حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: يتقارب الزمان وينقص العمل ويلقى الشح

          282- قوله: (يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ) [خ¦7061] أي: بأنْ يعتدل اللَّيل والنَّهار.
          أو يَدْنُو قِيَام السَّاعة.
          أوْ تقصر الأيَّام واللَّيالي.
          أو يتَقَارَب في الشَّرِّ والفَسادِ حتَّى لا يبقى مَنْ يقول: الله الله.
          أوِ المُراد بتقارُبِه: تسارعُ الدُّول في الانقضاءِ، فيتقاربُ زمانُهم وتَتوالى أيَّامهم.
          أو تتقارب أحْواله في أهْلِه في قلَّة الدِّيْن، حتَّى لا يكون فيهم مَن يأمُر بمَعروفٍ ولا ينهى عَن مُنكرٍ لغَلَبة الفِسْقِ وظهورِ أهلِه.
          أوِ المراد قِصَرُ الأعمارِ بالنِّسْبة إلى كُلِّ طبقةٍ، والطَّبقةُ الأخيْرةُ أقصرُ عُمراً من الطَّبقة التي قبْلَها.
          وفي حديثِ أَنسٍ عِنْد التِّرْمذيِّ[2332] مَرفُوعاً: «لا تَقُومُ السَّاعةُ حتَّى يتقارَبَ الزَّمانُ، فتكُونُ السَّنَةُ كالشَّهْرِ، والشَّهْرُ كالجمُعةِ، والجمُعة كاليَوْم، ويكوْنُ اليوْمُ كالسَّاعة، والسَّاعةُ كاحْتِراقِ السَّعَفِ».
          وما تضمَّنه هذا الحديث قد وُجد في هذا الزَّمان، فإنَّا نجِدُ مِن سُرعة الأيَّام ما لم نجِدْهُ في العَصْر الذي قبله.
          فالحقُّ أنَّ المرادَ: نَزْعُ البَرَكةِ مِن كُلِّ شيءٍ، حتَّى من الزَّمَن، وهذا مِن علاماتِ قُرْبِ السَّاعةِ.
          وقال النَّوويُّ(1): المرادُ بقِصَره عَدَمُ البركَةِ فيه، وأنَّ اليومَ _مَثَلاً_ / يصيْرُ الانتفاعُ به بقَدْر الانتفاعِ بالسَّاعة الواحِدة.
          ولأبي ذَرٍّ، عنِ الحَمُّوْييِّ والمُسْتَمْلِيِّ: «يَتَقَارِبُ الزَّمَنُ»، بإسقاط الألْف بَعْد الميم، وهي لُغةٌ فيه شاذَّة؛ لأنَّ فَعَلَاً(2) بالفَتْح لا يُجمَع على أَفْعُل(3) إلَّا حُروفاً يَسيْرة [ﻛ ](4): زَمَنٍ وأَزْمُنٍ، وجَبَلٍ وأَجْبُلٍ، وعَصَبٍ وأَعْصُبٍ(5).
          قَوله: (وَيَنْقُصُ العَمَلُ) بتحْتيَّةٍ(6)، فَنونٌ ساكِنةٌ، فقافٌ مضْمومةٌ، فصادٌ مُهملةٌ، و(العَمَلُ) بالعَيْن والميم، بعدها لامٌ.
          ولأبي الوَقْتِ وأبي ذَرٍّ، عَن الكُشْميهَنيِّ: «ويُقْبَضُ العِلْمُ»، بضمِّ التَّحتيَّة، بعدها قافٌ ساكنةٌ، فمُوحَّدةٌ، فضادٌ مُعجمةٌ، و(العِلْمُ) بتقْدِيم اللَّامِ على الميْمِ.
          وقال في «الفَتْح»[13/14]: قولُه: «وَيَنْقُصُ العِلْمُ»، يعني: بالنُّون والصَّادِ المُهملة، كذلك للأكْثر.
          وفي رِواية المُسْتَمْلِيِّ والسَّرْخَسيِّ: «العَمَلُ»، يَعْني: بَدَلَ «العِلْمُ».
          قال: ومثلُه في رِوايةِ شُعيْبٍ، عنِ الزُّهْريِّ، عَن حميدٍ، عنْ عبد الرَّحمن، عَن أبي هُريرةَ عِنْد مُسْلمٍ. انتهى.
          وقد قيل: إنَّ نقْصان العَمَل الحسِّي ينشأُ عَن نَقْص الدِّيْن ضرورةً.
