّهادةُ قد تكون بلا مُشاهدةٍ كالشَّهادة بالتَّسامُعِ في الأشياءِ المعْرُوفة، ولمَّا كان الشَّهيْد كالرَّقيب جِيءَ بكلمة الاستعلاءِ.
          واستدلَّ بالآيةِ على أنَّ الإجماعَ حُجَّةٌ؛ لأنَّ اللهَ تعالى وصَفَ هذه الأُمَّة بالعدالةِ، والعَدْلُ هُو المستحقُّ للشَّهادة وقَبولها، فإذا اجْتمعوا على شيءٍ وشَهِدوا به لزِمَ قَبولُه.
          وهذا الحديثُ ذَكَره البُخاريُّ في باب: قَوْل الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة:143].


[1] في المطبوع: عدولاً.
[2] كذا في الأصل، وليست في «م».
[3] كذا في الأصل، وفي «م»: قولان.