          وأمَّا المعنويُّ فبسبب ما يدخُل من الخلَل بسبب سُوء المطْعَم وقلَّةِ المساعدة على العَمَل، والنَّفْسُ ميَّالةٌ إلى الرَّاحة وتحن إلى بسطها(7)، ولكثرة شياطين الإنسِ الذين هُم أضرُّ من شياطين الجِنِّ.
          قوله: (وَيُلْقَى الشُّحُّ) بتثْليث الشِّين، وهو البُخل، أي: يُلْقيه اللهُ في قُلُوب النَّاسِ على اختلاف أحْوالهم حتَّى يبخل العالِمُ بعِلْمه فيترك التَّعليم والفَتْوى، ويبخل الصَّانع بصناعتِه حتَّى يترك تعليمَ غيرهِ، ويبخل الغَنيُّ بمالِه حتَّى يهلكَ الفَقيرُ.
          وليس المرادُ أصلَ الشُّحِّ؛ لأنَّه لم يزلْ مَوجوداً.
          فالمرادُ غلَبتُه وكثْرتُه، وليس بينَه وبينَ قولِه «ويَفِيْضُ المَالُ حتَّى لا يَقْبَلَه أحَدٌ» تعارُض؛ إذْ كُلٌّ منهُما في زمانٍ غير زمانِ الآخَر.
          وقَوْلُه: (وَيُلْقَى) بضمٍّ، فسُكُونٍ، ففَتْحٍ.
          وقال الحُمَيديُّ(8): ولم يضْبطِ الرُّواةُ هذا الحرفَ، ويحتملُ أنْ يكونَ بتَشْديدِ القافِ، بمعنى: يتلقَّى ويتعلَّم ويتواصى به ويدعى إليه، مِن قولِه تعالى: {وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص:80]، أي: ما يعلمها وينبّه عليها.
          ولَو قيلَ: (يلقَى) بتخفيف القافِ لكان أبعدُ؛ لأنَّه لو ألقي لترك ولم يكن موجوداً. انتهى.
          قال في «المَصابِيْح»[10/82]: وهذا غيرُ لازِمٍ؛ إذْ يمكن أنَّ المراد يُلْقى الشُّحُّ في القُلوب، أي: يُطرح فيها، فيكون حينئذٍ مَوجوداً لا مَعْدوماً.
          قوله: (وَتَظْهَرُ الفِتَنُ) أي: كثرتها.
          قوله: (وَيَكْثُرُ الهَرْجُ) بفَتْح الهاءِ، وسكون الرَّاءِ، بعدها جيْمٌ.
          قوله: (أيُّمَ) بفَتْح الهمْزة، وتشديدِ التَّحتيَّة، وفتح الميْم مخفَّفة، أي: أيُّ شيءٍ، والأكثرُ على حذف الألِف بعد ميم (ما) تخفيفاً.
          ولأبي ذَرٍّ: «أيُّما»، بضمِّ التَّحتيَّة، وبعد الميم ألِفٌ.
          وضبطَه بعضُهم بتخفيف التَّحتيَّة، أي: بحذف الياءِ الثَّانية كما قالوا: أيش، في موضع: أيُّ شيءٍ.
          وفي رِواية عَنْبسةَ بنِ خالدٍ، عَن يُونسَ، عند أبي داوُد: قيل: يا رسول الله! «أيش هُو»(9).
          قوله: (القَتْلُ القَتْلُ) بالتَّكرار مرَّتَين، أي: هو القَتْلُ.
          وهذا الحديثُ ذكَره البخاريُّ في باب: ظُهور الفِتَن.


[1] كما في الفتح 13/17 ولم أجده في كتب النووي.
[2] كذا في الأصل و«ت» و«ز2» و«ف2» و«ف3»، وفي «ز1» و«ز4» و«ز5»: فعلى.
[3] كذا في «ز3» و«م»، وفي الأصل و«ت» و«ز1» و«ز2» و«ز4» و«ز5» و«ف2» و«ف3»: أفعال. والمثبتُ من المصادِر.
[4] ما بين الحاصرتَين منِّي.
[5] ينظر: «مُختار الصِّحاح» لزين الدِّين الرَّازي، مادَّة (يدي).
[6] في «ت» و«ز1» و«ز4» و«ز5» و«ف3» زيادة: ففوقية. وليست في الأصل و«ز2»، وقد ضرب عليها في «ز3» و«ف2». والمثبت من المصدر.
[7] كذا في الأصل و«ز1» و«ز4» و«ز5»، وفي «م» وغيرها: جنسها.
[8] كما في الفتح 13/17.
[9] 4255، وفي نسختي: أية هو؟